(( شمّتت بيا عداي ليش يا حبيبي يا دگة المحبوب دگة خزعلية )) , أغنية عراقية خالدة , صدح بها فنانون كبار, جعلت من مصطلح (( الدگة الخزعلية )) جزءًا من الوجدان العراقي والعربي , لكن ما قصة هذا المصطلح ؟ هل هو مجرد وشم جميل , أم أن له جذورًا أعمق في التاريخ الشعبي؟ الوشم والغرام ,في معناه الأكثر شيوعًا , تشير (( الدگة الخزعلية )) إلى نوع من الوشم الأزرق الذي كان شائعًا بين نساء العراق قديمًا , كانت هذه الزينة تُدق على الذقن أو اليدين أو الحواجب , وتُنسب تسميتها إلى جمالها , كأنها تحفة فنية , وفي ثلاثينيات القرن الماضي , ربطت المطربة بدرية أنور هذا الوشم بآلام الحب والغرام في أغنيتها الشهيرة , لقد شبّهت شدة الألم المصاحب للوشم بألم الفراق أو الخيانة من الحبيب , ليصبح (( دگة المحبوب )) , و(( الدگة الخزعلية )) تعبيرًا عن العذاب الجميل في الحب.
الغدر والخيانة التاريخية , لكن المصطلح يحمل معنىً آخر أكثر قسوة , يروي قصة خيانة تاريخية , أشار لها كتاب (( بغداد سيرة ومدينة )) للرحالة ناجي جواد عن قصة الشيخ خزعل الكعبي , أمير المحمرة وعربستان , الذي تعرّض للغدر على يد شاه إيران في عام 1925 , ليتم تسليمه وتنتهي بذلك إمارته , فتحوّلت هذه الحادثة المفاجئة والمؤلمة إلى مثل شعبي ومصطلح يُستخدم للتعبير عن الغدر والخيانة التي تأتي من أقرب الناس أو في أكثر الأوقات غير المتوقعة , ليُقال (( فلان دقّ فلان دگة خزعلية )) ,لوصف الخيانة التي لا رجعة فيها.
هناك روايات أخرى : الوفاء والقوة , فإلى جانب هذه المعاني , تروي الأساطير الشعبية حكايات أخرى , ففي إحدى الروايات , يُنسب المصطلح إلى قبيلة خزاعة التي كانت معروفة بقوتها وشهامتها , وكان أفرادها يشنّون (( ثلاث هدّات )) (هجمات متتالية) على أي قبيلة تغدر بهم , مما جعل العشائر تتحاشاهم , هنا , تحمل (( الدگة الخزعلية )) معنى القوة والثأر الذي لا يلين , وفي رواية أخرى أكثر رومانسية , تُنسب إلى شاب من عشيرة الخزاعل في الكاظمية أحب فتاة من الأعظمية , وعندما رفض أهلها تزويجهما , عبر نهر دجلة ليلاً وحملها على كتفه وهرَب بها , هنا , تحوّلت (( الدگة الخزعلية))إلى رمز للوفاء والتضحية في سبيل الحب , وأصبحت تعبيرًا عن الفعل الشجاع والنقي الذي قام به الحبيب.
وهكذا تجد ان الرمزية مستمرة , من وشم جميل إلى قصة حب وفاء , ومن غدر تاريخي إلى قوة قبلية , يظل مصطلح (( الدگة الخزعلية)) حيًا في الذاكرة العراقية , إنه يجسّد القدرة على حمل معانٍ متناقضة في كلمة واحدة , ليصبح رمزًا يحكي عن الحب والألم , والقوة والوفاء , والغدر والخيانة.
ختاما : يلوم العراقيون أميركا على دكتهم الناقصة حين أسقطت النظام السياسي في بلدهم دون تفويض أممي وبأدعاءات كاذبة , ووضعت حكومة لدولة فاشلة , خنقت افضل ما فيها من كوادر , وصعدت اسوأ مافيها , وكأنه ليس هناك نماذج شريفة ومشرفة , وجرت البلاد الى واقع مخزي ساهم في نشر ألفساد , بأستخدام سياسة ممنهجة لنشر الأحباط واليأس والشعور العام بالدونية , ألا ان العراقيين الأباة الذين لا يناموا على ضيم , يستلهمون مما تقدم عزيمتهم وتصميمهم على استعادة حقوقهم بأسلوب عام وإيجابي , فعلى الرغم من كل التحديات , يبقى في قلب هذا الشعب إرادة صلبة لا تلين , وإيمان عميق بأن حقوقه المسلوبة ستعود إليه , إن التاريخ يشهد على أن هذا الشعب , الذي ورث حضارة تمتد لآلاف السنين , لا يقبل الوصاية ولا يرضخ للظلم , ففي كل منعطف , تثبت أيادي أبنائه أنهم قادرون على تجاوز المحن واستعادة زمام المبادرة , هذه المسيرة نحو السيادة الكاملة والعدالة الاجتماعية ليست مجرد حلم , بل هي قدر محتوم سيتحقق بفضل عزيمة كل فرد يؤمن بحق العراق في أن يكون حراً ومستقلاً , وأن يقرر مصيره بنفسه , ويظل اهل العراق ألأصلاء يتطلعون الى القيام بالهدات الثلاث لأجدادهم الخزاعل , وليطيحوا بنظام بريمير وعملاءه , في دكة خزعلية ستتحدث عنها العوالم والعربان .