أسوأ ما ورثناه، نحن كمجتمع عربي مسلم،”الطائفية”، ذلك الارث الثقيل الذي خلفه لنا تاريخنا “السياسي الاسلامي”، طيلة أربعة عشر من قرون خلت. ذلك التاريخ الملئ بانقساماته وتناقضاته وأزدواجياته.
واشير هنا إلى مفترق مفصلي، ألا وهو انفصال “السياسي الشرير الطامع والمستأهل لنفسه بالتوريث”، عن “المؤمن الإنساني الحضاري الراقي بجميع ابداعاته المحمدية”. من هذه النقطة بالذات ولد ” المشروع الطائفي السياسي المؤدلج”، الذي لم يستطيع تقديم ما هو حضاري تقدمي بل ظل قابع برجعيته المتعنجهة المتكئة على الماضي أو من يمثل الماضي، في هذا العصر والعصور التي سبقته بما تحمل من طياتها من مآسي وويلات. هكذا، واعتمادها أيضا على التيارات والمذاهب الدينية، وعلى الأثر التاريخي المخزون في ذاكرة الطبقات المهشمة لتخاطبها وتجعلها تتوجه كما
تريد هي.
لاشك انها تلبس ثوب الحرباء، وتتباكى بدموع التماسيح، لا لتخليص وانتشال أبناء هذه الطبقات من الحيث السياسي والاجتماعي، بل”لاستحمارهم وأستغلالهم” من أجل تحقيق أهدافها ومآربها العدوانية المريضة ومصالحها المشبوهة.
هذا المشروع يعمل متضامنا مع الطائفية السياسية التي تعمل على تسييس “عفوية الجماهير وسذاجتها” بأي ثمن من الاثمان، حتى لو كان على حساب “المجازفة بحياتهم “تحت مطلب دخول الجنة والتغدي مع شخص رسول الله(ص)!!
مستغلة بذلك الآليات المرتكزة على أوهام اساليب “الجبر والقسر والتعسف”، مما يخلق التربة الخصبة لانتعاش الاصوليات الدينية والسلفية وجماعات التكفير والعنصرية! انتشار أسواق الطائفية السياسية كشفت ما كان مستورا، وخافيا من “دجل وكذب ومروق”، وكشف كل ماكان مزيفا من أفعال، شأنها “تسميم الحياة السياسية، والتناقض مع الديموقراطية،وتقزيم الحياة السياسية معنويا وأدبيا، وتغيير اتجاهاتها بالسير قدما نحو الهدف”، وكذلك يحجم مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين، ويضر ببناء الوحدة الوطنية.. ويبقى الفرق شاسعا وكبيرا، بين “الطائفية” و”الانتماء”،فالانتماء حالة طبيعية وانسانية تنسجم مع جميع متطلبات التاريخ والجغرافيا،لاتستوعبه عقول الخبثاء والتكفيرين، من أصحاب الوجه الدوغمائي المكبوت،ولا من اتخذ
العصبية والحمية الجاهلية عنوانا له، وهوية شاذة لأفكاره الفاسدة والخبيثة.