منذ عام 2003 والعراق يعيش في أسر معادلة مشوّهة فرضها الساسة الذين يحكمون باسم تمثيل الشيعة. هؤلاء لم يقدّموا للعراقيين نموذج الدولة الحديثة، بل استبدلوها بمسرحية متواصلة من الوعود الكاذبة، والشعارات، والمزايدات الطائفية.
النفاق السياسي عند هذه الطبقة يتجلى في خطاب مزدوج: يزعمون أنهم حماة الشيعة من الدكتاتورية وعودة البعث، بينما يمارسون أبشع أشكال الاستبداد والفساد داخل الدولة. يرفعون شعار الديمقراطية، لكنهم حوّلوا مؤسساتها إلى واجهات زائفة تُدار خلفها شبكات المحاصصة والنهب. يدّعون الوقوف مع الشعب، لكنهم لا يتورّعون عن تهديده مباشرة: إما نحن نحكم، أو يسقط البلد في الفوضى والدم.
هذا الابتزاز السياسي ليس جديداً؛ إنه سلوك انتهازي يقوم على صناعة الخوف وتضخيم المخاطر، حتى يبقى العراقي أسيراً لفكرة أن بقاء هذه الطبقة السياسية، رغم فسادها المروّع، هو أهون الشرور. غير أن التجربة أثبتت أن هذه الطبقة هي نفسها مصدر الخراب: بطالة متفشية، فقر مدقع، انهيار الخدمات، سطوة الميليشيات، وتبعية القرار الوطني للخارج.
الأخطر في هذا المشهد أن الشرعية الدينية والمذهبية، التي استُخدمت في لحظة ما لتبرير المقاومة ضد الاستبداد السابق، تحولت إلى غطاء للفساد ونهب الثروات. لم يعد الانقسام اليوم بين مستبد وديمقراطي، بل بين شعب يبحث عن الكرامة والعدالة وطبقة سياسية لا همّ لها سوى الغنيمة والسلطة.
إن الساسة الشيعة الحاكمين في العراق اليوم يواجهون مأزقاً تاريخياً: فإما أن يستمروا في لعبة النفاق والانتهازية، فيخسروا ما تبقى من شرعية شعبية، أو أن ينصتوا لصوت العراقيين الذين أثبتوا في احتجاجات 2019 أنهم قادرون على كسر جدار الخوف والطائفية.
العراق لا يحتاج إلى حراس طائفة يهددونه بالدكتاتورية والفوضى، بل إلى رجال دولة يحوّلون تضحيات الناس إلى مؤسسات عادلة ودستور وطني. وحتى يحدث ذلك، سيبقى العراقي يواجه سلطة تكذب عليه نهاراً، وتنهب أحلامه ليلاً، ثم ترفع في وجهه شعار: لا بديل عنا.