14 سبتمبر 2025 10:08 م

مصر وأزمة اللغة العربية .. كيف نتجاوزها ؟

مصر وأزمة اللغة العربية .. كيف نتجاوزها ؟

خاص: بقلم- محسن الميرغني:

أثار تصريح الممثل السوري “سلوم حداد” – من أشهر أدواره في مصر دور رجل الأعمال الفاسد “أبو وليد” في مسلسل (أبوالعلا 90)؛ أمام العملاق محمود مرسي – موجة غضب عارمة بين جموع الفنانين والممثلين المصريين تحديدًا دون غيرهم، وانبرى فريق منهم يدافعون ويدفعون عن أنفسهم تهمة الإخفاق في العمل والتمثيل باللغة العربية الفصحى، بل وسجل بعضهم مقاطع مصورة لهم وهم ينطقون باللغة العربية الفصحى، ليثبتوا صحة كلامهم وخطأ الرأي الذي تحدث به الأستاذ “سلوم” ساخرًا في لقاء لا أعلم زمانه أو مكانه – ولا يهمني أن أعلم – المهم أن هذه الموجة من الاستياء من رأيه، أثارت بعدها موجة أكبر من النقاش والجدل بين أفراد القبيلة الفنية وجمهور وسائل التواصل الاجتماعي في مصر وغيرها من بلدان العالم العربي، وانقسّمت الأطراف إلى مؤيدين لرأي الأستاذ “سلوم” ومعترضين أو رافضين له.

والحقيقة أن المناقشات التي دارت؛ وربما لا زالت تدور على وسائل التواصل الاجتماعي، تبتعد كثيرًا عن منطق العقل والعلم والبحث عن الحقيقة، وتقترب أكثر من جموح العاطفة وانفعال التحيَّزات والاندفاعات دون تفكير فيما يُقال من كلامٍ للرد على ما يُطرح من أفكار أو آراء..

فلا أحد يُمكنه إنكار الحقيقة التاريخية بأن مصر بلد كبير قديم وله تُراثٍ فني وفكري ممتدَّ في الماضي لآلاف السنين، ولا أحد ينكر أن مصر لديها مخزون تاريخي من الأعمال الفنية والفكرية التي سمحت لها بالرايدة في المنطقة العربية، ولا أنها ذات مخزون بشري كبير من الفنانين والعاملين بالفنون بمختلف مجالاتها ومستوياتها وأشكالها، وأنهم جميعًا قادرون على التميَّز إذا أُتيحت لهم الفرصه لذلك. أو أن اتهامهم بشكلٍ فيه سخرية وجُرح التعميّم اللا دقيق بإسبّاغ صفة الجهل وعدم الدراسة بنُطق اللغة العربية بشكلٍ سليم، فيه من التجني والتزيدَّ ما يُقابله على الجانب الآخر المصري إنكارٍ مفرط لوجود أي مشكلات أو أوجه من القصور في الوضع الراهن للفن المصري، والتي ينبغي على فناني مصر الكبار الوقوف أمامها لمحاولة معالجتها بشكلٍ عقلاني منهجي علمي وعملي أيضًا.

ومن أبرز هذه المشكلات وأوجه القصور هي قضية اللغة وعاء الفكر وسبيل الوصول للمعنى وشغّل القلب والعقل وأداة التواصل بين مختلف الجماعات البشرية في مختلف العصور والأزمنة، وهي أداة فنية ضرورية وهامة لا يُمكن أبدًا الاستغناء عنها بمختلف مستوياتها بالنسبة للفنان والممثل تحديدًا. من ثم تُصبّح قضية اللغة التي تطرحها تلك الموجة الانفعالية الطاغية قضية وجود ودفاع عن الذات والنفس بالنسبة لفُصيل الممثلين المصريين في مواجهة حملات النفي ومحاولات التهميش أو التغيّيب المضَّمر التي يُحاول البعض إبرازه وتصدّيره في المشهد العربي والمصري الراهن. من أجل التقليل من الشأن المصري وتقزيم دوره الفاعل في مختلف المجالات وعلى رأسها الفن.

والحقيقة العلمية والتاريخية تقول أيضًا أننا بلدٍ غني بموارده البشرية والفنية العظيمة والتي لن تنتهي طالما ظل وبقي إنسانٍ مصري حي على وجه هذه الأرض، فمصر تحظى بوجود أكبر رصيد فني أكاديمي من الفنانات الفُضليات والفنانين الأفاضل الذين ينتسبّون لمختلف فنون الآداء والعرض (مسرح وسينما وتلفزيون وغناء)؛ وهي أكبر بلدٍ عربي من حيث التعدّاد السكاني وهو ما يتَّيح لجمهورها القدرة على رسم المسّار وتحديد مدى نجومية فنان أو القضاء على طموحاته الفردية في الوصول إلى قلوب الجماهير، ومصر أكبر بلدٍ عربي لديه مواد فنية وتاريخ بصري (مسرحي وسينمائي) بل وصوتي إذاعي يسمح لها بأن تندّرج بكل ما لديها من رصيد – رُغم أنه مهَّمل ومخفي – تحت عنوان البلدة “صاحبة التّراث الحضاري الأكبر” والمتجدَّد في منطقتنا العربية. فهي أول بلدة عربية عرفت السينما بعد أوروبا، وأول بلدٍ عربي عرفت المسرح في صورة رسمية مؤسسية قبل ظهوره في كثيرٍ من بلدان المشّرق العربي. بالتالي يصَّعب على فنانيها الحاليين أن يتلقوا مثل هذه النميّمة الفنية من فنان عربي قدير بصدرٍ رحب، أو باعتبارها مزُحه جانبية في حوار بين متحدثين لا يقصدّون الإساءة.

ونحنُ لكي نُحاول الإجابة على السؤال الأهم والأبرز في رأينا في تلك المسألة المشكلة؛ “قضية اللغة”، بشكلٍ عملي، تبيَّن قدرتنا نحن المصريين على إتقانها ونطقها بصورة فصّيحة سليمة يُمكننا طرح مبادرة فنية لغوية لها جذورها وامتدادها في ثقافتنا العربية وحضارتنا المصرية وهي مبادرة فنية بامتياز إقامة فعالية فنية كبرى في يومٍ يتم اختياره باتفاق وإجماع بين جموع الفنانين المصريين وليكَّن مثلًا (اليوم العالمي للغة العربية) لإقامة يومٍ يحمل عنوان “الشعر العربي ديوان المصريين” يلقي فيها فنانو مصر من مختلف التخصَّصات والمهن (ممثلون – مؤلفون – نقاد – تشكيليون.. إلخ) قصائد من أشعار كبار شعراء الجاهلية وأشعار من العصور العربية اللاحقة (العصر الأموي – العباسي – حتى عصرنا الحديث).. إلقاءًا صحيحًا فصيحًا نقيًا لا تشّوبه شائبة ولا يُخطيء أو يُلحن فيه المَّلقي في نُطقه للغة بناءًا وتعبيرًا ومن ثم نثبَّت بشكلٍ عملي/ علمي قدرتنا الحقيقية الحاضرة لا الخفية على نُطق اللغة العربية بشكلٍ صحيح مكتَّمل الأركان إلقاءًا وآداءًا وتعبيرًا وبذلك نقطع ألسنة المتجاوزين والمتحاذقين بشأن لغتنا وقدرتنا وكفاءتنا.

والمقترح الثاني الذي يُمكن تفعيّله لتشجيع الفنانين المصريين (الممثلين تحديدًا) على الاهتمام والعناية باللغة العربية بل ويُمكن أن أزيد عليها (اللغة الإنجليزية أيضًا) هو إنشاء لجنة متخصصة من أساتذة أقسام اللغات بالجامعة المصرية بالتعاون مع الهيئات والمؤسسات الفنية الرسمية بوزارة الثقافة وعلى رأسها أكاديمية الفنون بمعاهدها وهيئات الكتاب والثقافة الجماهيرية.. بحيث تقوم هذه اللجنة المتخصصة بعمل اختبارات تأهيل دورية لكافة المنتسبَّين لمجالات الفنون والآداب والثقافة ممن يحتاجون لإجادة وإتقان اللغتين العربية والإنجليزية بحُكم طبيعة عملهم الذي يتطلب منهم التواصل مع جمهور من المتَّلقين (قُراءًا ومشاهدين)، وأن تعتمد هذه الاختبارات الدورية على تأكيد مبدأ سلامة النُطق والتعبير وكفاءة الدراية باللغة العربية وعلوم الصوت واللسان (وكذا في الإنجليزية) بشكلٍ دائم ومستمر ومتجدَّد، على أن يحظى من اجيتاز هذا الاختبار الدوري في اللغة شهادة ترخيص لغوي موثق تمنحه له اللجنة الرسمية بحيث يحصل بوجود هذه الشهادة ضمن أوراقه وعند قيامه بأي عمل مهني على ميّزات مالية إضافية بنسّبة متُفق عليها، نتيجة لجهوده واجتهاداته في الارتقاء باللغة وإتقان آداته الرئيسة والمركزية في مهنته وعمله. أو أن يحظى كل ناجح يجتاز الاختبار الدوري على امتيازات مالية وإدارية مقابل تميَّزه ونجاحه المتكرر في هذه الاختبارات.

والنتيجة المتحصلة من مثل هذه الاختبارات ستكون عظيمة على المستويين العملي والعلمي حيث ستسمح لنا بحصولنا على أرقام حقيقية “بيومترية” جازمة لا ظن فيها ولا انفعال بأن الفنان المصري في مختلف المجالات (ممثلًا ومؤلفًا وناقدًا.. إلخ) بل ومتفرجًا يتُقن اللغتين العربية والإنجليزية بشكلٍ مادي ملموس واضح أكيد مثبَّت. وأن ما يُقال عن تفوقه وامتيازه ليس مجرد كلام مرَّسل يجتّر على بعض وسائل التواصل الاجتماعي بين أفواه دراويش الكلام السهل، بل حقائق مثبَّتة رسميًا بنتائج مخبرية وعملية لاختبارات حقيقية رسمية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة