جلستَ يوماً مع صديق، وتحدثتما عن أمرٍ ما،
ثم فتحت هاتفك، فإذا بالإعلان أو المنشور يتحدث بالضبط عمّا ذكرته قبل قليل.
تبتسم بدهشة، وتقول: صدفة! لكنها ليست كذلك.
فالمنصات الرقمية لا تعمل بالعفوية، بل بخوارزميات دقيقة، تُراقبك بصمت،
ترصد ما تكتبه، ما تبحث عنه، مدة وقوفك على صورة، نبرة صوتك قرب الهاتف، ثم تُعيد تشكيل ما تراه، وما تفكر فيه، وما تظنه حقيقة.
الخطر لا يكمن في إعلانٍ يُلاحقك، بل في واقعٍ يُصنع لك دون أن تدري، واقعٌ يُحدّد لك ما يظهر، ويُخفي ما لا يُناسب الخوارزمية،
حتى تظن أن ما تراه هو “العالم كله”، بينما هو مجرد فقاعة، صُمّمت خصيصاً لك، لتبقى أطول وقت ممكن على الشاشة.
وهكذا، شيئاً فشيئاً، يُصبح العقل أسيراً لا حرّاً، تُوجّه اختياراته، وتُهندس رغباته،
ويُعاد تشكيله وفق ما تريده المنصة، لا ما يريده هو.
فالسؤال الذي ينبغي أن يُطرح بصدق:
هل نحن من يستخدم المنصات؟
أم أن المنصات هي التي تستخدمنا، وتُعيد تشكيل وعينا، وتُعيد رسم ملامحنا في الخفاء؟
إن الوعي الرقمي لم يعد ترفاً، بل ضرورة لحماية الذات من الذوبان في خوارزمية لا تعرف الرحمة،
ولا تُفرّق بين إنسانٍ يُفكّر، وآخر يُستهلك.
فلنُمسك بزمام عقولنا،
قبل أن تُمسك بنا خوارزميات لا تُريد منا
إلا شيئاً واحداً:
أن نبقى… أن نُحدّق… أن ننسى من نكون.