ميخائيل فاسيليفتش لومونوسوف ( 1711- 1765 ) (يكتبون اسمه بعض الاحيان بالعربية مثلما يلفظه الروس حسب قواعدهم اي لامانوسوف) – عالم موسوعي روسي عملاق واول اسم روسي يدخل في تاريخ العلوم ومسيرتها عالميا ومؤسس اول جامعة في روسيا وهي جامعة موسكو عام 1755 والتي تسمى ايضا ومنذ عام 1940 جامعة لومونوسوف , العالم الذي اكتشف – على سبيل المثال وليس الحصر – وجود غلاف جوي حول كوكب الزهرة وحقق الكثير من الاضافات في علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات و الجيولوجيا و الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ ووووو , هذا العالم الموسوعي ساهم بشكل كبير ورائع ومدهش في مجالات اللغة الروسية وآدابها ايضا رغم كل نشاطاته الكبيرة والمتنوعة في كل تلك العلوم المختلفة الاخرى , وتتناول مقالتنا هذا الجانب بالذات , والذي لم يحظ بما يستحقه من انتباه وعرض ودراسة وتحليل في مصادرنا العربية حول اللغة الروسية وآدابها بشكل عام اولا , وحول مكانة و اهمية لومونوسوف نفسه فيها ودوره الرائد في مسيرة علوم الفيلولوجيا الروسية هذه و تطويرها بشكل خاص ثانيا . النقطة الاولى التي تقتضي التوقف عندها في هذا المجال – من وجهة نظرنا المتواضعة – هي ان لومونوسوف هو من اوائل العلماء الروس الذي أصدر كتابا يتناول علوم اللغة الروسية واسماه – ( القواعد الروسية ) وذلك في عام 1755 , ( كانت هناك محاولات قبله في خارج روسيا لكتابة تلك القواعد و كانت هناك محاولة اخرى داخل روسيا ولكنها لم تتحقق كما يجب ) وتحدث فيه عن مفاهيم علمية لغوية ,او ما يسمى الان بعلم اللسانيات , مثل الكلمة بشكل عام والاسماء والافعال وتصريفها و اجزاء الكلام والقواعد الاملائية والاسلوبية و تنوع التلفظ ( في موسكو والشمال الروسي والاوكرايني) و
بناء الجملة …الخ , وبالتالي يمكن القول انه هو الذي وضع بداية الاسس الحقيقية للقواعد العلمية للغة الروسية , وهي مسألة كبيرة جدا في تاريخ الامة الروسية طبعا , ومن المهم هنا ايضا الاشارة الى ان لومونوسوف في كتابه هذا تحدث بشكل واضح و دقيق عن وجود لغتين عند الروس هما اللغة الروسية و اللغة السلافية – الكنسية , مؤكدا على التقارب والتشابه بينهما بالطبع , و مؤكدا ايضا في الوقت نفسه على الفروقات والتباينات الجذرية بينهما , وفي هذه النقطة بالذات تكمن الاهمية القصوى والعظمى لهذا الكتاب , اذ انه واقعيا تكلم – ولاول مرة في التاريخ الروسي – عن اللغة الروسية الادبية اولا وعن لغة الكلام الحية للشعب الروسي وكلامه الشفاهي في حياته اليومية ثانيا وخصائص تلك اللغتين وتميزهما عن اللغة السلافية – الكنسية السائدة في صلواتهم وكنائسهم الارثذوكسية, وباختصار فان لومونوسوف حاز – وبجدارة واستحقاق – على لقب ( القواعدي الاول في تاريخ اللغة الروسية ), ولم يفقد هذا الكتاب قيمته واهميته عبر كل هذه السنين الطويلة منذ صدوره , ولا يزال لحد الان يعد واحدا من المصادر التي يشيرون اليها في تاريخ اللغة الروسية و تطورها ومسيرتها . لقد أصدر لومونوسوف هذا الكتاب عندما كان – واقعيا – في قمة مجده وتألقه العلمي باعتباره واحدا من ابرز علماء روسيا آنذاك في مجالات مختلفة ومتنوعة من العلوم مثل الكيمياء والفيزياء والجغرافيا ..الخ , وهذا يعني بالطبع انه توجٌه الى اللغة الروسية بالذات في تلك اللحظة التي شعر فيها – كعالم روسي كبير – بضرورة دعم هذه اللغة ومساندتها و النهوض بها باعتبارها الوسيلة المهمة والحاسمة والاساسية للتعبير عن كل تلك العلوم , منطلقا من مفهومه الوطني والذي ناضل طوال حياته من اجله – وهو اهمية وضرورة التعبير عن كل العلوم باللغة القومية للشعب ( اي الروسية ), لأن اللغة – من وجهة نظره – هي العامل الاساسي والعنصر الحاسم والضروري جدا لبلورة الامة وكيانها وشخصيتها , اذ كانت هناك أصوات روسيٌة في تلك الفترة تتحدث عن استحالة دراسة العلوم باللغة الروسية , وانه من الضروري دراسة تلك العلوم باللغات الاجنبية كي يتم استيعابها
والاستفادة منها , وهي المسألة التي عانى منها لومونوسوف شخصيا في بداية مسيرته العلمية , وما أحوجنا – نحن العرب – الى دراسة هذه التجربة في زماننا الردئ هذا وتأملها بشكل عميق واستنباط الدروس والعبر منها , اذ اننا ومع الاسف نمرٌ – بشكل او بآخر – بظروف ومواقف تذكٌر بتلك الحالة اللغوية التي مرٌت بها الامة الروسية في القرن الثامن عشر, ولا زال هناك اناس عندنا يتحدثون – وبملء الفم !! – عن ضرورة دراسة العلوم المختلفة بلغات اجنبية لأن اللغة العربية قاصرة عن دراسة تلك العلوم بها واستيعابها والاستفادة منها, وهذا بالطبع موضوع آخرمختلف و بعيد عن هدف هذه المقالة ولهذا لا اريد الاسترسال به , وعليه فاننا نعود الى الكلام عن لومونوسوف ومساهماته في مجال الادب الروسي , وهو الجانب الآخر لمواقفه بشأن الفيلولوجيا الروسية حسب عنوان مقالتنا , ولعل النقطة الاساسية التي يجب الاشارة اليها هنا والتوقف عندها تكمن في ان لومونوسوف قد وضع اسس علم البلاغة الروسي , وما اعظمها واروعها من خطوة عملاقة في مجال تاريخ الادب الروسي ومسيرته , اذ انه أصدر كتابا بعنوان – ( دليل وجيز في علم البلاغة ) عام 1743 , ثم صدر له عام 1748 كتاب آخر بعنوان – ( علم البلاغة ) وهو واقعيا – من جانب آخر – اول كتاب روسي يتناول الادب العالمي ويتضمن نماذج مختارة منه, اذ ان لومونوسوف حاول في هذا الكتاب استخدام الامثلة الاجنبية العالمية لعرض افكاره واثباتها , وهي اول محاولة في هذا المجال في تاريخ روسيا, ولهذا فانها تمتلك تلك الاهمية التاريخية , اضافة الى انه ساهم – وبشكل كبير ومهم جدا – في صياغة وبلورة عدة اشكال جديدة ( او بحور ) في علم العروض الروسي . وختاما لعرضنا العام والوجيز هذا يجب بالطبع الاشارة الى نقطتين كبيرتين في ابداع لومونوسوف وهما – نشاطه واصداراته في مجالي الشعر والادب المسرحي , اذ انه يعد – وبلا شك – واحدا من شعراء روسيا اولا وواحدا من الذين أرسوا ادبها المسرحي ثانيا . ان تلك المجموعة من القصائد التي كتبها لومونوسوف ونشرها في روسيا آنذاك قد دخلت في تاريخ الشعر الروسي كنموذج للادب الكلاسيكي
الملحمي , والذي كان يهدف الى تمجيد الدولة وتثبيت دعائمها ومسيرتها ومجدها , وهو الشئ الذي كان يسعى اليه لومونوسوف بكل قواه , ولا زالت قصائده تلك و لحد الان تجسٌد هذا الاتجاه الادبي الملحمي في تاريخ ومسيرة الشعر الروسي , ويسمى هذا الاتجاه الادبي في كتب النقد الادبي الروسية ب ( الكلاسيتزيم ) ويترجمه بعض المترجمين بشكل غير دقيق ب ( الكلاسيكية ) مما يؤدي الى الخلط بين هذا الاتجاه الادبي المحدد ومفهوم الكلاسيكية العام والشامل جدا في الفن بمعنى النموذج المثالي القديم والجميل والمتعارف عليه, ولهذا يرى البعض ان نترجمه ب ( الكلاسيتزمية ) للتمييز بينهما , وهو اول اتجاه ادبي ظهر في الادب الروسي في القرن الثامن عشر قبل ظهور السنتمنتالية والرومانسية والواقعية , ومن الطريف هنا ان نشير الى رأي بوشكين بقصائد لومونوسوف , اذ أسماه – ( بروفيسور الشعر ) ولكنه ليس بالشاعر الذي ينطلق من ( الالهام ) , وانما ( يكتب الشعر كعالم ) وعلى وفق الاسلوب الالماني , وانه ( بعيد عن لغة الاحاسيس والخيال ) , وان لومونوسوف كان يتحدث ( بحرارة ) عن تجاربه الكيمياوية فقط ولا يفعل الشئ نفسه بالنسبة لقصائده , ويرى الكثيرون من الباحثين ان بوشكين كان محقا فعلا في كل هذه الآراء . اما عن أدب لومونوسوف المسرحي فانه موضوع كبير وممتع ويستحق الكتابة عنه بشكل تفصيلي ومستقل , اذ انه كتب مسرحيتين, الاولى تنفيذا لامر الامبراطورة الروسية آنذاك يليزافيتا وتم عرضها على خشبة المسرح الروسي في ذلك الزمن البعيد , اي في القرن الثامن عشر, ونشرتها اكاديمية العلوم الروسية في حينها , وكتابة هذه المسرحية تعد حادثة غريبة و فريدة في الادب المسرحي الروسي تقتضي بلا شك التوقف عندها لاحقا بشكل تفصيلي . والخلاصة , ان لومونوسوف يعد علما من اعلام اللغة الروسية وآدابها , واتمنى ان تسنح لي الفرصة كي اساهم لاحقا مع زملائي الباحثين العرب لتقديمه كما يجب للقراء العرب المهتمين باللغة الروسية وآدابها.