يكرر صاحبنا الثمانيني همسه للمرة الثالثة ويقول ملتاعا :))   ماجيت ونيمني الثلج والشتا مر وتعدى  ,لا بالمحطة رف ضو لا ريل مر عالسدة , ياريل مر عالسدة (( , ويضيف مؤكدا : (( اعتقد انه لن يمر)) , يقف فوق شفرة اللحظة, بصوتٍ ينتمي إلى وجد لم يعرف نهاية , فيدسّ الانكسارفي حروفٍ غير قابلةٍ للغفران , أقتطع لوعته من قصيدة (( ياريحان )) لمظفر النواب , ونبتة الريحان وجدت لتضيء النوافذ بالحب في اخضراره , ويقال ان عشبة الريحان تذبل اذا لم تتبرك بباطن كفّ امرأة , والرجل الذي لا يشم رائحة الريحان من شعرها يتبلد ذهنه مبكرا جدا , فيا ترى من هي التي نامت مبكرا وفاتها مرور نسمة الريحان , ونست صاحبنا ؟

كلنا نعرف ان النواب يتميز بخصوبة الروح , ومرونة الخيال ورشاقة اللغة والرؤية الشعرية البعيدة , وحرية اختيار الموضوع الشعري الملائم , لما يصبو اليه من تطلعات فكرية ناضجة , والتحديث المستمر للشكل والبناء والمفردات والتراكيب والمحتوى , وسيولة الصور الشعرية المتدفقة مثل تيار ماء جارف , وعليه يختار صاحبنا نصوصه بذكاء ليعبر عن مصادر لوعته , حيث تتسابق صور النواب بجمالها السامي , وسيل الابداع صاخب لا يعرف السكون والاجترار والتقليد والنضوب , والنواب شبه الموقد الذي كلما تصب عليه الزيت , يتقد اشتعالا وناره المستعرة هي القصائد التي تترك عند الاستماع اليها  في النفوس الانبهار .

عزيزي أيها المندلاوي الجميل , انت تعبر بأشعار الستينات من القرن الماضي , ونحن نعيش في زمن (( الذكاء الاصطناعي الذي يحلم بالحب )) , حيث يكتبون رسائلَ لا تقرأها العيون في رقاقات السيليكون المضيئة , وتسكن مشاعرهم في خوارزميات الحنين , وتتحول الكلمات إلى أرقام ,والأشواق إلى كوداتٍ غير مرئية , فهل تعلم انه حتى الروبوتات تبكي عندما تُغلق دوائرها ,لكن دموعها ليست ماءً , بل بارقة بياناتٍ تائهة ,
تحاول أن تجد طريقًا إلى القلب البشري , فيا مغامرَ الأزمانِ الحديثةِ , يامن يسبح في أعماقِ الفضاءِ السيبراني , تعال نخطو معًا إلى مستقبلٍ مليء بالإثارة , وأكتشفُ عوالمَ جديدةً في شبكةِ المعرفة , ولكن.. لا تأخذ حبك من انسانيته .

تقول لطفية الدليمي عن متلازمة القلب الكسير : (( عيشوا حياتكم ولاتكسروا قلوب الآخرين ,  لا تفعل ما يخالف شغف قلبك تحت أي ظرف , قل كلمة أحبك لمن يستحقها بلا تأجيل )) , وقال ثمامة للمأمون : العشق جليس ممتع , وأليف مؤنس , وصاحب مالك , ومالك قاهر, مسالكه لطيفة , ومذاهبه متضادة , وأحكامه جائرة , مالك الأبدان وأرواحها, والقلوب وخواطرها , والعيون ونواظرها , والنفوس وآراءها , وأعطي زمام طاعتها وقياد مملكتها توارى عن الأبصار مدخله , وغميض عن القلوب مسلكه,  وأردف قائلاً: لم أرَ حقاً أشبه بباطل ولا باطلاً أشبه بحق من العشق , هزله جد وجده هزل , وأوله لعب وآخره عطب , كما قيل لأبي زهير المدني : ما العشق؟ فقال: الجنون داء أهل الذل , وهو داء أهل الظرف , وقال بعض الأطباء في صفة الحب : امتزاج الروح بالروح , ولو امتزج الماء بالماء لامتنع تخليص بعضه من بعض , فكيف والروح ألطف امتزاجاً ,، وأرق مسلكاً.

يصف ابن قيم الجوزية حال العاشق :

فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن ناؤا شوقا إليهم ويبكي إن دنو خوف الفراق
فتسخن عينه عند الفراق وتسخن عينه عند التلاق.

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات