الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد.. مواقف عراقية متعارضة!!

الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد.. مواقف عراقية متعارضة!!

تواجه وقائع الحدث السياسي العراقي تحديات واضحة في تطبيقات استراتيجية التحول نحو شعار ” العراق أولا ” ما بين منهج اقتصاد طريق التنمية الدولي وترسيخ الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة بمشاركة “شيفرون” أكبر الشركات النفطية الامريكية، وبين ما عرف بخط محور المقاومة الإسلامية ضمن (وحدة الساحات) لفيلق القدس الإيراني. في هذا الاطار، أكد مستشار رئيس الحكومة العراقية للشؤون الخارجية، فرهاد علاء الدين، وجود “فرصة فريدة” أمام بغداد وواشنطن لتعميق شراكتهما الاستراتيجية، بما يعزز الأمن الإقليمي والتكامل الاقتصادي والاستقرار طويل الأمد في المنطقة، ومقاربة هذا الكلام  مع مواقف وتصريحات قيادات الفصائل الحزبية المسلحة التي تسعى لفرض سيطرتها على مجلس النواب وشرعنة نموذج عراقي للحرس الثوري الإيراني في تشريع قانون الحشد الشعبي بصلاحيات وتمويل مالي وعسكري يفوق بقية صنوف القوات العراقية، يمضي الى تعارض كلا الاتجاهين في بوصلة العراق المستقبلية، ما بين نموذج الشراكة الاستراتيجية مع السياسات الامريكية في الشرق الأوسط الجديد وبين تبني تطبيقات “وحدة الساحات” لمحور المقاومة بإدارة فيلق القدس الإيراني، مما يطرح التساؤل الأكثر أهمية عما يمكن ان يكون في كلا الحالتين، القتال لصالح محور المقاومة او الركون لشعار “العراق أولا”؟. تبدو الإجابة الواسعة عن هذا السؤال في استعادة وقائع الاحداث ما بعد احتلال بريطانيا للعراق وتطبيق اتفاقية سايكس بيكو، وموقف المرجعيات الدينية من هذا الاحتلال والمضي نحو ثورة العشرين بحضور ميداني لهذه المرجعيات، فيما لم يشهد الاحتلال الأمريكي للعراق مثل هذا التوجه ربما لاختلاف الظروف السياسية الداخلية، كما وقائع السياسات الإقليمية والدولية  تختلف هي الأخرى، فيما نجحت واشنطن في احتلال العراق وتطبيق نموذجها للاحتواء المزدوج من خلال “الفوضى الخلاقة” انتهت الى إعادة ترتيب التحول  في الانتقال من أولوية الجانب الأمني الى الجانب الاقتصادي، تتطلب أمريكيا مواقف ثابتة تحاكي مواقفها في سياساتها الإقليمية، لان عدم وضوح مثل هذه السياسات لاسيما في موضوع العلاقات بين الفصائل الحزبية المسلحة التي تتعامل مع فيلق القدس بمصالح عقائدية تتبع ولاية الفقيه كنموذج للطاعة المذهبية، يمكن ان تتعامل معها واشنطن بروح عدائية متحفزة لاسيما في عهد الرئيس ترامب المعروف عنه سياسة إعادة امجاد أمريكا، ومع ذلك نجح العراق طيلة الأشهر الماضية الأكثر صعوبة في ضبط إيقاع تلك الفصائل المسلحة، بما يقدم انطباعا واضحا بأن من دون هذا الانضباط، لم تأت شركة شيفرون للاستثمار في نفط العراق، هذه المعادلة التي تختفي في صخب الشعارات واصوات المعركة الأعلى في عموم الساحة العراقية لاسيما من أحزاب الفصائل المسلحة داخل الاطار التنسيقي ومنها من يريد الدخول بزي الحشد الشعبي لتشريع قانونه ..!! وفق هذا المنظور فان البوصلة العراقية تتجه نحو أحد السيناريوهات التالية :
أولا: تقديم تطبيقات “العراق أولا” على طاولات أي لقاءات إقليمية او دولية، بما يفهم جميع الاطراف المعنيين ان هذا الشعار متفق عليه أولا بين أطراف تحالف إدارة الدولة ومنه أحزاب الفصائل المسلحة داخل الإطار التنسيقي، واعتبار كلما يجري من احداث صاخبة إعلاميا ليس بأكثر من إدارة التحشيد لجمهور هذه الأحزاب في الانتخابات المقبلة وشتان ما بين الخطاب الانتخابي والخطاب الاستراتيجي، وتثبيت هذا الفارق بات من بديهيات الأمور السياسية في الأحاديث الإقليمية والدولية.
ثانيا: سبق وان زار العراق وفد من الشركات الامريكية  في نيسان الماضي وتحدث عن “فرص  تاريخية” لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ناهيك عن كون اتفاقية الاطار الاستراتيجي قد تضمنت هذا الجانب إضافة الى الجانب الثقافي والاكاديمي، مما يمنح العراق فرصا حقيقية في الانتقال من إدارة الاقتصاد بالنموذج النفطي – الريعي الى نموذج إدارة انتاج المعرفة الصناعية من خلال الحصول على وسائل  الإنتاج وإدارة الخدمات في المدن الصناعية على طريق التنمية وما يمكن ان يضيفه للاقتصاد العراقي في تقليص فرضيات الاعتماد بنسبة تزيد على 90%  على ريع النفط الى الحصول على  مدخولات متجددة في انجاز طريق التنمية لاسيما مع وجود رغبات تركية إماراتية قطرية بالمساهمة في مشاريعه، هذا الانتقال الاقتصادي عراقيا، يتطلب بوصلة جديدة في تعريف العدو والصديق، فاذا كانت هناك معوقات عقائدية في التعامل مع الشركات الامريكية تتبناها الفصائل الحزبية المسلحة، لاسيما في ظل استمرار متوقع لعلاقات متشنجة بين ايران والولايات المتحدة، فان اظهار الممانعة والمعارضة من ذات أحزاب الفصائل الحزبية المسلحة بعنوان اخراج القوات الأمريكية من العراق يمكن ان ينتقل الى اخراج الشركات الامريكية من العراق والاستعاضة عنها بالشركات الصينية او الروسية او حتى الإيرانية واللبنانية !!
ثالثا: هناك نموذج التوسط في حل النزاع حول الملف النووي، ورغبة بعض الزعامات في الاطار التنسيقي اخذ هذا الدور لتلبيه نزعات شخصية، لكن أي حديث مستقبلي عن هذا التوسط يتطلب توفير أولويات الحياد المتعارف في هذا النوع من المفاوضات، ولا تبدو أي من أحزاب الفصائل المسلحة داخل الاطار التنسيقي الكفاية المتحققة للامساك بدور المفاوض الوسيط، لان قناعة الجانب الأمريكي الواضحة بانها من تحت معطف ولاية الفقيه وفيلق القدس الإيراني، ربما تكون مثل هذه الوساطة مقبولة في عهد الرئيس أوباما او بايدن في سياق تعامل الحزب الديمقراطي مع ذات الملف النووي الإيراني محل الاختلاف، لكن  ليس مع سياسات الحزب الجمهوري وبالأخص مع سياسات الرئيس ترامب.
رابعا: اما سيناريو المواجهة المتوقع استجابة  لتطبيق “وحدة الساحات” فانه حالة غير مستبعدة، وهناك مصفوفة احتمالات في التكهن بردود الأفعال الامريكية عليه، ابرزها سحب جميع الفعاليات الاقتصادية  الامريكية من العراق  وفرض عقوبات اقتصادية عليه وربما الرجوع الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وإعادة استخدام ذات القرارات التي صدرت بحق العراق بعد غزو الكويت، وهناك  من يعتبر وقوع مثل هذه العقوبات وتلك ردود الأفعال حتى وان كانت مسلحة انما تعد (حالة ابتهاج) في سياق شعارات محور المقاومة الإسلامية حتى وان شملت تبادل القصف بالمسيرات داخل العراق ومع دول الجوار التي تتواجد فيها القوات الامريكية، لان الجانب العقائدي في الالتزام بمنهج ولاية الفقيه انما تعني الولاء الكامل وتنفيذ الأوامر فقط، هذا ما يحسب لهذه الفصائل الحزبية المسلحة طيلة عقدين مضت على وجودها في العملية السياسية تضع رجلا في توظيف المال العام من خلال واجهات اقتصادية، وأخرى مع تلك السياسيات الإيرانية  في مواجهة العدوان الأمريكي الإسرائيلي ضمن  نطاق الملف النووي الإيراني.
لذلك استبقت المرجعية الدينية العليا كل هذا المتوقع واستشرفت ما يمكن ان يكون في دعوتها لحصر السلاح بيد الدولة فقط، ولكن تطبيق ذلك ما زال في خطواته الأولى وربما المتعثرة، والسؤال ما سيكون موقف المرجعية الدينية العليا امام أي مواجهة محتملة تدخل العراق – لا سامح الله – الحرب المقبلة؟؟ لا اعتقد هناك من يتمكن استشعار ما يمكن ان يكون في السيناريو الأسوأ، وأيضا ما يمكن ان يكون في غيره من السيناريوهات، فقط لان القناعات القيادية داخل العملية السياسية ليس لها ثوابت مطلقة وفق أسس دستورية، فأغلبية أحزاب الفصائل المسلحة مستعدة لاعلان الحرب إذا ما اعتقدت بضرورة المشاركة تحت عنوان “وحدة الساحات ” وليس العكس.