قبل ثلاث سنوات، قطعت الادارة الامريكية صلاتها بحكومة المالكي وخفضت مستوى التعاون الى أدنى درجاته. وكان لذلك اسباب. الأول والأهم أن الحكومة العراقية وعلى لسان رئيس الوزراء بدأ بالبحث عن حلفاء جدد حسب قوله، واتجه الى إيران. وشكل معها شراكة سياسية ، عبر موقفها من سوريا ومن سنة العراق وطبق هذه الشراكة اقتصاديا بحيث يذهب بعض المراقبين أن حكومة المالكي انقذت ايران من الانهيار حينما فتحت السوق العراقية للسلع والتجارة الايرانية. السبب الثاني أن حكومة المالكي هي التي فضت الشراكة مع امريكا من خلال سياسة طائفية شبه ديكتاتورية ساهمت في عدم التوقيع على الحصانة للقوات الامريكية وبذلك لم يترك اوباما في العراق الا عددا من الدبلوماسيين وقلص التبادل الاستخباري بين الجيش الامريكي والعراقي ولم تباطأت امريكا بعقود السلاح مع العراق. وقد لجأ العراق الى عقد صفقات سلاح مع روسيا واوكرانيا (شابها الكثير من الفساد كما هو معلوم).
هذه الطريقة في التعامل مع امريكا هي التي دعت اوباما الى فرض شروط للتدخل الامريكي في العراق. ثبت للإدارة الامريكية أن المالكي فشل بشكل كامل في ادارة العراق وقد يكون احد اسباب تمزقه الى دويلات لذلك وجب رحيله وما تبقى سوى الاتفاق مع ايران على بديل مناسب، مرضي عنه من قبل سنة العراق والاكراد وكذلك السعودية وتركيا.
هذا من زاوية امريكية، اما المالكي فموقفه معقد بعض الشيء. الآيدوجية التي ينهل منها المالكي (حزب الدعوة) تصف امريكا بعدوة الشعوب والشيطان الاكبر، وهي (اعلاميا على الاقل) على النقيض من حليف المالكي الآخر أي ايران. لذلك اتخذ
المالكي سياسة مهادنة لامريكا طيلة تواجدهم في العراق، وما أن حل الموعد الذي اعلنه اوباما لرحيل القوات الامريكية عن العراق حتى كشر عن انيابه وبدأ يطيح بشركائه السنة، وبدأ كذلك باعلان تحالفه الصريح مع ايران ومساندته لسوريا وعدائه الواضح مع الخليج العربي خاصة السعودية وقطر.
كانت امريكا تراقب المالكي مع اهمال دبلومسي واعلامي كبير، ولم تساعده. ورغم ان هناك توجه امريكي مساند للمالكي في ولايته الاولى، الا ان ولايته الثانية عانت من فشل على جميع الاصعدة.. وكانت امريكا تعول على التغيير من الداخل العراقي، الا ان هذا لم يحصل بل ازدادت هيمنة وعزلة نظام المالكي داخليا ودوليا.. وكانت الفرصة هي سقوط الموصل وانكشاف فشل الدولة العراقية على مستوى عالمي..مع ذلك، لا تريد امريكا ان تطيح بنفسها بالمالكي لئلا يكون ذلك مدعاة لاشكالات هي في غنى عنها. لا تريد كذلك أن تأتي بمن لا ترضى عنه ايران فيكون الاستقرار الداخلي هو الضحية عبر حلفاء ايران المسلحين (حزب الله والعصائب) وحتى معارضيه (التيار الصدري).. تريد امريكا ان يقوم السياسيون (وبتشجيع ايران) بتغيير المالكي وايجاد البديل..
بينما المالكي متمسك بالسلطة، وهي بالنسبة له حياة او موت.. لكنه بلا دعم.. لان الدعم الشعبي لا يعول عليه، ولم يسعفه أي نجاح يذكر، لذلك لجأ الى تسقيط الساسة السنة، وتأجيج العداء الاجتماعي للسعودية، بالاضافة الى نبرة بدأت ترتفع الآن من نقد لاذع للسياسة الامريكية من خلال إعلامه الخاص (العراقية وآفاق)، لأنه كما يبدو وصل الى قناعة ان يغامر في الانفصال عن امريكا ملقيا بنفسه في احضان ايران معتمدا على المرجعية والحماس الشعبي وعلى عدم رغبة امريكا بالتغيير المباشر.
ما سيحل الاشكال هو هزة عسكرية عنيفة اخرى للمالكي تجبر الجميع على حكومة انقاذ وطني لاخراجه من اللعبة، وما سينقذ المالكي هو تفتيت التحالف المرتقب بين
شيعة التحالف الوطني وسنة المناطق الغربية والاكراد.. ربما سيطيل المالكي الازمة او انه غير قادر على حلها لكنه سيستغل الزمن المتاح له وهو في استماتة لابعاد شيعة التحالف عن السنة، وتخوينهم وجعلهم في قناعة او اجبارهم على ترشيحه بالضد من امريكا (وهو حماس متوفر عند مقتدى الصدر بخاصة) او خوفا من قاعدتهم الشعبية (وهو ما تخشاه كتلة المواطن)..
والى أن تأتي الايام القادمة بالمفاجئات، يبدو المستقبل غامضا ومن الممكن أن تبتلع الهوة جميع الاطراف!