خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
يحظى تحديد الأهداف في النظريات الاستراتيجية، بأهمية استثنائية قبل الشروع في أي عداء عسكري، وبها تتضح خطة العمليات العسكرية، وتمنح الأطراف الفاعلة إمكانية الاستفادة من مصادرها على نطاقٍ واسع.
علاوة على ذلك؛ فإن سيناريوهات وتوقَّعات رد الفعل المحتمل من الطرف المقابل، من جُملة الحالات التي تُساعد في الحد من خسارة المصادر وتحقيق النصر. بحسّب ما استهل “سید عبدالمجید زواري”؛ تحليله المنشور على موقع “مركز بحوث العلاقات الدولية” الإيراني.
وبالنسبة للموقف الإسرائيلي من “إيران”، فإنه يمكن تقسيّم هذه الأهداف إلى ثلاث سيناريوهات:
الأول: السيناريو المرغوب: تقسيّم إيران..
السيناريو الأكثر طموحًا؛ حيث تسعى “إسرائيل” إلى تفكيك “إيران” جيوسياسيًا، تلك الرؤية التي تضرب بجذورها في الإدراك العميق لمكونات القوة الإيرانية؛ فلطالما لعبت “إيران” بتاريخها العريق وامتدادها الاستراتيجي دور بيت القوة في منطقة الشرق الأوسط.
وكما يقول المثل: “لا يتقاتل ملكان في إقليم واحد”؛ و”إسرائيل” كقوة هيمنية، تفتقر إلى القدرة على المنافسة طويلة الأمد مع “إيران” موحدة.
لذلك لا يُعطل تفكيك “إيران” قوتها الجغرافية فقط؛ بل يدَّمر كذلك الروابط غير القابلة للفصل بين التاريخ والهوية الوطنية التي تجسدّت في الأراضي الحالية، ويحل محلها عدة دول ضعيفة ومتقاتلة مع بعضها البعض.
هذا السيناريو؛ وإن كان بالغ الصعوبة، لكنه يبَّرز في التصريحات الأمنية للمحافظين الجدَّد وبعض الأوساط الاستراتيجية الإسرائيلية.
الثاني: السيناريو المحتمل، تغيير النظام..
السيناريو الثاني والأكثر احتمالًا من المنظور الإسرائيلي؛ هو تغييّر النظام الحاكم في “طهران”.
ويهدف إلى الإطاحة بنظام “الجمهورية الإيرانية” واستبداله بحكومة لا تكون أولوياتها المواجهة المباشرة مع المصالح الاقتصادية.
ويقوم هذا السيناريو بالأساس على استغلال الاضطرابات الداخلية في “إيران”. وكانت “إسرائيل” تأمل خلال حرب الـ (12) يومًا في خروج الشعب الإيراني إلى الشوارع مع زيادة الضغوط؛ بحيث يواجه النظام الحالي أزمة شرعية، وهي استراتيجية لم تتحقق.
لكن ضغوط العقوبات، والمشكلات الاقتصادية المزمنة، وانعدام الأمن المائي والطاقي. والفجوة بين الحكومة والشعب، تُحافظ على بقاء هذا السيناريو حيًا في مخيلة المخطط الإسرائيلي.
الثالث: سيناريو الحد الأدنى أو غير المرغوب: الإضعاف الممنهج..
السيناريو الثالث؛ الذي يُعتبر الحد الأدنى و”غير مرغوب فيه أو سيء” من منظور “إسرائيل”، هو إضعاف “إيران” بشكلٍ منهجي وشامل.
والهدف في هذا المخطط، الهدف ليس تغييّر النظام أو تفكيك البلاد، بل شّل قدرات “إيران” الاستراتيجية؛ خاصة في مجالات الأسلحة النووية، والصواريخ، والنفوذ الإقليمي، مدة عقد على الأقل، عبر استهداف البُنية التحتية الحيوية، المراكز البحثية، والقوات العسكرية، بهجوم جوي واسع النطاق، بهدف خلق نافذة أمنية للكيان الإسرائيلي.
أسباب وقف إطلاق النار بعد حرب الـ (12) يومًا..
كان وقف إطلاق النار بعد حرب الـ (12) يومًا بمثابة توقف استراتيجي للطرفين. من المنظور الإسرائيلي، كان هذا التوقف ضروريًا لعدة أسباب حيوية:
01 – إعادة بناء أنظمة الدفاع: تعرّض نظام الدفاع الجوي؛ (القبة الحديدية)، لضغوط كبيرة في الأيام الأخيرة من الحرب؛ وكان بحاجة إلى إعادة بناء وتجهيز مجدَّد، وذلك بمساعدة فورية من “الولايات المتحدة” و”أوروبا”.
02 – تحييّد العامل الديني: لا يزال أغلب المجتمع الإيراني متدَّين، وهو أمر تعرفه “إسرائيل”. لذلك، سعت للحيلولة دون استخدام الحكومة الإيرانية شهور محرم وصفر، التي تُحرك مشاعر الشيعة على مستوى عالمي، من أجل توحيد الداخل وزيادة شرعيتها.
03 – تصعيد الاستياء الداخلي في “إيران”: كانت “إسرائيل” تأمل في تفجير الاستياء الداخلي في “إيران” بمرور الوقت، وضغط نقص الطاقة؛ (المياه والكهرباء)، في ذروة حرارة الصيف، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية بعد الحرب، وبالتالي تفعيل سيناريو تغيير النظام مرة أخرى.
إطار زمني للهجوم المضاد..
بناءً على ما سبق؛ استقر الأمر على اختيار شهر أيلول/سبتمبر كأفضل وقتٍ للهجوم الإسرائيلي المضاد؛ حيث:
– يبلغ استياء المجتمع الإيراني ذروته على خلفية انقطاع الكهرباء والمياه.
– انتهاء شهور محرم وصفر، وبالتالي تراجع قدرة الحكومة على الحشد الديني ضد “إسرائيل”.
– عدم امتلاك “إيران” الوقت الكافي لإعادة بناء قدراتها الدفاعية المتَّضررة.
– إمكانية تفعيل عقوبات “مجلس الأمن” مجددًا، ما قد يُمثّل شرعية دولية للعمل الإسرائيلي.
استراتيجيات الردع والإجراءات الإيرانية المضادة..
بمقدور “إيران” التركيز على عدة محاور رئيسة، للحيلولة دون تحقق السيناريوهات الإسرائيلية:
– الدبلوماسية الدولية الفعالة: عبر التركيز على منع تفعيل “آلية الزناد”.
– الدبلوماسية الإقليمية: إثبات الإرادة والقدرة على تحويل أي هجوم إلى أزمة إقليمية شاملة.
– تعزيز التحالف مع القوى العالمية: من خلال تفعيل الدبلوماسية مع “روسيا والصين” لتحقيق التوازن على المستوى الدولي ضد أي عمل أحادي أو ثنائي (إسرائيل-أميركا).
– استعراض قدرات الردع: اطلاق مناورات عسكرية في الخليج لإثبات قدرة “إيران” على غلق “مضيق هرمز”، الشريان الحيوي لنقل النفط العالمي.
– الانسجام الداخلي: من الضروري تعزيز الوحدة الوطنية وتقليل الخطاب الذي يخلق الانقسامات.
أخيرًا، هذه السيناريوهات ليست حتمية، ويمكن للدبلوماسية الفعالة، واستعراض قوة الردع، والحفاظ على الوحدة الداخلية، أن تغير حسابات الطرف الآخر بشكل جذري، وبالتالي تمنع حدوث كارثة أخرى في المنطقة.
المستقبل يعتمد على قدرة “إيران” في تحويل التهديد إلى فرصة من خلال الذكاء الاستراتيجي.