خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
سلسلة الاتصالات والتحركات المكثفة من الحكومة المصرية؛ خلال الأسابيع الأخيرة، مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، و”الولايات المتحدة الأميركية”، و”جمهورية إيران الإسلامية”، تكشف عن دخول “القاهرة” على صعيد الوسّاطة بين “طهران” وهذه الأطراف.
لكن ربما يُطرح سؤال: هل تلعب “مصر” هذا الدور بمبادرة ذاتية أم استجابة لمطلب “الولايات المتحدة” و”الوكالة الدولية”؟.. بحسّب “صابر گل عنبري”؛ في تحليله المنشور على قناة (الكاتب) الإيرانية على تطبيق (تليغرام).
الحقيقة يبدو أن هذا النشاط الدبلوماسية هو نتاج سياسة مصرية أكثر من كونة استجابة لطلب الأطراف الأخرى.
لكن “القاهرة” تبتغي من هذه الوسّاطة استعادة دورها ومكانتها التاريخية في المنطقة وعلى صعيد السياسة الدولية، والتي كانت قد تراجعت خلال العقدين الماضيين على الأقل؛ حيث سلبتها الدول العربية في الخليج هذه المكانة، وتحول مركز الثقل السياسي العربي من “مصر” إلى منطقة الخليج، وتراجع الدور المصري إلى مجرد مراقب.
التقارب مع إيران بعد التجاهل الأميركي..
في غضون ذلك؛ حين عاد الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، إلى الشرق الأوسط مرة أخرى؛ أيار/مايو الماضي، وزار ثلاث دول ثرية هي “السعودية وقطر والإمارات”، واستثناء الحليف المصري من جولة الرئيس الأميركي، أصاب ذلك مصالح “القاهرة” في الصميم، ومنذ ذلك الوقت ازدادت التحركات المصرية للقيام بدور في الملف الإيراني.
“مصر” التي تصارع باستمرار أزمات اقتصادية، تتابع بحسرة وحزن تفوق مكانة مشايخ الخليج في السياسات الإقليمية والدولية، وتراجع مكانتها الإقليمية. والأمر الذي ساهم في بلورة نوع من اشتراك الرؤية بين “القاهرة” و”طهران” في الموقف من الأطراف الفاعلة في الخليج؛ بعد جولة “ترمب” بالمنطقة، وهو ما تجلى في التغطية الإخبارية وتعليقات النشطاء الإعلاميين والسياسيين المقربين من الحكومتين الإيرانية والمصرية.
لكن تأتي المساعي المصرية للوساطة بين “طهران” و”الوكالة الدولية والولايات المتحدة”، بينما لا تزال العلاقات الدبلوماسية التقليدية بين البلدين معدومة، ولم تُفلح وساطة “سلطان عُمان” في إحياء هذه العلاقات.
القاهرة.. نحو مسار آخر !
مع هذا؛ فإن حجم الاتصالات واللقاءات بين مسؤولي البلدين، خلال السنة الأخيرة، تجاوز بكثير ما يتم بين دولتين تربطهما علاقات عادية.
لكن هذا الحجم من الاتصالات واللقاءات لم يتُرجم عمليًا حتى الآن إلى إطلاق رحلات جوية مباشرة بين البلدين، أو سياحة جماعية، أو تعاون مشترك لتشكيل تحالف دبلوماسي عربي وإسلامي بهدف وقف الإبادة الجماعية في “غزة”، أو على الأقل دخول شاحنة واحدة تحمل مساعدات غذائية ودوائية من “الهلال الإيراني” عبر معبر (رفح) إلى “غزة”؛ ناهيك عن افتتاح سفارة وما إلى ذلك.
بل إن “مصر”؛ بعد حرب الـ (12) يومًا، وفي ذروة هذه الإبادة الجماعية بـ”غزة”، وقّعت عقدًا للغاز مع “إسرائيل” بقيمة: (35) مليار دولار، وهذا في حد ذاته يثَّبت أن اتجاه السياسة الخارجية المصرية، رغم المجاملات الدبلوماسية مع “طهران”، يتجه نحو مسّارٍ آخر.
فرص إيرانية ضائعة..
والحقيقة إن ملف إحياء العلاقات الثنائية، يخرج عن إرادة وقرار البلدين، ويواجه عقبات إقليمية ودولية، تعجز “القاهرة” بالفعل عن التخلص منها.
لذلك فإن “مصر” تحتاج؛ في إحياء علاقاتها مع “إيران”، إلى وسّاطة للقضاء على هذه العقبات. وقد كانت العقبات ثنائية في الغالب أثناء فترة حكم؛ “حسني مبارك”، وكان يكفي آنذاك تغييّر اسم شارع “خالد الإسلامبولي” في “طهران” لاستئناف العلاقات، لكن الآن فإن تأثير هذا الإجراء المتأخر في حكم العدم.
وهذا في ذاته؛ يكشف عن الخلل في عملية الإدراك، والرؤية الاستراتيجية، وتقيّيم المواقف في السياسة الخارجية الإيرانية التي تعجز عن رؤية الفرصة في الوقت المناسب، ولا تغتنمها، كما أن الاحتفاظ بها إلى ما بعد فوات الآوان لا يُجدي نفعًا.
وهو ما حدث في المصالحة مع “السعودية”، والمفاوضات مع “الولايات المتحدة”. فقد كان من الضروري وضع مسألة تحسّين العلاقات مع “الرياض” على جدول الأعمال قبل التوقّيع على “الاتفاق النووي”؛ في العام 2015م، حينها كان من المَّمكن الحيلولة دون اندلاع الكثير من الأحداث التالية.
كذلك خسّرت “إيران” فرصة التفاوض والاتفاق في فترة؛ “جو بايدن”، وسّعت للتفاوض والاتفاق مع إدارة “ترمب”؛ التي كانت سببًا في إفشال “الاتفاق النووي”، لكن الأمر انتهى بالحرب عمليًا.
لا مستقبل لهذه الوساطة..
والآن، بعد أن دخلت “مصر” على خط الوسّاطة بين “طهران” و”واشنطن”، يبَّرز التساؤل: ما مدى احتمالية نجاح هذه الوسّاطة؟.. في الواقع، لا توجد صورة واضحة لمستقبل هذه الوسّاطة.
ذلك أن الحكومة المصرية تفتقر أولًا إلى القدرة الكافية على المسّاومة لأداء دور مؤثر بشكلٍ متوازن على “الولايات المتحدة” و”إيران”، بغرض جمع الطرفين إلى طاولة المفاوضات وإحياء عملية الدبلوماسية بشأن الملف النووي.
ثانيًا: في ظل هذه الظروف، تسّعى “مصر” بشكلٍ أكبر إلى التأثير على “طهران” عبر مشاورات مكثفة ومجاملات دبلوماسية ووعود بإحياء العلاقات، لإقناعها بمنح تنازلات لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” واستئناف المفاوضات مع “الولايات المتحدة”، وذلك من أجل استعادة جزء من مكانتها الإقليمية، خاصة في نظر الغرب.