يطرح السياسي الدرزي اللبناني وئام وهاب فكرة ان ينكفئ المسلمون الشيعة عن تبني محورية المواجهة مع اسرائيل وذلك بعد تجربة السابع من اكتوبر وما تلاها من حروب واشتباكات قاسية اظهرتهم منفردين ومعزولين امام عدوهم الذي يفترضون انه عدو جامع وشامل لجميع المسلمين ، وفي المقدمة المسلمين العرب وغالبيتهم من المذاهب السنية . الفكرة ،رغم جرأتها كونها تستهدف بعدا عقائديا يتبناه زعماء الشيعة ،الا انها تستحق المناقشة وتبادل الآراء حولها في ضوء موجة العدائية ضد الشيعة والتي تنامت بقوة خلال نحو عامين من تصدر الشيعه لمشهد المواجهة مع اسرائيل .
يقول السيد وئام وهاب انه يدعو قادة الشيعة في المنطقة بما فيهم ايران والعراق وحزب الله الى التوقف عن تصدر الصفوف في محاربة اسرائيل دفاعا عن فلسطين والفلسطينيين ، ويرى ان الظروف والمعادلات تغيرت ومنها ان ( أمة السنة ) او أمة المليار لا تريد ان تقاتل ، وذلك بحكم المتغيرات في توجهات حكام امة المليار. محذرا من ان امة المليار ليس فقط انها لا تريد ان تقاتل بل انها مستعدة لمحاربة الشيعة اذا واصلوا مقاتلة اسرائيل – على حد قوله –
وفي هذا الاتهام ، يستند السياسي اللبناني الى آراء النخب المثقفة في العديد من الدول العربية التي نشطت على مواقع التواصل حيث تدافع عن اسرائيل وتشتم حماس والقوى الشيعية وهذا ما يرصد من خلال تتبع الكم الهائل من البوستات والتعليقات التي تؤيد وجهات النظر الاسرائيلية لاسيما ما ينشره ناشطون ومسؤولون ومتحدثون اسرائيليون على منصة تويتر ( X ) ومنهم إيدي كوهين وافيخاي ادرعي ..
كما ويستند السيد وئام الى فتاوى صدرت في السنوات القليلة الماضية من مشيخات دينية في عدة دول عربية واسلامية جوهرها يقوم على قاعدة سلفية مفادها ( ان محاربة الشيعة اولى من محاربة اسرائيل ) . مرجحا ان تلك الفتاوى قد تكون السبب وراء جلوس امة المليار على دكة المتفرجين في مشاهدة حروب الشيعة الاخيرة مع اسرائيل .
كذلك يرى السيد وئام ان توقف الشيعة عن تبني القضية الفلسطينية بعنوانها العريض وهو تحرير بيت المقدس ، مطلوب في هذه المرحلة لثلاثة اسباب :
الأول : اعطاء الفرصة لأمة المليار وزعمائها لكي يضطلعوا بدورهم في معالجة القضية الفلسطينية وذلك بعد اصوات مسؤولة صدرت عقب عملية 7 اكتوبر تندد بالدور الايراني وقالوها صراحة بان (( فلسطين قضية عربية سنية وليس من حق ايران الفارسية الشيعية التدخل فيها .. )) .
ثانيا : تغير جذري في الثقافة السياسية لدى مجتمع امة المليار. ، إذ لم يعد الغالبية يعتقدون بان القدس ينبغي ان تكون جزءا من دولة فلسطين المقترحة وانه يجب ان تترك القضية للفلسطينيين ليقرروا ما يرونه مناسبا .
ثالثا : يرى السيد وهاب ان توقف وانسحاب الشيعة سيكون فرصة ، للتوجه نحو اعادة البناء واصلاح الاضرار التي اصابت الامة الشيعية، سياسيا وديمغرافيا واقتصاديا واجتماعيا وذلك طوال مسيرة نصف قرن من تصدرهم للقضية الفلسطينية .
الى هنا ينتهي كلام السيد وهاب الذي يعتقد ان العراق وايران لديهم امكانات هائلة مادية وبشرية ، عقلية وعلمية ،مطلوب الان توظيفها في تنمية وتطوير المجتمع والانسان الشيعي الذي حرم من التطور والرفاهية ومواكبة التقدم الحاصل بالعالم بسبب تبنيه القضية الفلسطينية .
فالاولوية الان لبناء المدارس والمعاهد العلمية وللصناعة المتطورة والزراعة التكنلوجية وبناء المدن الحديثة لمنح الانسان الشيعي الثقة بوطنه والتأكيد على حقه بالتمتع بالحياة من خلال توظيف الاموال والاستثمارات في خطة عشرية تنموية شاملة وواسعة توصل وترتقي بالمجتمعات الشيعية الى مستويات متقدمة في الأمن والأمان الاجتماعي والصحي والغذائي بمايطمئن هذا الانسان على رفاهية الاجيال القادمة .
مع ان دعوة السياسي اللبناني تاتي في سياق من ردات الفعل العاطفية حيال صمت غالبية العرب امام مايحدث من تفكيك ممنهج للقضية الفلسطينية .. غير ان هذه الدعوة الى الانكفاء على الداخل الشيعي ، تبدو وكأنها نتيجة منطقية ، مستخلصة من دروس الصراع الشيعي الاسرائيلي ولاسيما في حروب السنوات الاخيرة وانه يمكن وضع الفكرة في اطار اكثر شمولية وفق حسابات استراتيجية مستقبلية بما فيها دراسة معادلات القوة ومعايير تحديد فرص التكافؤ مع العدو .
فالدروس المستنبطة تكشف بوضوح التباين في القوة العلمية التي يمتلكها العدو مقارنة بجبهات المقاومة التي تبين انها مكشوفة امام قدرة العدو الاسرائيلي تكنلوجيا وعلميا على الرغم من ان اسرائيل ( الكيان الجغرافي ) تعادل 1% مقارنة بحجم وعدد الامتداد الشيعي ، مساحة وسكان في خمس دول حولها الشيعة الى جبهات ضد الكيان الاسرائيلي .
وبتقديري ان الاخطر على الشيعة ومستقبلهم كقوة سياسية في المنطقة والعالم ، يكمن في نجاح الدعاية الاسرائيلية والعربية السنية في ساحتين :
الاولى : في الولايات المتحدة واجزاء من اوروبا اظهر الشيعة العرب والايرانيين على انهم طلاب ازمات وحروب وانهم عامل توتر في هذه المنطقة الحيوية من العالم .
هذا التأثير تركز في اروقة البيت الابيض ,،إذ يبدو ان الرئيس ترامب قد تبنى الى حد ما هذا التصور المصطنع بدليل ان مبعوثيه ومفاوضية ومنهم توم باراك وستيف ويتكوف لا يفوتون الفرصة للاشارة الى ( الخطر الشيعي ) عند الحديث عن الاوضاع السورية والاسرائيلية واللبنانية .
الثاني : نجاح العرب من المذاهب السنية في الترويج الى ان السنة هم ( أمة ) جاهزة لتبني الابراهيمية كمعتقد بديل ليكون الوعاء الذي سيمتلئ بمعاهدات السلام مع اسرائيل الصهيونية .
بمعنى اخر , ان العرب السنة يقدمون انفسهم على انهم الحاضنة لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يجسد الطموح الاستراتيجي للمنظومة الغربية التي ترى بانه قد آن الأوان لتتولى اسرائيل ادارة ترتيبات هذه المنطقة نيابة عن الغرب .
وفي تحليل لما ينشر في مقالات عربية في بعض الصحف السعودية والاماراتية واللبنانية والسورية ،يبدو الطرح العدائي جليا بتوصيف الشيعة على انهم أعداء ( للابراهيمية ) وبالتالي اعداء لمشروعات وخطط السلام ودمج اسرائيل في المنظومات الامنية والسياسية والثقافية والاقتصادية في منطقة المشرق العربي .
ومع قرب تكامل واندماج ( السنيصهيوغربية ) سيكون الشيعة في مواجهة مباشرة وقريبة جدا مع هذا التحالف الواسع سياسيا وامنيا وثقافيا وهي مواجهة خاسرة للشيعة وبكل المقاييس الواقعية الحالية .