ما بين “الانسحاب” وإعادة “التموضع” .. ما هو وضع القوات الأميركية في العراق الآن ؟

ما بين “الانسحاب” وإعادة “التموضع” .. ما هو وضع القوات الأميركية في العراق الآن ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

أقاويل متعدَّدة تدور حول القوات الأميركية في “العراق”؛ فما بين الانسحاب من قاعدة (عين الأسد) إلى قاعدة (الحرير) في “أربيل”، وهو ما أطلق عليه إعادة للتموضّع، أثيرت التساؤلات حول بنود الاتفاق بين “بغداد” و”واشنطن”، وهل شمل الانسحاب كافة أجزاء “العراق” أم جزءٍ منه، وبينما يؤكد مقُرب من رئيس الحكومة أن بقاء القوات الأميركية في “أربيل” يُعدّ: “خرقًا”، كشف الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)، عن موافقة رئيس الحكومة؛ محمد شيّاع السوداني”، شخصيًا، في حين، نفى مصدر عسكري رفيع صدور أية قرارات من الأخير بهذا الشأن، مشيرًا إلى أن ما جرى بالمُجمل هو: “إعادة تموضّع” متَّفق عليه وصولًا إلى الانسحاب النهائي في العام المقبل.

وبدأ تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق انسحاب قوات (التحالف الدولي) من “العراق”، عبر مغادرة أول قوة أميركية من قاعدة (عين الأسد) في “الأنبار” باتجاه “أربيل”، واتجاه جزءٍ منها لـ”الكويت”، وآخر نحو قاعدة (التنف) في “سورية”، على مراحل تستّمر حتى أيلول/سبتمبر 2026، لتحقيق الانسحاب الكامل.

جدولة الانسحاب..

وذكرت السفارة الأميركية في “العراق”، في بيانٍ لها؛ أن انسحاب (التحالف الدولي) ليس نهاية عمله لهزيمة تنظيم (داعش)، بل إن (التحالف الدولي) سيواصل جهوده المدنية على مستوى العالم.

ويأتي هذا الانسحاب؛ وفقًا للإعلان المشترك بين الحكومة العراقية و”واشنطن”، في أيلول/سبتمبر 2024، حيث جرت جدولة الانسحاب، في حينها بعد ضغوط داخلية عديدة.

وكان مكتب رئيس الوزراء، قد أعلن؛ في 27 كانون ثان/يناير 2024، انطلاق أعمال اللجنة العسكریة العلیا المشتركة بين “العراق” و(التحالف الدولي)؛ بقيادة “الولايات المتحدة”، لمَّراجعة مھمة (التحالف الدولي) لمحاربة (داعش)، وتقييّم المخاطر، معلنًا عن جدول زمني لإنھاء المھمة العسكریة لـ (التحالف)، والانتقال إلى علاقات أمنیة ثنائیة بین “العراق” و”الولایات المتحدة” والدول الشريكة في (التحالف).

ويقول المحلل السياسي، المُقرب من رئيس الحكومة؛ “عائد الهلالي”، خلال حديث لـ (العالم الجديد)، إن: “قضية الانسحاب الأميركي من بعض القواعد العراقية باتجاه أربيل، تُمثّل أحد الملفات الحساسة التي تتطلب موقفًا واضحًا من الحكومة العراقية، لما تحمّله من أبعاد سياسية وأمنية ترتبط مباشرة بسيّادة البلاد ووحدته الوطنية”.

جزء من معركة استكمال السيّادة..

ويُضيف “الهلالي”؛ أن: “القرار الأميركي بتحريك بعض قواته نحو أربيل، يُثيّر جُملة من التساؤلات، لا سيّما أنه يأتي في ظرف إقليمي ودولي حساس، ما يفتح الباب أمام فرضيات متعدَّدة، أبرزها محاولة واشنطن الإبقاء على موطيء قدم عسكري دائم في العراق عبر بوابة الإقليم، وهنا تؤكد الحكومة العراقية أن أي وجود عسكري أجنبي خارج الاتفاقات الرسمية المَّعلنة لا يُمكن القبول به، وأن المصلحة الوطنية العليا تقتضي معالجة هذا الملف بشفافية تامة وبما يحفظ سيّادة العراق”.

ويؤكد أن: “الحكومة العراقية تنُظر إلى هذا الملف بعين المسؤولية الوطنية، وتتعامل معه باعتباره جزءًا من معركة استكمال السيّادة الوطنية وحصر السلاح والقرار الأمني بيد الدولة”، مضيفًا أن: “رؤية الحكومة تنطلق من مبدأ أن أي اتفاق يتعلق بوجود القوات الأجنبية أو انسحابها، يجب أن يشمل جميع الأراضي العراقية من الشمال إلى الجنوب دون استثناء، وأربيل ليست كيانًا منفصلًا، بل هي جزء أصيل من الدولة العراقية، وأي محاولة للتعامل معها بمعزل عن بغداد أو خارج الإطار السيّادي للحكومة الاتحادية يُعدّ خرقًا للدستور وتجاوزًا على وحدة البلاد”.

موافقة مسبَّقة من “السوداني”..

وفي رده؛ يؤكد عضو الحزب (الديمقراطي الكُردستاني)؛ “وفاء محمد كريم”، خلال حديث لـ (العالم الجديد)، أن: “انسحاب جزء من القوات الأميركية باتجاه مدينة أربيل، جاء بالاتفاق مع رئيس الوزراء؛ محمد شيّاع السوداني، وموافقته حصّرًا”.

موضحًا أن: “الجميع يُدّرك الحاجة للقوات الأميركية في هذا التوقيت، لا سيّما في ظل ضعف الأجهزة الأمنية، ونمو حركة الفصائل المسلحة التي تُعتّبر أقوى من أجهزة الدولة”، مبينًا أنه: “في الوقت الحالي لن تقوم الفصائل المسلحة باستهداف أربيل، حتى لو انسحبت القوات الأميركية وتمركزت في المدينة، لأنها تخشى المواجهة وتصاعد حملة الاستهدافات ضد قادتها، وبالتالي لا تُريد فتح باب الحرب مجددًا، ولكن إذا ما حصلت الحرب مجددًا بين إسرائيل وإيران، فقد تكون حُجة للاستهداف مرة أخرى، وهذه المرة ستَّرد واشنطن وبقوة”.

يُعزّز مكانة الإقليم دوليًا وسياسيًا..

ويُشيّر إلى أن: “وجود القوات الأميركية في أربيل واختيارها من بين المدن العراقية الأخرى، يؤكد مدى ثقل إقليم كُردستان، وتأثيره في الداخل الأميركي، وهذا الأمر سيُعزّز من مكانته دوليًا وسياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وهذا ما لاحظناه من طلب الخارجية الأميركية من بغداد حول قضية الرواتب وإنهاء مشكلة تصدير نفط كُردستان”.

ويردف أن: “إقليم كُردستان يُشّكل معادلة صعبة، خاصة مع وجود أكبر قنصلية أميركية في العالم داخل أربيل، وبالتالي يجب عدم الاستعجال بالانسحاب الأميركي، ولن نكون طرفًا في الصراعات الحاصلة في المنطقة”.

وكان مستشار رئيس الوزراء؛ “حسين علاوي”، قد قال بحسّب “الوكالة الرسمية”، قبل يومين، إن: “الحكومة العراقية مُلتزمة بالمنهاج الحكومي، عبر بناء القوات المسلحة وإنهاء مهام (التحالف الدولي)، ونقل العلاقات الأمنية مع دولة (التحالف الدولي) إلى علاقات دفاعية ثنائية مستَّقرة تحكم في ضوء العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي تنفيذ الاتفاق بين العراق ودول (التحالف الدولي) ماضٍ نحو الأمام”.

نفي مصدّر عسكري.. 

من جانبه؛ يقول مصدر عسكري رفيع، في تصريحات خاصة لـ (العالم الجديد)، إن: “ما جرى هو متَّفق عليه وفق اللجان الحكومية المشتركة، ولا يوجد أي تحرك مفاجيء أو مخالف للاتفاق، والأمر يسّير وفق توقيتات زمنية معلومة”.

وحول الانسحاب التام من الأراضي العراقية، بما فيها “أربيل”، يٌشيّر المصدر؛ إلى أن: “ذلك محدَّد بحلول أيلول/سبتمبر من العام المقبل، وهو قرار سيّادي، ومن صلاحيات الحكومة الاتحادية حصّرًا”.

وبشأن وجود موافقة حصّرية من قبل رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، لتواجد القوات في قاعدة (الحرير)، ينفي: “وجود مثل هكذا استثناء، لأنه ليس من صلاحياته، وإن مثل هذه القرارات تُتخذ من قبل اللجان المتخصصة التي ترفع إليه قرارتها من أجل الموافقة عليها، وأن الأميركان لا يتعاملون مع أوامر ارتجالية أو شفهية حتى لو كانت من قبل رئيس الحكومة شخصيًا، بل وفق قرارات ومواقف حكومية علنية ومتسلسلة”.

يُعمّق الخلافات..

بينما أكد عضو “لجنة الأمن والدفاع” النيابية بـ”مجلس النواب” العراقي؛ النائب “محمد الشمري”، في تصريح لوكالة (المعلومة)؛ أن: “الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة واضحة وصريحة، إذ تنص على انسحاب جميع القوات الأجنبية من كامل الأراضي العراقية، وليس فقط من الوسط والجنوب مع إعادة تمركزها في إقليم كُردستان”، مبينًا أن: “الإقليم يتصرف وكأنه دولة مستَّقلة عن بغداد، وهو ما يُعمّق الخلافات بين الطرفين”.

وأضاف “الشمري”؛ أن: “واشنطن تعمل للحفاظ على مصالحها في المنطقة، لذلك قامت بإنشاء قاعدة عسكرية داخل الأراضي الأردنية تبُعد نحو (20) كيلومترًا فقط عن الحدود العراقية، في إطار استعدادات لإعادة التموضع والتهيؤ لمرحلة جديدة من الانتشار العسكري”.

أبعاد تكتيكية تفَّعل الخلايا النائمة..

من جانبه؛ اعتبر الباحث في الشأن السياسي؛ “أثير الشّرع”، أن: “الانسحاب المَّعلن نحو أربيل لا يمكن النظر إليه كإجراء طبيعي، بل يكشف عن نوايا مبيَّتة لاستهداف مواقع مهمة في العراق”، مشيرًا إلى أن: “هذا التحرك يُمثّل خرقًا واضحًا للاتفاقيات الأمنية، خصوصًا أن جدولة الانسحاب كان من المفترض أن تبدأ في أيلول/سبتمبر المقبل”.

وتابع “الشّرع”؛ أن: “الأراضي العراقية قد تتحول إلى غرفة عمليات تستهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع جعل أربيل مركزًا محتملًا لهذا العدوان”، مضيفًا أن: “الخطوة تحمل أبعادًا تكتيكية قد تُمهدّ لتفعيّل الخلايا النائمة داخل البلاد، بذريعة محاربة الإرهاب كما حصل في عام 2014”.

تحسّب أميركي من “قانون الحشد الشعبي”..

إلى ذلك؛ يبيَّن رئيس المركز (العربي الأسترالي) للدراسات الاستراتيجية؛ “أحمد الياسري”، خلال حديث لـ (العالم الجديد)، أن: “ما يجري هو إعادة تموضّع طبيعي، والانتقال من (عين الأسد) إلى قاعدة (الحرير) في أربيل، يُعتبر نقطة تحول في السياسة الأميركية”.

ويوضح “الياسري”؛ أن: “واشنطن تتحسّب من احتمالية إقرار قانون الحشد الشعبي، في وقتٍ هي تمتلك الكثير من الأوراق ضد العراق، من بينها فسّح المجال أمام إسرائيل لاستهداف قادة الفصائل، كما جرى في لبنان وإيران”، مبينًا أن: “هناك ترقبًا لجولة مواجهة بين إيران وإسرائيل، والعراق ليس بعيدًا عن هذه المواجهة، والاستهداف قد يحصل من الفصائل أولًا، خاصة وأنها تسّعى حاليًا بنشوة بعد قرار الانسحاب”.

ويتُابع أن: “استهداف أربيل قد يحصل في أي وقتٍ كما جرى خلال الشهر الماضي، عندما استهدفت الحقول النفطية، ولكن الانسحاب باتجاه قاعدة (الحرير)، هو جزء من التأمين الأمني للقوات الأميركية، لكن تلك القوات لن تترك قاعدة (عين الأسد) كليًا، لأنها مرتبطة بمسرح عمليات الشرق الأوسط”.

يُشّار إلى أن وجود القوات الأميركية في “العراق”، أثار جدلًا كبيرًا، خاصة بعد عملية اغتيال نائب رئيس هيئة (الحشد الشعبي)؛ “أبو مهدي المهندس”، وقائد (فيلق القدس) الإيراني؛ “قاسم سليماني”، قرب “مطار بغداد”، حيث صوت البرلمان في حينها على قرار لإخراج القوات الأميركية.

وكانت القوات الأميركية؛ قد انسحبت من “العراق” أواخر عام 2011، بعد دخولها البلاد عام 2003، قبل أن تعود مرة أخرى في 2014 من بوابة (التحالف الدولي) لمحاربة تنظيم (داعش)؛ الذي بسّط سيّطرته على أراضٍ كبيرة في “العراق وسورية”، بطلب من الحكومة العراقية، حيث أعلن النصر على التنظيم المتشدَّد عام 2017، وبقيت تلك القوات متَّمركزة في قواعدها إلى اليوم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة