يروي النائب والسياسي الراحل حسين جميل في كتابه الحياة النيابية في العراق 1925—1946( ص 314–315 ) قصة مفادها ، قيام وزارة ياسين الهاشمي بصرف واحد وعشرين الف دينار لم يؤذن بصرفها في قانون الميزانية ، ومن غير أن تصدر مرسوما بصرفها ،.
في زمن الحركات العسكرية في الفرات الأوسط سنة 1936، صرفت وزارة ياسين الهاشمي واحد وعشرين الف دينار مكافأت نقدية إلى قسم من منتسبي الجيش والشرطة بنسبة راتب شهر واحد لكل واحد منهم ، ولم يكن هذا المبلغ قد اجيز صرفه في قانون الميزانية العامة ،ولم تصدر الوزارة قبل صرفه مرسوما يجيز لها صرفه استنادا لحكم المادة 26 فقرة 3 من الدستور ، وعندما جاءت وزارة حكمت سليمان إلى الحكم قدمت إلى مجلس النواب لائحة قانون يجيز هذا الصرف ، أعلن رئيس المجلس في جلسة. 1937/3/16 أحالتها إلى اللجنة المالية لتدقيقها وتقديم تقريرها إلى المجلس ، وفي جلسة 3/25 أعلن رئيس المجلس ورود تقرير اللجنة وكان التقرير يتضمن قبولها بالاكثرية وأيصاء المجلس بالموافقة عليها .
سأل ذيبان الغبان – نائب عن الكوت – وزير المالية عن زمان سحب المبلغ موضوع القانون وصرفه ، اجابه أن هذا المبلغ صرف في زمن الحركات التي أجرتها الوزارة السابقة ، وانطت منتسبي الجيش بما يساوي راتب شهر واحد ، والمبلغ صرف والحكومة السابقة( كما تحقق للمجلس العالي)؛ بأنها خالفت القانون بصرفه ولم تتقدم إلى المجلس حتى ولا بمرسوم .
فقال ذيبان الغبان ، أن المجالس النيابية اساس تشكيلها هو المحافظة على أموال الدولة والميزانية ، والمجلس هو وكيل عن دافع الضريبة ، والميزانية هي الناظر على اعمال الحكومة ولا يمكن لكل وزارة أن تصرف خلافا لقانون الميزانية ،ولا يمكنها أن تجبي أو تصرف من غير أن تستأذن من المجلس وتستحصل المصادقة منه ، اهم شئ دستوري واهم واجبات المجلس هي الميزانية . فاذا صرف الوزير ابكيفة ، فاين تبقى قيمة للمجالس ،، هذه المبالغ 21 الف دينار صرفت بلا مرسوم وليس لها في الميزانية فصل او مادة او باب ، فهذا المال 21 الف دينار يجب تضمينه الوزارة السابقة ، مشتركا ومفردا لان المادة (97 من الدستور) هي لا يجوز تخصيص راتب أو اعطاء مكافأة أو صرف شئ من أموال الخزينة العمومية الموحدة واية جهة الابموجب القانون ، وقال أنا بصفتي نائبا أتهم الوزارة السابقة .، إنها خالفت الدستور .واستدرك يقول أن الوزارة السابقة مسؤولة سياسيا ويجب أن تحال على المحكمة العليا . وتكون ملزمة بتعويض المصروفات ، ثم قال ، الحكومة يجب عليها اما أن تقرر اتهام الوزارة السابقة أو تسحب اللائحة . ، وقد دافع محمد على محمود وهو نائب من اربيل ورئيس إللجنة المالية في المجلس ، قائلا ، عن صرف المبلغ في حينه وان الحركات هي التي استدعت صرف هذا المبلغ
مقرونا بالمصلحة العامة ، الجيش قام بواجبه ، ضباط، تفادوا بحياتهم ومنحوا مكافأة ، وهذه المكافأة لا تسترد منهم ولا من الذين صرفوها فيجب علينا تسجيل بطولة للجيش والشرطة ، أن نصادق عليها ، وقال ان الغابة تبرر الواسطة .، فرد عليه الغبان ، قائلا ، اذا أتبعنا القاعدة القائلة ان الغاي
ة تبرر الواسطة فلا يخفى أن الحكومات المستبدة لها ميزانيات ، ولكن الشعب قام وعمل ثورات دامية وازال ذلك الدور وجعل المجالس النيابية فوق كل شئ ، فاذا غطينا هذه الضرورات فما هي الفائدة من تشكيل المجالس النيابية ، ولماذا تدقق الميزانية .
تم فيما بعد تم معالجة الموضوع وفقا للقانون ،
اردنا بتقديم هذه القصة ، أن نذكر النواب بدورهم وهم يحملون الامانة بواسطة الوكالة ، واردنا أن تقول ان، ، مجلس النواب العراقي في بداية القرن العشرين كان أكثر تقدما من المجلس الحالي ، سواءا من حيث التكوين والانضباط والدقة والحرص ، وان القصة كانت تدور حول اهم واجبات مجلس النواب إلا وهو الإشراف على اعمال الحكومة ومحاسبتها وفقا للدستور والقانون ، وان من اولوياتها هي التصديق على الموازنة ، والأشراف المستمر على تنفيذ بنودها ، وان لا يتم الصرف إلا وفقا للاصول ، وانا شاهد أن الموازنات كانت تنفذ بدقة متناهية ، واليوم ونحن في شهر اب ، أين هي موازنة هذا العام .؟ هل هي لدى مجلس الوزراء أو في حوزة مجلس النواب ، أم لا زال الصرف وفقا لبدعة 12/1 ، والسؤال الاهم ، وقد رأينا نموذجا في محاسبة مجلس النواب للحكومة من خلال القصة التي وراها حسين جميل ، أين يجد المواطن اليوم دور المجلس في محاسبة الحكومة والموازنة لا زالت معطلة ، هل علاقة مجلس النواب بالحكومة علاقة تصادم أن علاقة تخادم ، أم أن الأمور تسير وفقا للتفاهم ،
أن المعارضة تجلت في قصة المكافأة ، ولم تكن على منصب او منفعة ، والمعارضة وفقا للديمقراطيات الغربية هي بمثابة الاحسان على الحكومات، لانها تنبيه لها من الهفوات ، لا معارضة المصالح والإتهام ، نتمنى الاتعاض من القصة في قادم الأيام والحليم تكفيه إشارة الابهام .