أخطاء تطبيق فتاوى دينية (صحيحة)… تلاحق شبح المعضلة الأميركية في عراق ما بعد 2003 مرة أخرى تظهر المعادلة الجدلية ما بين المصلحة الوطنية في تعريفها الاشمل الاعم والتعريف الحزبي المعلون بالأجندات التي ترتبط بالخارج إقليميا ودوليا لهذه المصلحة، فانتهى الامر الى حرب طائفية مجنونة، تجيز الإفطار على خمر الإرهاب، ما دام كل طرف من أطراف المعادلة الوطنية وفقا لتعريف “الوطن” في الفقه الأكاديمي، بكونه مجموعة بشرية من السكان تعيش على رقعة جغرافية لها حدود معترف بها دوليا وتحكم وفقا لعقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم “. والسؤال الجدلي المطروح من هو الطرف الذي يصور معطيات موقفه على انه حربا على الطائفية البغيضة ، والجميع يدعي وصلا بذلك ، فيما تبرز وسط حطام العملية السياسية المأزومة بخلافاتها ، حججا متعارضة ما بين فتاوى ، كان المطلوب منها ان تستشعر اليات التطبيق، فما يذكره السيد احمد الصافي في خطبة الجمعة الماضي يؤكد ان ثمة عدم رضا من مرجعية النجف على اليات تطبيق فتوى الجهاد الكفائي، في مقابل فتوى الشيخ رافع الرفاعي والشيخ عبد الملك السعدي ، التي تبدو قراءة ما بين اسطرها تجيز تطبيقات تنظيم داعش في وقت الحرب من اجل” تحرير العراق من الاحتلال الصفوي” !!
مشكلة الجميع في عراق اليوم انهم يتجاوزون على الحقائق والانتقال الى الاصطفاف الطائفي بالشكل الذي يظهر نتيجة تطبيق الفتاوي وليس القول بها ، وهنا تترسخ المسؤولية الاعتبارية ليس على من يطبق الفتوى بل على من يصدرها ، وهناك سابقة واضحة في مواقف السيد السيستاني حينما اصدر أوامره بتشكيل لجنة الستة التي نظمت اعمال القائمة الشيعية الأكبر في انتخابات عام 2005 ، لكي تتوقف بعدها جميع الإنجازات السياسية لهذه القائمة عند موقف مقلدي المرجع الأعلى وهم ينتظرون مواقفه مما جرى تطبيقه فيما بعد من هذه القائمة فانتهى الامر الى مقاطعة مكتب السيستاني لرجالات الحكومة ورفضه مقابلتهم ، لكن استشعاره الخطر الكامن على كل العراق وليس الشيعة فقط ، جعله يصدر فتواه بالجهاد الكفائي ، وما يستلزم بعد ذلك حصول التنسيق المطلوب بين مكتب المرجعية الدينية في النجف والحكومة في بغداد لكي تكون لكمات الفتوى في موضعها الصحيح والعمل على عدم توظيفها لخدمة اهداف حزبية طائفية بعينها كما حصل في المظاهر المسلحة اتي انتقدتها خطية السيد الصافي .
مشكلة ساسة اليوم في الأحزاب التي جعلت من دين الله عز وجل مجرد “تجارة” تقاذفها الاطماع الشخصية بالمناصب والنفوذ، وكأن معركة “الجمل” تستحضر بكل مقوماتها الاجتماعية من جديد، وفي ذات الخط كأن نموذج الحكم الصفوي يستعيد دوره في احتلال بغداد ويدافع بالضد من سياسات عثمانية، لا تتطابق مع المضمون المذهبي الذي حولته اليات الحكم الصفوي الى نماذج اجتماعية، أضحت اعرافا لا يمكن تجاوزها في المجتمع العراقي المعاصر. كل ذلك يجعل المواطن البسيط امام استحقاقات كبرى، سواء اكان شيعيا ام سنيا بان لا صوت يعلو على صوت المعركة اليوم، حين وافقت الأطراف السياسية، الإفطار على خمر الإرهاب، وعدم الاتيان بحلول من شأنها الحفاظ على بيضة الإسلام، وحين وقعت واقعة ” تحرير الموصل” او ” انكسار الجيش فيها بالخديعة والمؤامرة” كما يقول السيد نوري المالكي، ، اعادت طرح السؤال عن السبب المباشر للحرب الاهلية في العراق المعاصر، فكانت عملية تفجير مرقد الامامين العسكرين في سامراء مفتاحا لها وما بعدها من اثام الحرب الطائفية المقيتة، وهي اليوم كذلك من جانب قياداتها الداعشية وما يلتف حولها من قيادات عراقية لا تخجل من الحديث عن تحرير العراق من الحكم الصفوي الجديد ، فيما لا يقرأ في خطاب المرجعية الدينية الرشيدة الا الالتزام بثوابت الدفاع عن النفس ومن خلال المؤسسة العسكرية النظامية،لكن توظيف هذا المضمون في خطاب سياسي مقابل من حكومة المالكي والتحالف الوطني الشيعي، يحتاج الى ان يفهم مضمونه بشكل صحيح ، حتى يطرح خطين من الحسم عسكريا واجتماعيا ، بان تكون مبادرة مفتوحة للمصالحة الوطنية ، على خط مواز للعمليات العسكرية التي لابد وان تكون حازمة حاسمة لكسر ظهر داعش ومن يقف معها بأيام قلائل ، تحت عنوان صريح لعراق واحد لا مواطن فيه من الدرجة الأولى واخر من الدرجة الثانية بل الجميع سواسية امام
القانون قولا وفعلا ، وهي حالة حرجة لا يمكن تجسير فجوة الثقة فيها بسبب سياسات المالكي خلال 8 سنوات مضت .
وكل ما يطرح اليوم من أفكار لمجلس” أمن قومي” يضم اقطاب العملية السياسية او حكومة جديدة ربما تكون بزعامة المالكي ولكن بمشاركة رموز العراق الجديد، تؤكد بان مثل هذه الفجوة يمكن ردمها من خلال سياسات متجددة، تكون لها القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب من دون ان يوظف النصر الذي حشدت له المرجعية الدينية العليا جمهور مقلديها لصالح حزب او طائفة او قومية، حينها لا يمكن لاي متصيد في المياه العكرة ان يصوب سهام نقده الجارحة لقرار سيد النجف اية الله السيستاني بإعلان جهاد الكفاية.
اما تلك البيانات التي تتحدث عن نصر مؤزر وامجاد قد زالت ونماذج حكم متخلفة أكثر من حكم طالبان في أفغانستان، تجعل الانسان وهو يعيش الالفية الثالثة، يشهد نموذجا لكل التخلف الإنساني عن قيم العصر ، مثل الخنجر في ظهر الدين الإسلامي الحنيف، تطبيقا لمعركة الصهيونية العالمية الازلية ضد قيام “هرمجدون” المعركة التي تزيل امجادهم بعد ان يعلون في الأرض مرتين!!.
في المقابل ، لا تبدو التحليلات الأميركية لما حدث ويمكن ان يحدث في عراق اليوم والغد اكثر من محاولة لقراءة أخطاء ادارتي الرئيس الأميركي بوش الابن، تضيف أليها تردد وعدم قناعة إدارة الرئيس باراك أوباما في الذهاب الى الحلول الناجعة للانتهاء من انتقال العراق الى ارض للأموات الاحياء كما يصفه مايكل ناتيس ، الخبير المعروف في الشؤون العراقية لمعهدو اشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، فيما تواصلت التحليلات التي تشير الى تحول العراق الى ارض لمعركة تصفية الحسابات الإقليمية بين ايران والعرية السعودية ، مقابل احاديث عن صعود موجة الطائفية مجدا لتشكل تسونامي عراقية يمكن ان تؤثر كليا على السياسات الأميركية في الشرق الأوسط ، مما جعل مجلس الامن القومي الإسرائيلي يطرح تساؤلاته عن حقيقة استخدام القوة العسكرية الأميركية لضمان مستقبل إسرائيل !!
هذا المصير يبدو اليوم أقرب الى جلسات التفاوض السرية بين واشنطن وطهران على هامش طاولة المفاوضات حول ملفها النووي، لتعيد طهران طرح ما سبق وان
طالبت به في اجتماعاتها مع 5+1 في بغداد عن دورها الإقليمي مقابل بعض التنازل عن عسكرة مشروعها النووي.
هنا تظهر المخادعة السوقية، كما يقول اهل القفه الأكاديمي، والتي تقود المنطقة الى الجنون الطائفي من اجل لملمة ملف تنظيم القاعدة داخل العراق، وكان هناك اتفاقا إيرانيا أميركيا بتطويق الدول العربية بذراع حرب قذرة ثمة يحقق الأغراض الأميركية فيها ما بين رغبة إيرانية للحفاظ على نفوذها الإقليمي في عراق الغد، وبين فشل اقناع العرب السنة على نقل المعركة من بندقية الإرهاب الداعشي الى الثورة الشعبية.
ومثلما أخطأت الولايات المتحدة في سياسيات عراقية سابقة فأنها تخطأ اليوم لأكثر من سبب ، الأول ان الكثير من القيادات العربية السنية ومنها من يطلقون على انسهم ثوار العشائر هم في الاغلب الاعم علمانيون متدينين لكنهم يرفضون بالمطلق تطبيقات تنظيم داعش والقاعدة على حد سواء ، والأيام المقبلة تنذر بانفلات الأمني لحرب بين الفرقاء الذين ربما توحدوا على طاولة المخابرات المركزية الأميركية ، فيما لن تسطيع أي قوة عراقية او خارجية الا اقتلا ضد داعش وما ترسمه عن إقامة ولايات إسلامية
لدولة العراق والشام .
والخطأ القاتل الثاني، ان جميع الأطراف الإقليمية وهي تلعب هذه اللعبة ضد العراق بانتظار امتداد قدرات داعش وانتقالها خارج الحدود العراقية، عندها تبدأ المساومات لطلب الحماية الأميركية العلنية، فاذا ما كان طلب العراق التدخل العسكري الأميركي حتى بقرار دولي معقولا ومقبولا، فان دولا إقليمية أخرى ربما تطلب المساعدة العسكرية المصرية ليس ضد التدخل الإيراني بل ضد امتداد داعش لهّز دولهم الامنة. والخطأ القاتل الثالث التي تقع فيه واشنطن انها تريد اظهار رجل الكابوي على حاملات الطائرات وهو يستعرض قدراته القتالية، بهدف كسب ود المواطن العربي وإشاعة مفاهيم جديدة عن التحالفات الاستراتيجية بين واشنطن وعدد من عواصم المنطقة، لكن واقع الحال ان هذه السياسيات تبقى مرفوضة حتى وان كانت خطوط انتاج النفطي تحت الحماية الأميركية.
كل ما تقدم يؤكد ان نصف الكاس الأميركي لا يمكن النظر اليه من هذه الزاوية الا بكونه نصف فارغ، ومحاولة الاتيان بمثل هذه السياسات لحرب طائفية مجنونة يمكن ان تحرق الأخضر واليابس في عموم الشرق الأوسط الكبير، فهناك سياسيات روسية وربما صينية وحتى أوروبية بالضد منها، في كل مرة يسمح للثور الأميركي الهائج ان يتجول في مخزن الخزف العربي، وان كان النشيج الاجتماعي العربي الإسلامي قد تمزق بسياسات مسبقة لعل ملامح الربيع العربي أبرز معالمها.