مايحصل في العراق اليوم هو نتيجة لأسباب سابقة ممهدة لها, ورغم خطورتها وسواد ليلها الحالك الا أن الأخطر منها هو ان يكون النظر والتقيم على النتيجة الحاصلة فقط وترتيب الآثار عليها ويزيد من شدة الخطر واتساع دائرة الفتنة هو عدم الإلتفات الى من كان سبباً من الأسباب التي أدت الى هكذا نتيجة مأساوية ويتعدى ذلك الى التأييد والوقوف الى جنب من تسبب ومهد عن علم وجهل لكل ما يحصل الآن, فلكل سبب قيمة من التمهيد والتأثير بما يحصل الآن وتراكم قيم هذه الأسباب أدت الى انفجار الوضع الحالي وهذا يعني ان مايحصل الآن لم يكن على نحو الصدفة او ردة فعل انفعالية آنية ,وسأعرض عددا من الأسباب ومن يقف وراءها حسب الواقع الذي عشناه ولمسناه وليس تصورات خيالية .
اولاً: المحتل الامريكي هو من أسس وغرس بذرة الفتنة الكبرى فمشروع بايدن التقسيمي , وكذلك ما طرحه من مصطلحات تثير الفتنة وتوقدها ولو بعد حين مثل (المناطق المتنازع عليها ) والإغلبية الشيعية او السنية والمكونات الاخرى , لم يكن لها أثر او استعمال بين العراقيين !
ثانياً: الدستور العراقي المحكوم بقانون بريمر وما دون فيه من مواد مطاطية التفسير أثارت النزاعات والصراعات السياسية ومواد إخرى تعطي الحق والمشروعية بتكوين الأقاليم والفدراليات مع الاخذ بنظر الاعتبار ان هذا لا يبرر اللجوء الى تنفيذه الا بتهيئة مقدماته ومن مقدماته الحال الحاصل الآن فيطرح كحل بديل يتوافق عليه الاطراف المتنازعة !
ثالثاً: هذا الدستور لم يفرض بالقوة ظاهراً , لانه يخالف دعاوى الحرية والديمقراطية الامريكية المخادعة بل انه تم التصويت عليه من الشعب العراقي إستجابة الى فتوى المرجعية الدينية الرشيدة في النجف الاشرف المتمثلة بالسيد السيستاني (يجب التصويت بنعم على الدستور ….) مع مافيه من سم وقنابل موقوتة ! حتى اذا ماتم الرجوع اليه وتنفيذ مواده يكون الجواب انه دستور شرعي اختاره الشعب وامضته المرجعية !
رابعاً: ساسة العراق على إختلاف توجهاتهم وعقائدهم ولغة خطابهم وتصريحاتهم المذهبية والطائفية والمناطقية وصراعهم على السلطة والواجهة والسلطة وجرها لهذا الحزب او الطائفة والمذهب واخلاقية التسقيط والتهميش بينهم , اضف الى ذلك ولاءاتهم الخارجية وارتمائهم في أحضان دول عالمية وإقليمية وممن له التأثير من أجل ان يستقوي احدهم على ألآخر.
خامساً: الشعب العراقي عموما الا النادر الاندر حيث لدغوا من نفس الجحر مرات ومرات وأعادوا انتخاب وتسليط نفس الفاشلين الفاسدين الطائفيين, ايضاً استجابة لدعوات وفتاوى المرجعية الدينية في النجف تارة تحت عنوان نصرة المذهب واخرى لحرمة الزوجات واخرى لكي لايأخذها السنة ؟!
سادساً: علماء الشيعة والمذهب على حد سواء لم يكونوا على قدر المسؤولية التاريخية والاخلاقية والشرعية لا على مستوى الخطاب ولا على مستوى الفعل والنزول مع الجماهير فحدث شرخاً عميقاً بينهم وبين القواعد حتى اصبحت هذه القواعد بيد الساسة واصحاب المصالح يحركونهم كيف يشاءون وتحت تأثير اعلامهم وخطاباتهم , الى الحد الذي تأثر العلماء بثقافة الاعلام والشارع واصبحوا ينساقون ويسوقون مواقفهم بنفس المسار المشحون.
سابعاً: الاعلام الديني والسياسي المأجور من فضائيات وغيرها والنظر بالعين الواحد والابتعاد عن المهنية الاعلامية وعن الموضوعية والشحن الطائفي والسب الفاحش والاساءة لرموز هذا المعتقد او ذاك القى ضلاله على الشارع العراقي وخلق بيئة مناسبة للعنف والقتل والتهجير على اساس الهوية المذهبية!
ثامناً: شيوخ العشائر العراقية عموماً من هذا المذهب او ذاك فلم يتجاوزوا حدود مناطقهم ومذاهبهم فمنهم من أرتمى في أحضان السلطان وأصبح مُسيراً ومنهم من أرتمى في أحضان مذهبه فاصبح متطرفاً متعصباً مجاراة ,مع الكثرة وحفاظاً على الواجهة والمنصب والسمعة الدنيوية وطمعاً بالعطايا والأموال وتجنباً للحرج والتضيق والمراقبة والمحاسبة !
تاسعاً: تغييب الأصوات الوطنية المخلصة والحلول الناجعة والفتاوى الموحدة الرسالية التي قرأت وشخصت الواقع وتوقعت المستقبل وفق المعطيات وصدق توقعها وحصل ما أنذرت منه ونبهت عليه مراراً وتكراراً في بيانات وخطابات واستفتاءات ووقفات وتظاهرات ولقاءات ووفود وزيارات , أبرز هذه الأصوات الوطنية وأصدقها وصوت السيد الصرخي الحسني دام ظله انقل مقتبس من بيان رقم (27) في سنة 1427 هجرية ((الرزيــة ….. الرزيــة ….. وكل الرزية في الحرب الطائفية ….. والانقياد للتعصب الجاهلي الاعمى والسير في مخططات اعداء الاسلام والانسانية , والوقوع في شباكهم وفخاخهم ومكائدهم , والانزلاق في مأساة وكارثة الحرب الاهلية الطائفية الدموية الآكلة والمدمرة للاخضر واليابس , والمميتة للقاصي والداني والتي لا يـُعلم متى وكيف تنتهي لو اتسعت واستحكمت (لا سمح الله تعالى.
والتي حذرنا ….. وحذرنا ….. العلماء والسياسيين وغيرهم من السنة والشيعة …..
وحذرنا منها مرارا وتكرارا ….. ولكن ….. قال الله تعالى : ((وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)) المائدة /71.
فنحذر انفسنا من ابليس واتباع الهوى والمنافع الشخصية الدنيوية , ومن الفتنة ….. الفتنة ….. الفتنة ….. التي لاتبقي ولا تذر , فتنة التعصب الباطل والحمية الجاهلية والحرب الطائفية الاهلية , التي يعم شرها وضررها الجميع من ابناء هذا البلد الجريح , ولا يتوقع اي شخص انه سيكون في مأمن من ذلك , أيها العلماء , ايها السياسيون ,ايتها الرموز الدينية والاجتماعية والسياسية , كفانا متاجرة بمشاعر الناس وعواطفهم , كفانا متاجرة ومقامرة بدماء وارواح الابرياء والبسطاء ,
فلنعمل جميعاً بصدق وإخلاص من اجل العراق وشعبه المظلوم , من اجل الاسلام , من اجل الانسانية , يجب علينا جميعاً إيقاف سفك الدماء ونزفها , لنمنع زهق الارواح , لنمنع الفتنة …..
فالحذر كل الحذر من الفتنة ….. الفتنة ….. الفتنة …..
قال تعالى (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ )) الانفال /25 .))
ولكن المؤسف والغريب والعجيب ان الجميع من علماء وشيوخ ورموز وساسة على اختلاف عقيدتهم وسياستهم وتوجهاتهم اتفقوا جميعاً على الحسد والتكبر والغرور والتنكر لهذا الصوت الوطني المنقذ رغم ادعاءاتهم الاعلامية بالوطنية والحرص على الشعب فنراهم جميعاً خالفوا النهج الوطني الرسالي والحلول الناجعة والوقفات والاشارات والنصائح الصادقة الواقعية الصائبة ؟!!الامر الذي يكشف شاءوا أم أبوا انهم مسيرون تابعون لمن لايريد الخير والصلاح والخلاص للعراق وشعبه وكاشف عن كذب ادعاءاتهم بالوطنية !! فمن يقف وراء مايحصل في العراق الآن كل ما ذكرت وأكثر بكثير.
hasany.com/index.php?pid=74-http://www.al