المحروقات .. مفردة تضاف لقاموس الفساد !!

المحروقات .. مفردة تضاف لقاموس الفساد !!

لم تمر سنة من السنوات إلا وأضاف أبناء جيلنا أو قبلهم العديد منالمفردات والرموز الأدبية والتربوية والعلمية والاجتماعية ، وينطبقالحال على موروثنا الشعبي الغني بالمفردات والرموز الايجابية وذاتالدلالات المهذبة التي تغطي مختلف مفردات الحياة ، ولسنا هنا بصددتعدادها وذكرها والإيتاء بعشرات ومئات الأمثلة عنها والتي جعلتلهجتنا العامية اقرب إلى العربية الفصحى والأبعد عن الكلماتوالتسويفات (البذيئة) والتي يطلق عنها البعض كونها أحاديثوكلمات سوقية ، وحين نقول ( السوقية ) لا نقصد قط المصطلحاتوالرموز الاقتصادية المتعلقة بآليات الأسواق من العرض والطلبوالأسعار وإنما الألفاظ الهابطة والبعيدة كل البعد عن الذوق العاموالمألوف والموروث وتعاليم الدين والأعراف والقيم الاجتماعية التياتصف بها شعبنا خلال القرون والعقود السابقة ، ولا ننكر هنا دخولبعض الكلمات الغريبة في التعاملات اليومية بعد الحروب والمغامراتالتي شهدتها سنوات بعد الثمانينات سيما بعد 1990 إذ دخلت كلماتمثل ( البوري ) و ( التقفيص ) وغيرها التي كانت تثير الاشمئزازوتلاقي رفضا اجتماعيا من الأجيال رغم سرعة انتشارها و التداول أوالتعامل بها من باب الضرورة أو الاستهزاء .

لقد اضطررت لذكر هذه المقدمة ،  وأنا اسمع بتداول كلمة غريبة مرت بيللمرة الأولى في حياتي قبل أيام ، فحين كنا نناقش موضوع دراسةالجدوى الاقتصادية والفنية لأحد المشاريع المقترحة للقطاع الخاص معمجموعة لا ينتمون لجماعة أل ( 56 ) لاحظت وجود رقم كبير غير مبوبتم إدراجه ضمن التكاليف الاستثمارية وأنا لم أضعه أو اقترحه أو اعلمبه ، وحين استفسرت من الموجودين عن ماهية وتفاصيل هذا الرقمذكروا لي بأنه عبارة عن ( محروقات ) ولان مشروعنا الذي كنا نناقشهليست له علاقة باستخدام المحروقات بيعا أو شراء أو استعمال ، ابتسمالحاضرون فقالوا إن المقصود بالمحروقات ليس الكازاويل أو البنزين أوأي مصدر آخر للطاقة وانه يمثل المبلغ الذي يدفع كرشاوى وهداياوهبات وشراء ذمم لبعض الأشخاص الذين يملكون القرار  ويدخل الوسطاء كالجرذان لتمشية الخطوات التي تتطلبها مراحل انجازالمشروع من معاملات وتعاملات ، وذكروا أمثلة عن تلك الجهات وهؤلاءالأفراد ومنهم فهمت إن هناك مشاريع  يراد لها الولادة والظهور للحياة ولكن لابد وان تقابلها ( محروقات ) .

والاطلاع على موضوع المحروقات يفيدنا  في الاستنتاج لأمور مهمة : أولها إن هناك  من يعرقل ويعطل مسيرة اقتصادنا وهم مجموعة منالطفيليين واغلبهم يتقاضون رواتب ومخصصات مجزية من الدولةوسر قوتهم إنهم مسنودين من بعض الجهات وهذا الإسناد قد يكونكلي أو جزئي أو حقيقي وقد يكون مجرد احتيال أو ادعاء ، وثانيها إنالحديث والتداول بنظرية المؤامرة ليس دقيقا في كل الحالات فالشائعإن بعض دول الجوار تحاول ذبح اقتصدنا لفتح الأسواق لبضائعهموربما يكون الصحيح في العديد من الحالات إن خونة الوطن وبائعيهمن المتنفذين والمنتفعين هم يروجون لذلك لوأد محاولات  تطويرالاقتصاد وهذا هو الفساد المتخفي الذي يصعب الوصول إليه ، وثالثهاإن هناك ( ثقافة ) انتشرت بين المستثمرين المحليين والخارجيين بان أيمشروع لابد وان يحتاج إلى محروقات وهذا ربما استسلام و ليسبالضرورة مفهوم صحيح ولكن الهالة التي انتشرت في بيئة العراقتعطي هذا الانطباع ، ورابعها إن هناك قصورا وتقصير سمحا بإشاعةهذا الجو من خلال قبولنا الأمر الواقع من خلال التعمد  بترك هامشيسمح بتحرك الفاسدين فهم يتغلغلون  ويتغلفون  ولم يتم الكشفعنهم لمنع تحولهم إلى ظاهرة مما يتطلب سلامة اختيار الإفراد وتأكيد الرقابة وإشاعة الشفافية بأعلى المستويات إلى جانب ووضع عقوباتصارمة للفاسدين تتضمن العزل والإحالة للقضاء ومصادرة الأموالوحرمانهم من الوظائف العامة طيلة الحياة .

وتلعب الإدارات دورا بارزا في تمرير وانتشار الفساد وانتفاع الطفيليين، فالإدارة غير الكفوءة تكون حاضنة للفساد حتى وان لم تكن فاسدةلأنها لا تستطيع تمييز الخطأ ويتم التعويل على عناصر فاسدةمظهرها البارز الولاء وفي باطنها العكس ، مما يتطلب الاعتماد علىالتكنوقراط وإخضاع المديرين للتدريب لغرض التعلم وتحمل المسؤوليةوالتدريب يجب أن لا يكون لأغراض السياحة والسفر داخل و خارجالعراق ، مما يستوجب إعادة الحياة للمركز القومي للتطوير الإداريوإنشاء كليات للقيادة ، ويمكن للحكومة والنخب السياسية آن تؤديمهام حقيقية لو شجعت على اختيار إدارات كفوءة تتم مساءلتها منالأحزاب التي اختارتها بدلا من التستر عليها وتغطية الأخطاء ، كما إنمن الضروري الابتعاد عن الشللية والتكتلات في الدوائر وتوسيعصلاحيات رئيس مجلس الوزراء في العزل والاختيار فمن المحزن أننسمع بان رئيس الوزراء لم يستطيع تغيير 6 وزراء وانه أحال 4 وزراءللقضاء بسبب الفساد رغم إن عمر الحكومة على وشك الانقضاء ، والمفترض ان تكون لجان مجلس النواب داعمة لهذا الموضوع وتحاسبعن أخطاء وفساد الإدارات حسب تخصصها وحقل عملها وهو مايتطلب بالطبع الانسجام التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذيةوالشراكة في تنفيذ البرنامج الحكومي الذي يجب أن يعد على أساستلبيته للحاجات وليس لأهداف دعائية وخطابية غير قابلة للتطبيق ، ومن عوامل قوة مجلس النواب في مجال الرقابة القيام بالاستجوابوتلك الأداة لم نشهد تفعيل في الدورة الحالية لأسباب غير مقنعةللبعض .

ونستطيع القول وبكل أمانة وثقة إن عدم القضاء على ظاهرة ( المحروقات ) سيجهض العديد من المحاولات للقضاء على الفساد حتىوان أسندت إلى جهات دولية ، لان العمل بأسلوب المحروقات من شانهأن يحول الفساد إلى شكله ( النظمي ) وسوف يكون مثل الفيروسالمرضي الذي يحدث ويطور نفسه ليكون بمنأى عن التشخيصوالكشف والمعالجة الجذرية لاستئصاله بشكل جذري ، اخذين بنظرالاعتبار إننا ورثنا فسادا قبل 2003 وان السنوات اللاحقة التي مرت قدشهدت بعض القرارات والإجراءات كانت تغذي الفساد وليس العكس ،ولا يكفي  الاعتراف بان المهمة عسيرة وان الخيرين والمخلصين أماممهام صعبة لمعالجة الموضوع فالمطلوب تحويلها لمهمة  يتعاون بشأنهاالجميع لأنها تحتاج إلى عمل جمعي وتضحيات وليس مجرد طرحللشعارات ، فالكل يتكلم عن الفساد ومحاربته والبعض يتحمس وتعلواأصواتهم لتحقيق ذلك ولكن الحلول سوف لا تكون بالمستوى المطلوبإذا لم تتحول تلك الحماسة إلى فعل حقيقي يعيد الأمل بالحياة ،فالأمل يضعف باستشراء الفساد والتشخيص مرحلة مهمة قبل العلاج.

أحدث المقالات

أحدث المقالات