خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
سکوت بعض الدول العربية الطويل والمستَّمر، وأحيانًا اللامبالاة تجاه سياسات كيان الاحتلال الإسرائيلي التوسعيّة والعدوانية، بلغ مرحلة حساسة ومقلقة مع مشروع (إسرائيل الكبرى) الطموح والخطير. بحسّب ما استهل “راشد جعفرپور کلوري”؛ تقريره المنشور بصحيفة (آرمان امروز) الإيرانية.
هذا المشروع؛ الذي يضرب بجذوره في إيديولوجيا اليمين المتطرف والصهيونية الدينية في “إسرائيل”، يكشف بشكلٍ متزايد عن الطبيعة الحقيقية للكيان الإسرائيلي، ويوضح حقيقة أن طموحاته تتجاوز التصورات السابقة، بل وتسيّر وفق دكتاتورية ثابتة ومتجذرة.
السنوات كشفت طبيعة “السرطان” الإسرائيلي بالمنطقة..
هذه اللامبالاة؛ خاصة بعد تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية عبر (الاتفاقيات الإبراهيمية)، لم تُقيّد طموحات “إسرائيل”، بل منحتها فعليًا مزيدًا من الشرعية والجرأة.
وفي ظل هذه التطورات، بدأ العديد من شعوب المنطقة وبعض الحكام العرب يُدّرك تدريجيًا صحة التحذيرات التاريخية المتعلقة بالطبيعة الجوهرية وغير القابلة للتغيّير لهذا الكيان. ربما تكون وجهة نظر آية الله “الخميني”؛ الذي وصف هذا النظام: بـ”السرطان” وأكد غير مرة على ضرورة التخلص من هذا الكيان، قد أصبحت أكثر وضوحًا الآن؛ إذ أن تصرفات الكيان الإسرائيلي الحالية هي تأكيد لتلك التنبؤات التاريخية.
تعبير: “السرطان” يعكس بوضوح طبيعة هذا الكيان العدوانية والتوسعية والمدمرة، وإذا استمر دون احتواء فسوف يلوث ويدَّمر المنطقة بأسرها.
هذه الرؤية تتناقض تمامًا مع سراب: “السلام مقابل الأرض” أو: “السلام مقابل التطبيع”؛ الذي تُعّلق عليه بعض الدول العربية آمالها.
الأهداف الحقيقية للصهيونية بالمنطقة..
لقد أظهر تاريخ “إسرائيل” وأداؤها أن طموحاتها التوسعيّة لا حدود لها. وإذا توفرت الظروف الملائمة لهذا الكيان، فإن مطالبه الإقليمية والتوسعيّة ستتجاوز التصورات، وستسّعى لتحقيق حلم: “من النيل إلى الفرات”؛ بل وما هو أبعد من ذلك، مما يُعرّض السلام والاستقرار في المنطقة للخطر الكامل، وقد يؤدي إلى صراعات واسعة وغير مسبّوقة.
هذه التوسعيّة لا تقتّصر على احتلال الأراضي فقط، بل تشمل السيّطرة على الموارد الحيوية في المنطقة؛ مثل المياه (أنهار النيل والفرات والأردن)، ومسارات التجارة والطاقة، بالإضافة إلى التغييرات الديموغرافية والهندسة الاجتماعية لصالح اليهود على حساب السكان الأصليين.
ويُعدّ هذا المشروع بمثابة (سيف داموكليس) فوق رؤوس جميع الدول العربية من “شمال إفريقيا” إلى “شبه الجزيرة العربية”. إذ يسعى تيار اليمين المتطرف؛ وخاصة في حكومة “بنيامين نتانياهو”، إلى تحقيق مشروع (إسرائيل الكبرى)، ويتضمن هذا المشروع الذي بدأ “بتسلئيل سموتريتش”؛ وزير المالية الحالي من قادة الصهيونية الدينية، الحديث عنه في العام 2016م، يتضمن توسيّع حدود “إسرائيل” لتشمل: “فلسطين” التاريخية و”الأردن” وأجزاء من ست دول عربية أخرى: (سورية ولبنان والعراق ومصر والسعودية والكويت)، لتحقيق الحلم الصهيوني: (من النيل إلى الفرات).
تنفيذ برنامج “من النيل إلى الفرات”..
هذه الخطة ليست مجرد فكرة هامشية، بل هي استراتيجية يرّوج لها بشكلٍ علني وزراء كبار في الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ويضرب هذا المشروع بجذوره في المعتَّقدات التوراتية والدينية التي تعتبر الأرض الموعودة من “نهر النيل” إلى “نهر الفرات”، وقد كانت هذه الرؤية موجودة منذ مؤسسي الحركة الصهيونية.
المفكرون والزعماء الصهاينة؛ مثل “ثيودور هرتزل”، مؤسس الصهيونية السياسية، و”فلاديمير غابوتينسكي”؛ زعيم الصهيونية الإصلاحية، و”ديفيد بن غوريون”؛ أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي، ورغم الاختلاف في التكتيك، لكن كانوا جميعًا يؤمنون بطريقة أو بأخرى بتوسيّع حدود “إسرائيل”.
وقد نجح حزب (الليكود)؛ منذ أن وصل إلى السلطة في العام 1977م، بتحويل هذا المشروع إلى خطة سياسية وبدأ باتخاذ خطوات عملية لتنفيذه من خلال بناء المستوطنات غير القانونية في “الضفة الغربية” و”القدس الشرقية”.
من ثم؛ فقد ساهم نفوذ الجماعات اليمينية المتطرفة والصهيونية الدينية المتزايد في الهيكل السياسي والعسكري الإسرائيلي، في تحويل هذا المشروع من مجرد فكرة مثالية إلى برنامج عملي.