خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
اختيار “العراق” كأول وجهة للسيد “علي لاريجاني”، بعد تعييّنه أمينًا عامًا لـ”المجلس الأعلى للأمن القومي”، ينطوي على رسائل واضحة في مجالات السياسة الخارجية والأمن الإقليمي الإيراني. هذه الخطوة تعكس اهتمام المستويات العليا بإدارة الملفات الإقليمية الرئيسة في المرحلة الراهنة، في إطار استراتيجية “المجلس الأعلى للأمن القومي”، وتكليف “لاريجاني” بمهمة مباشرة في هذا المجال. بحسّب ما استهل “علي بیدبو”؛ خبير الشأن العراقي، تقريره المنشور بصحيفة (إيران).
بعبارة أخرى؛ اختيار “بغداد” كأول محطة، يحمل بخلاف البُعد الرمزي، رسالة عملية لإعادة تعريف التعاون الأمني، وتنظيم موازنة القوة في منطقة “غرب آسيا”.
أهداف وتحذيرات..
إن زيارة “لاريجاني”؛ إلى “العراق”، تنطوي على مجموعة من الأهداف التحليلية والتحذيرات الأمنية والسيناريوهات المشتركة لمستقبل علاقات البلدين.
وأهم محور في هذه الزيارة؛ هو التوقّيع على اتفاقية أمنية جديدة بين “طهران” و”بغداد”، تشمل بخلاف الموضوعات الثنائية، قضايا عابرة للحدود من مثل التحركات البرية من شرق “العراق” والتطورات السورية.
وتشمل التهديدات الناجمة عن شرق “العراق”، من منظور “إيران”، بقايا تنظيم (داعش) الإرهابي، وإمكانية تشكيل تنظيمات جديدة ذات ميول انفصالية، واحتمال استفادة العدو من هذه الأوضاع في خلخلة الأمن على الحدود الإيرانية.
وعليه؛ فإن أحد أهم رسائل “لاريجاني” للمسؤولين العراقيين، هي ضرورة القيام بإجراءات وقائية تهدف إلى احتواء هذه التهديدات قبل أي تحرك عملي ضد “إيران”.
الخطر السوري على الحدود اللبنانية..
وعلى امتداد هذه النظرة، يحظى الملف السوري بمكانة بارزة في المفاوضات. ذلك أن تمَّركز قوات (جبهة النصرة)؛ بقيادة “أبو محمد الجولاني”، في المناطق الحدودية “السورية-اللبنانية”، والتكهنات بشأن الانخراط في عمليات مباشرة ضد قوات (حزب الله) بتنسيّق محتَّمل مع “إسرائيل”، يُمثل تهديدًا خطيرًا من منظور التقييّمات الإيرانية.
وقد أكد عددٍ من الخبراء اللبنانيين؛ وجود سيناريو عملياتي تدَّل على بداية المواجهات الحدودية. كذلك لا يزال الشرق السوري أيضًا مع الحدود العراقية، يُمثّل موقعًا أساسيًا لنشاط تنظيم (داعش) الإرهابي.
وتنشّط قوات (الحشد الشعبي) وأيضًا قوات الجيش العراقي في هذه المنطقة، بل وتجاوز الحدود العراقية الرسمية، للحيلولة دون انتقال التهديدات إلى داخل الأراضي العراقية. لذلك من البنود المهمة في الاتفاقية الأمنية “الإيرانية-العراقية”، التعاون في احتواء تحركات (داعش) في الشرق السوري، والحيلولة دون انتقالها إلى الداخل العراقي.
تقارب “السوداني” من طهران وقضايا الداخل العراقي..
كذلك تحظى التطورات السياسية العراقية في هذه الزيارة بمكانة خاصة. فقد تبّنى “محمد شيّاع السوداني”؛ رئيس وزراء “العراق”، نهجًا أكثر تقاربًا مع “طهران”، بعد الحرب الأخيرة بين “إيران” و”إسرائيل”، وتجربة التهديد المباشر من “الولايات المتحدة” و”إسرائيل”.
وهذا التغييّر على مشارف الانتخابات العراقية، قد يُفضّي إلى خلق استقرار داخلي والمحافظة على توازن القوة في العلاقات مع الجيران.
كذلك كان “قانون الحشد الشعبي”، من الموضوعات الأخرى، التي طُرحت مؤخرًا في “البرلمان العراقي”، ووجهت بمعارضة ودعم بين التيارات الشيعية والسَّنية والكُردية. وينص القانون على منح (الحشد الشعبي) إمكانيات هائلة، وتزويده بأحدث الأسلحة، وإنشاء مراكز للتدريب العسكري، ورفع مكانة رئيس (الحشد الشعبي) إلى مستوى الوزير.
وتسّعى بعض التيارات السياسية؛ لا سيّما المتأثرة بالضغوط الخارجية، إلى إضعاف مكانة (الحشد الشعبي)، ودمجه في الجيش العراقي أو حله والتخلص منه، وهو نفس السيناريو المطروح ضد (حزب الله) اللبناني.
ضغوط “أميركية-إسرائيلية” على بغداد..
وردًا على هذه الضغوط، جرت مشاورات واسعة النطاق بين القيادات الشيعية وفصائل “المقاومة العراقية” مع المسؤولين الإيرانيين. وتهديدات “الولايات المتحدة” و”إسرائيل” باغتيال قادة (الحشد) ضاعف من حساسية الموضوع.
من هذا المنطلق؛ فقد كان التنسيق الاستراتيجي حول مستقبل (الحشد الشعبي)، والمحافظة على قوة رد (الحشد) في إطار الدفاع عن سيّادة “العراق” أحد الأهداف الأساسية لزيارة “لاريجاني”.
أبعاد “عسكرية-استراتيجية” لزيارة لاريجاني..
كذلك تحظى الأبعاد “العسكرية-الاستراتيجية” لتلك الزيارة بالأهمية، وكان الدور العراقي حال اندلاع مواجهة مباشرة بين “إيران” و”إسرائيل”، من المحاور المهمة في المباحثات؛ لكن بشكلٍ غير معلن.
ويشمل هذا الموضوع اتخاذ قرار بخصوص التعاون العسكري، والاستفادة من المجال الجوي العرقي، وتنسيّق العمليات في إطار الدفاع الإقليمية المشترك. ويمكن تحليل النتائج العامة للزيارة على ثلاث مستويات:
01 – تثبّيت التعاون الأمني والعملياتي بين “إيران” و”العراق” من أجل احتواء التهديدات المشتركة، وخاصة من جانب تنظيم (داعش) والجماعات الإرهابية والانفصالية.
02 – توحيد المواقف بين البلدين تجاه الأزمات الإقليمية؛ مثل “سورية ولبنان”، خاصة في مواجهة المخططات الرامية إلى نزع سلاح قوى “المقاومة”.
03 – إيجاد تنسيّق سياسي وعسكري لمواجهة السيناريوهات المَّحتملة للمواجهة مع الكيان الصهيوني وحلفائه.