في تصريح غير مسبوق، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه مكلّف دينيًا وتاريخيًا بتحقيق ما أسماه “رؤية إسرائيل الكبرى”، وهي نبوءة توراتية تمتد حدودها من النيل إلى الفرات، لتشمل أجزاء من مصر، السعودية، الأردن، سوريا، وعموم فلسطين.
لم يكن التصريح مجرد انفعال شخصي، بل جاء في سياق تأريخي وروحاني، كما وصفه نتنياهو، مؤكّدًا أنه وأسرة مقاتليه “مجندون لهذه المهمة”.
هذا التصريح يُعد ضربة قاسية للدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل، ظنًا منها أن هذا التقارب سيحميها من الأطماع الصهيونية.
تلك الدول راهنت على أن الوقوف مع إسرائيل ضد محور المقاومة الشيعي سيمنحها حصانة سياسية وأمنية. لكن نتنياهو، بكلمة واحدة، نسف هذا الوهم، وأعاد تعريف إسرائيل ككيان توسعي لا يعترف بالحدود، ولا بالتحالفات المرحلية.
وصدر في مقابل تصريح نتنياهو بعض الإدانات الرسمية من الأردن والسعودية ومصر، وكأنها محاولة لتسجيل موقف لا أكثر. كنا ننتظر أفعالًا تتجاوز هذه البيانات التي تعقبها عادة قيلولة سياسية عميقة، يغطّ فيها الحكام المطبّعون، تاركين لفضائياتهم زمام المبادرة، فتردد ما قالوه من إدانات باهتة، دون مساءلة أو تصعيد.
لكن السؤال الأهم هنا: هل تكفي الإدانة؟ هل يستطيع هؤلاء الحكام العرب أن يحشدوا الجيوش والمرتزقة من أصقاع الأرض، ويدفعوا لهم المليارات، كما فعلوا في حروبهم ضد اليمن وسوريا والعراق، لمواجهة مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يهدد وجودهم ذاته؟ أم أن هذه الحماسة العسكرية لا تُستدعى إلا حين يكون الخصم “شيعيًا”، لا صهيونيًا؟
هذا التناقض لا يكشف فقط عن خلل في الأولويات، بل يفضح أيضًا طبيعة التحالفات التي تُبنى على العداء الطائفي لا على الدفاع عن السيادة.
فحين يُعلن نتنياهو نواياه التوسعية، تُقابل بخجل دبلوماسي، بينما تُضخ المليارات وتُشعل الحروب حين يكون العدو إيران أو حزب الله. فهل باتت الطائفية هي البوصلة الوحيدة التي تحدد من يستحق المواجهة ومن يُمنح الغطاء؟
تخيل لو أن مسؤولًا إيرانيًا صرّح بأن بلاده تسعى لإحياء الإمبراطورية الفارسية، وأنها تطمح لضم دول عربية كانت يومًا جزءًا من أراضيها. كيف سيكون رد فعل الإعلام العربي؟
سنرى الفضائيات مثل “الشرقية” و”العربية” و”سكاي نيوز” تستنفر، وتُطلق عناوين من قبيل “التهديد الفارسي”، “المد الشيعي”، “الخطر الإيراني على العرب”. لكن حين يُعلن نتنياهو مشروعًا توسعيًا صريحًا، يُهدد فيه سيادة خمس دول عربية، يصمت الإعلام، أو يكتفي بتغطية خجولة لا ترقى لحجم التهديد.
تصريح نتنياهو ليس مجرد كلام، بل هو إعلان نوايا، وخريطة طريق لمشروع توسعي. والصمت العربي عنه، مقارنةً بالهستيريا الإعلامية تجاه إيران، يكشف خللًا في البوصلة، وانحرافًا في أولويات الأمن القومي.
فهل آن الأوان لإعادة تعريف العدو؟ أم أن بعض العرب لا يزالون يظنون أن من يقتلهم ويحتل أرضهم هو “حليف استراتيجي”؟