السطحية والمباشرة في قراءة صراع المبادئ

السطحية والمباشرة في قراءة صراع المبادئ

اخترت هذا العنوان ورأيت انه الاقرب لكي اصوب ماتذهب اليه  فئة من المتابعين والمحللين والاعلاميين الذين يطلقون الاحكام الظالمة والشامتة ضد حركتي حزب الله في لبنان وحماس الفلسطينية ويحملون الحركتين مسؤولية ماآلت اليه عملية السابع من اكتوبر 2023 .
 ويبدو ان اصحاب هذا النمط السطحي انهم من ضيقي الافق وتنقصهم ثقافة الفهم بان في الصراعات الكبرى، يتمسك اصحاب المبادئ بالثوابت والقيم الاخلاقية والمبدأية التي لا تخضع باي شكل من الاشكال لفرضيات اللعب السياسي والبراغماتية والصفقات حتى في ذروة اختلال ميزان الحرب في غير صالحهم  .
 فهؤلاء يقيمون المواقف والقرارات على اساس الحصيلة المادية المنظورة وان قراءآتهم  الضيقة تتأتى من معايير التقاطية ولحظوية وعاطفية  تتسال عن المكاسب الآنية وفق تفكير قريب من الرؤية التجارية للازمات والنزاعات.
إن صراع كل من حزب الله وحماس مع الكيان الصهيوني ، لا تحسب خلاله  المواقف على اساس النتائج بقدر ما تقرأ وفق ازلية صراع الحق ضد الباطل  والفضيلة ضد الرذيلة والمظلوم في ثورته على الظالم ، فهو صراع يجري على مسار مراحلي متعدد ،تسجل خلاله نقاط الفوز وتدرج في سجل الاهداف على انها انتصارات متراكمة ، متكاملة ومتصلة واحدة بالاخرى وصولا نحو تحقيق الهدف الاستراتيجي .
مع ذلك ، وعلى اساس معيارية الناقدين الشامتين ،ففي الحقيقة تكون حماس قد انتصرت في الجولة الاولى وبالضربة القاضية لانها استطاعت ان تلحق هزيمة عسكرية وامنية باسرائيل هي الاولى في تاريخ الصراع ، فهي وخلال ساعت قليلة اجهزت على اكثر من 1200 صهيوني واستولت على اراضي تماثل مساحة قطاع غزة بل ان وحدة من قوات حماس اقتربت من جنوب الضفة الغربية انطلاقا من القطاع ولاول مرة منذ عام 1948  وقد شاهدنا كيف ان قادة دول المعسكر الغربي يتوافدون على تل ابيب  في محاولة لتبديد الشكوك ببقاء واستمرار الكيان الاسرائيلي  وهو الانطباع الذي راج على نطاق واسع بعد انهيار جميع المنظومات العسكرية والامنية الاسرائيلية في صبيحة السابع من اكتوبر .
ثم اليس هو انتصار نوعي حينما تصمد حركة مقاومة مسلحة محلية لنحو عامين امام عدو يضم اسرائيل وجميع جيوش المعسكر الغربي وفي مقدمته اساطيل جيش الولايات المتحدة الاميركية ؟
هذا وفق الحسابات المادية والفنية . في الرؤية الاوسع ان بقاء قوات حماس وصمودها رغم هذه الحرب الشاملة ..دليل واضح على ان حركة المقاومة هي فكر متجذر  في نسيج المجتمع الغزاوي وانه جزء من ارضه وساحله واحياء وشوارع وازقة القطاع وبالتالي هذا البقاء هو انتصار للجذور الدينية والثقافية والوجدانية والاجتماعية التي انبتت حماس وستنبت العشرات من مثيلاتها .
 وفي هذا السياق، ايران وفي حربها الاخيرة ،بدت  خسائرها  المادية اكبر مما الحقته هي باسرائيل ، لكن كل العالم أقر بان ايران هي المنتصر بدليل ان قرار وقف اطلاق النار صدر من واشنطن وتل ابيب وعبر وساطات اوروبية وعربية .
لماذا ايران هي المنتصرة ؟ وذلك لان العدو حدد هدفين هما اسقاط النظام  السياسي ومحو  فكر ومبادی الثورة الاسلامية وتدمير جميع منشأت البرنامج النووي وهذا لم يتحقق ،  بل ان على المستوى الاستراتيجي  ، اثبتت ( حرب 12 يوما )  ان اسرائيل غير قادرة بمفردها على خوض حرب جوية وصاروخية مع دولة بقوة وحجم ايران على الرغم من انتصارها عام 1948على سبع دول عربية دفعة واحدة .
ايضا بالحسابات المادية المنظورة ، تكون ڤيتنام خسرت الحرب مع اميركا لانها فقدت مليون قتيل مقابل 56 الف قتيل اميركي  .
ووفق معاييرهم ، فأن حركة الامام الحسين الثورية القتالية ، قد خسرت المعركة في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة .. ولو كان هؤلاء المحللين والاعلاميين في ذلك الزمن  ،لکانوا قد عابوا علی الامام قراره باعلان الثورة  وانه تسبب فی سبي عائلاته وعائلات مقاتليه حيث جابوا بهم المدن والامصار.
ولكن في حسابات القيم والمبادئ  ، ها هي معركة الطف يحتفي المسلمون  بانتصارها وان الابرز فيما تمخض عن ذلك الانتصار انه  تحسيد استراتيجي لعقيدة ( انتصار الدم على السيف )  والذي تمظهر في  حفظ الدين الاسلامي وثوابت الحق بعد ان تحولت الثورة الحسينية الى نموذج اقتدت به العشرات من الحركات والثورات  .

أحدث المقالات

أحدث المقالات