الأخوّة الحقيقية لا تُشترى… بل تُولد من طينة الوفاء

الأخوّة الحقيقية لا تُشترى… بل تُولد من طينة الوفاء

في زمنٍ تكدّست فيه المظاهر، وتكاثرت فيه الأقنعة، أصبح من النادر أن تجد من يقف معك في لحظة ضعف، أو يتقدم إليك حين يتأخر الآخرون. الأخوّة، في معناها الحقيقي، لم تَعُد عملة متداولة كما كانت من قبل، بل أصبحت من الكنوز النادرة التي لا تظهر إلا عند المحكّ، في أوقات الشدائد والانكسارات.
‏كم من مرة مررنا بوعكة صحية، أو بظرفٍ صعب، فظننا أننا وحدنا، لنفاجأ بقلوب طيبة تحيط بنا، بأيدٍ تُمدّ لا تطلب شيئًا، وأرواحٍ سامية تشاركنا الألم قبل الفرح. في مثل هذه اللحظات، تكتشف المعنى الحقيقي للأخوّة… تكتشف أن هناك من لا يزال يُجيد لغة الوفاء.
‏هكذا عرفتُك يا صديقي العزيز، اللواء الركن الدكتور جاسم الگصمي.
‏لم تكن يومًا شخصًا عاديًا يمر في الحياة كعابر سبيل، بل كنت جبلًا من الأخلاق والمروءة، تمشي بين الناس بخطى واثقة، ولكن بقلب يفيض بالرحمة، وعين تلتقط معاناة الآخرين حتى قبل أن تُقال.
‏لقد عرفت مسيرتك الطويلة، وراقبتها بإعجاب. هي مسيرة امتزجت فيها المهنية العالية، مع الروح الإنسانية النبيلة. وأجمل ما في هذه المسيرة ليس الرتب أو المناصب، بل ذاك الخيط النادر الذي يجمع بين الوفاء والموقف، بين التضحية والصمت الجميل، بين القوة والرقة في التعامل مع الناس.
‏الوفاء… هذه الكلمة التي خجل الزمن من معناها، ولم تعد تتردد على الألسن إلا في خطب المناسبات، أنت حملتها في قلبك وعشتها مع كل من عرفك.
‏وما يميّز وفاءك، أنه غير مشروط. لم تنتظر المقابل، ولم تبنِ علاقاتك على المصلحة، بل على أساسٍ من المحبة النقية، والإخلاص الصافي.
‏يا أبا إيمان،
‏لقد رأيتك كيف كنت إلى جانب الناس في محنهم، تسعى لقضاء حوائجهم، تسندهم في لحظات ضعفهم، وتمنحهم الأمل حين يخيّم اليأس.
‏لم تميّز بين شخص وآخر، بل تعاملت مع الجميع وكأنهم أهلك وأخوتك، وهكذا كنت، وهكذا ستبقى… صديقًا نادرًا، وأخًا لا يُعوّض.
‏في زمنٍ أصبح فيه معنى الأخوّة سلعة تُباع وتُشترى، تبقى أنت نموذجًا حيًا لما تعنيه هذه الكلمة من صدق، ومروءة، ومواقف.
‏فليس كل من قال “أنا أخوك” يعنيها، لكنك كنت تقولها دون أن تنطق بها، فقط بأفعالك، بمواقفك، بصبرك، وبتحمّلك لأعباء لا يتحمّلها إلا الأوفياء.
‏لقد كنت وما زلت جبلًا شامخًا، لا تهزّك العواصف، ولا تغيّرك المصالح، ولا تذيبك الفتن.
‏وفيت وكفيت، وعبّرت عن أجمل ما في الإنسان من صفات.
‏لهذا، فأنت لست مجرد صديق عابر، بل أخٌ بمعنى الكلمة، أخٌ في زمنٍ قلّ فيه الإخوة الحقيقيون.
‏عِش كما أنت يا أبا إيمان، عاليًا فوق رؤوس القيم، بين محبة الناس وتقديرهم، وبين محبّتنا نحن الذين عرفناك عن قرب، وعرفنا كم كنت صادقًا، ومخلصًا، وعظيمًا في تواضعك وفعلك.

أحدث المقالات

أحدث المقالات