زقاق لا اسم له، يمشي فيه رجل بلا ملامح واضحة. لا يهمّ إن كان المكان ضيّقًا أو المدينة نائمة، فما يثقل الهواء ليس الجدران، بل ما يتبعه… ظلّ لا يشبه الزمن، ولا يمرّ.
لم يسأله، لم يلتفت، فقط مشى. اعتقده في البدء مجرّد ارتدادٍ للضوء، عادة من عادات الأشياء حين تكرر نفسها على الأرصفة. لكن ما كان خلفه لم يكن مجرد ظل، بل حضورٌ يتنفس من خلف وعيه، يثقُل كلّما تجاهله، كأنه يكتب رسالة بلغة لا تُقرأ.
حين حاول أن يركض، تبِعه الركض. قفز إلى طرقات بلا أسماء، غاص في الأزقة المتآكلة، لكن الظل ظلّ يتكاثر، لا أطول، بل أعمق.
ذات ليلٍ خالٍ من النجوم، جلس. لم يعد أمامه سوى الصمت. راقب الظل وهو يتحرك بطريقته، لا يكرره، بل يكشفه. كان يتحرّك ببطء، يحمل انحناءات لم يعترف بها جسده، وانكسارات لم يجرؤ أن يسميها. كأنه مرآة انقلبت للداخل، لا تُظهر الوجه، بل ما خلفه.
تسلّل إدراكٌ غريب إلى قلبه، لا كحقيقة بل كصوت بلا نبرة: هذا الذي يتبعه ليس غريبًا، بل هو ما أزاحه ليمشي. ليس ظلًّا، بل ما تبقّى منه حين قرر أن يكون كما ينبغي، لا كما هو.
مدّ يده إليه، لا ليحتضنه، بل ليعترف به. حين التقى به، لم يعد هنالك ضوء ولا ظلال، بل شيء ثالث لا يُسمّى.
منذ تلك اللحظة، لم يكن أحدًا، لكنّه كان تمامًا ما يخشاه ويحتاجه.
سار ومعه. لم يعد السؤال من يقود، ولا إلى أين.
فقط: لا أحد… ولكنني.