شهدتْ الساحةُ الداخليةُ العراقيةُ في الأيامِ الماضية؛ حدثينِ مهمينِ يتعلقانِ بالخلافِ على مناصبِ الدرجاتِ الخاصة، تفاعلُ معها المواطنَ العراقي؛ أولهما، ترشيحُ قائمةِ السفراء، الذي تمتْ تغطيتهُ منْ قبلِ المتخصصينَ والمواطنينَ في التحليل والنقد، وتقديمَ المقترحاتِ البديلة، لإشغالِ ذلك المنصب المهم. ثانيهما، الخلاف الذي حصلَ داخلَ أروقةِ مجلسِ النوابِ العراقي قبل يومين، وفقَ الفيديو الذي نشر في مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِ، حولَ تسمية وظيفتي رئاسةَ مجلسيْ الدولةِ والخدمةِ الاتحادي، وسببَ الخلافِ لكلا الحدثينِ، يتعلقُ بمفردهِ أوْ مصطلحٍ (المحاصصةُ) أوْ ( التوازن) بصيغتها الجديدةِ المعدلة.
اعتادَ المتابعُ للشأنِ السياسيِ العراقي، في نهايةِ كلِ دورةٍ انتخابيةٍ لمجلسِ النوابِ العراقي، ازديادُ ظاهرةِ الانشقاقاتِ لبعضِ الأحزابِ والكتلِ السياسية، بسببَ الصراعِ على المناصبِ والمكاسب، التي يتوقعونَ أنْ يحصلوا عليها، بعدَ فوزهمْ في الانتخاباتِ التشريعيةِ القادمة، سواءً في مناصبِ السلطةِ التنفيذيةِ أوْ التشريعيةِ، وللأسفِ، امتدت إلى السلطاتِ القضائية، المتمثلةَ في مجلسيْ القضاءِ الأعلى والدولة، والمحكمةُ الاتحاديةُ العليا، ولكنْ بإطارِ وإخراج حديثِ، اسمهِ ( التوازنُ السياسيُ ) ، إنْ دلَ هذا على شيء، فهو يدلُ على ضعفَ السلطتينِ التشريعيةِ والتنفيذية، في تنفيذ الأمانة والمسؤولية التي أوكلها لهم الشعب العراقي في قيادة هذا الشعب الفقير, ولكن إصرار وتعمد البعض من ذوي النظرة القصيرة، بضرورةِ فرض، وتطبيق مبدأٍ (المحاصصة) أوْ ما يسمى (التوازنُ السياسيُ)، لإرضاء جماهيرهم الفئوية لبعض المناطق، ويتناسون شيئاً اسمه العراق.
تعد المحاصصةَ السياسيةَ أوْ التوازنِ السياسي، ( وجهانِ لعملةٍ واحدة ) وفقَ المثلِ الشائعِ في الحياةِ العامة، لتشبيهِ الشيئينِ المختلفينِ في اللفظ، والمتشابهينِ في المعنى.
إنَ استخدام المبدأ المذكور في وظائفِ الدرجاتِ الخاصة، يكون مخالفاً للمواد (14-16) من الدستور العراقي، التي تشير الى ( المساواة وتكافأ الفرص) ، ولقرار المحكمة الاتحادية في هذا الشأن، المرقم (89 اتحادية/ 2019) المتضمن إلغاء المحاصصة السياسية للترشيح للدرجات الخاصة، ( إنَ السيرَ في خلافِ ما نصَ الدستورُ عليه، قدْ خلقَ ما يدعي بــــــ ( المحاصصةُ السياسية) في توزيعِ المناصب…..). وبنفس الوقت، لا يمكنُ بناءَ دولةٍ حديثة ، لإستبعاده، الكفاءاتُ العلميةُ، والمهنيةُ، والمتخصصة المستقلة لتولي المناصبِ الوظيفيةِ العليا للدولة. السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو خسر الحزب السياسي في الانتخابات القادمة، ومرشحه يحتل وظيفة عامة ضمن الدرجات الخاصة. هل يوجد نص قانوني بإقالته من الوظيفة العامة ، بسبب تبعيته للحزب الذي خسر…..! لذلك، لا يمكنُ تنفيذه المحاصصة لبلدِ فتي في الديمقراطية، أرهقتهُ الحروبُ الخارجيةُ، والنزاعاتُ الداخليةُ لعشراتِ السنين، والتدخلاتُ الدوليُة والإقليميُة في شؤونه، وتشتتَ بعضِ ولاءاتِ أبنائهِ بينَ الدول، نتيجةُ الظروف التي مرَ بها في تاريخهِ السياسي، وما نتجَ عنها منْ تبني أفكارٍ وخططٍ منْ قادتهِ، وحكامٍه كانت في غيرِ محلها، ولا تصب في مصلحة وخدمة شعبه .
لقد مرت أكثر منْ قرنِ منْ الزمن، في تأسيسِ الدولة العراقية الحديثة، ولا زال شعبها يعاني الأزمات الكثير، ونأخذ منها، أزمتي الماءِ والكهرباء. الماء، الذي أنعمنا اللهُ به، وميزنا بها عنْ شعوب العالم، بنهر دجلةَ الخير، كما وصفه شاعرنا المرحوم الكبير محمد مهدي الجواهري في قصائده الرائعة، ونهر الفرات؛ الذي ذكرهُ اللهُ في قرآننا الكريمِ بقولهِ تعالى: ( وهوَ الذي مرجَ البحرينِ، هذا عذبا فراتا، وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعلُ بينهما برزخٌ وحجرٌ محجورٌ ) . لم نستغلهما بالشكل الصحيح، نستجدي ونتوسل بدول الجوار في بالصيف لزيادة الإطلاقات المائية، ونستنكر في الشتاء بمذكرات دبلوماسية ، لتدفقها بكميات كبيرة لا يمكن استيعابها في أنهرنا أو بحيراتنا نحو أراضينا، وغرق مدننا الحدودية، وتلف مزروعاتنا. وليس لنا القدرة في حبسها أو خزنها، لموسم الصيف القادم، ما هذه المفارقة….!
أما أزمة الكهرباء؛ فقد أنعمنا الله – سبحانه وتعالى- بنعمتي الشمس والنفط ، إذ، إن حرارة الشمسِ، تصل الى الخمسين مئوية في الصيف، وبلادنا تطفوا على بحار من النفط الخام. وكلاهما: من مستلزماتُ وضروريات، حلِ أزمةِ الكهرباءِ لبلدنا، في توليد الطاقة الشمسية، من الشمس، أو محطات التوليد الكهربائية من النفط ومشتقاته، عدا سدود المياه والمحطات الموجودة فيه لتوليد الطاقة الكهربائية . أنَ توافرتْ الإرادةُ الصادقةُ والعمل الدقيق لذوي الشأنَ التنفيذي، لأستطعنا، إنارة الوطن العربيِ بالكهرباء، وليسَ العراق فقط، بدلاً، من بعثرة الملياراتِ منْ الدولاراتِ على مشاريعَ ترقيعية، تتطلب مصاريف صيانتها ، أكثر من مبالغ شرائها.
لقد تعلمنا من التاريخ ؛ أن الحياةُ دروسْ، وعبر، وتجارب، وأفضلها، الاستفادةُ، منْ تجاربِ الآخرين،ِ في بناءِ الأوطان، ماذا لو، درسنا تجاربِ بعضِ الدولِ التي خرجتْ منْ الحروبِ ، والنزاعاتِ الداخليةِ ، وبنت بلدانها؛ مثل؛ ألمانيا أوْ اليابانِ أوْ بعضِ الدولِ الأفريقية…..!
لقدْ أعادتنا المحاصصة المقيتة، إلى عشرات السنوات الى الوراء، فكلما تقدمت خطوةً واحدة، رجعت، عشرُ خطواتٍ ، وخيرَ مثالِ على ما حصلَ في برلماننا ليومِ الثلاثاءِ الماضي، منْ نزاع على وظائفِ الهيئاتِ المستقلة، إذ؛ كانَ بالإمكانِ الاتفاقِ مسبقاً، منْ قبلُ الكتلِ السياسيةِ قبلَ عقد الجلسة، والتراشق بقناني الماء ونفاضات السائر، ودونُ فضائحَ ، تناقلتها وسائلُ الإعلام العالمية والعربية في نشرات أخبارها.
أن العراق ، بلد وليد الديمقراطية، يسير في أولِ خطواتهِ نحوها، يحبون مثلٌ الطفلِ للوصولِ إلى صدرَ أمهُ من أجل الرضاعة، لقدْ جعلتنا المحاصصة ، نخرجُ منْ أزمةٍ، وندخلُ في مأزق، نخرجُ منْ مطب، لنسقطْ في حفرة. ولم نتوصل الى قاسمْ مشترك، يتفقَ عليه الجميع، لوضعِ الشخصِ المناسبِ في المكانِ المناسب، لنسيرَ ببلدنا نحوِ برِ الأمان، ولا نبقى عرضةٌ للمتشمتينِ، بمسيرتنا منْ بعضِ الأشخاصِ أوْ الدول.
بعدُ الفشلِ الذريعِ لتجربةِ السلطةِ التشريعيةِ في العراق، رغم بعض الإيجابيات والمنجزات البسيطة، التي ليست بالمستوى الطموح، وتميز بعض بعض الأعضاء المحترمون في دورات برلمانية عدة، نتيجة ولائهم المطلق لوطنهم وشعبهم الأبي، وتمسكهم بمبادئ الأخلاق الرفيعة، ورفض الإملاءات والإغراءات التي تعرض عليهم– جازاهم الله الف خير- فلم يقوم المجلس بواجبه بالشكل المطلوب، وتسبب في تمزيقِ الوحدةِ الوطنيةِ ، لذلك؛ يتطلب، إيجاد البدائل لهذه التجربة المرة، والاستفادة من تجارب من سبقونا في هذا المجال.
لدينا تجربة لدولة جارة لنا، ألا، وهي دولة الكويت المعروفة ببرلمانها القديم، المسمى ( مجلسِ الأمةِ الكويتي)، فقد حملَ في السنوات الأخيرة، رايةَ معارضةِ الحكومة الكويتية بالسراء والضراء من مبدأ خالف تعرف، وعرقلةُ عملها، بأية صورة كانت، وعرقلة مشاريعها، واتهامها بمختلف التهم، وليسَ مساعداً، وداعماً لها، وتدخلاتهِ غيرُ المبررةٍ في عملها، وكثرة استجواباتها لوزراء الحكومة، حتى قبل، أن يباشروا بأعمالهم الوزارية، لمصالح فئويةٍ خاصة. وما أشبهها، لتجربتنا الديمقراطيةَ الجديدة،( المحاصصة السياسية ) في تقسيمنا، إلى قومياتٍ وأديانِ وطوائف ومذاهب، ومزقت شعبنا، بسببَ بعضِ الألغامِ التي زرعتْ في دستورِ عامِ 2005 منْ قبلِ البعض، لغاية في نفس يعقوب، تحتَ مسمى الحقوقِ والواجباتِ للقومياتِ والأديان والمذاهب والطوائف، التي ولدتْ التشتتَ والكراهيةَ لأبناءِ البلدِ الواحدِ بدلاً من توحيدهم.
لقدْ قامَ أميرُ الكويتِ الشيخُ ( مشعلْ الأحمدْ الجابر) ، عندما وجدَ بلدهُ، يسيرُ نحوَ الهاويةِ، بسببِ تصرفاتِ مجلسِ الأمةِ الكويتي، فشمرَ عنْ ساعديه، وعدل عقاله المهيوب، واتخذَ قرارهُ الصعب، باستخدمَ صلاحياتهِ الدستورية، فجمد بعض مواد الدستور، وحل مجلسِ الأمةِ ، وركنه جانباً، ومنحهُ إجازةً إجبارية مفتوحة الى إشعار آخر، وجعل، بنايته- متحفاً للديمقراطية الكويتية – ومنح السلطةِ التنفيذيةِ الصلاحياتِ الكافية في إدارةِ مؤسساتِ الدولة، تحتَ إشرافِ ورقابةِ الجهاتِ الرقابيةِ القضائيةِ والماليةِ في الدولةِ الكويتية، واستقرَ الشارعُ الكويتي، تنفسَ الوزراء والشعب الكويتي الصعداء، وتخلصوا منْ مرض مزمنٍ اسمهُ (مجلسُ الأمةِ الكويتيِ) .
أما، بالنسبةِ للعراق؛ فلدينا المستلزمات الأكثر لنجاح التجربة بدون مجلس النواب العراقي، فتتعدد السلطات الرقابيةِ، الماليةِ، القضائيةِ، والأمنيةِ في العراق؛ المتمثلة، بهيئةِ النزاهة، ديوانُ الرقابةِ المالية، السلطةُ القضائية،بتشكيلاتها المختلفة، وزارةُ الداخلية، وزارة الدفاع، جهازُ الأمنِ الوطني، جهازُ المخابرات، واستخباراتُ الوزارات الأمنية لمراقبةِ ومتابعة عملِ الجهازِ الإداريِ للدولة. أما القوانينُ وتشريعها في حالة الحاجة الى تشريعها أو تعديلها، فلدينا، أساتذةُ وقضاةُ كبارٌ في كل اقسام وفروع القانون العام والخاص، ومجلس دولة ، يضم خيرة المستشارين القانونيين.
إنَ مقترحنا، يتطلبَ اتخاذُ القرارِ القرارِ الشجاع منْ الوطنيينَ الأحرارِ، منْ السلطةِ التنفيذيةِ والتشريعيةِ، من المواطنينَ ، من المنظمات المهنية والنقابية، لتعليق بعضِ فقراتِ الدستورِ، مثلٍ إخواننا الكويتيين، ومنحُ مجلسَ النوابِ العراقي في دورته القادمة، إجازةَ لمدةِ أربعِ سنواتٍ للراحةِ والاستجمام، ونخوضُ التجربةَ الجديدة، مستخدمين المادةِ (78) منْ الدستورِ العراقيِ ( رئيسُ مجلسِ الوزراءِ هوَ المسؤولُ التنفيذيُ المباشرُ عنْ السياسةِ العامةِ للدولة، والقائدُ لعامَ للقواتِ المسلحة، يقومَ بإدارةِ مجلسِ الوزراءِ ، ويترأسُ اجتماعاته، ولهُ الحقُ بإقالةِ الوزراء…). إن استطاع رجال الفقه والقانون الدستوري، تبويبها، لمصلحة الحفاظ على وحدة العراق، وخوفاً عليه من التمزق والضياع في ظل الانقسامات التي، تزداد يوماً بعد يوم، والتشرذم الحاصل لأبناء شعبه بسبب تأثير النفوذ الإقليمي والدولي، من المتربصين لإنهاء دولة ، اسمها العراق.
إنَ النتائجَ التي نتوقعها منْ هذهِ التجربة، منحُ شعبنا الراحةَ النفسية، والدعاءُ إلى الله- سبحانهُ وتعالى- في زوالِ الفترة المظلمةِ منْ تاريخه، عدا بعضَ المنتفعين…! معَ إيجادِ آليةِ قانونية متفقٍ عليها لعملِ السلطةِ التنفيذية للمدة التي يعلق فيها عمل السلطة التشريعية، منْ خلالِ منحِ صلاحياتٍ السلطتين التنفيذية والتشريعية لمجلسِ الوزراءِ في إدارةِ الدولة، وتشكيلَ مجلسِ استشاريٍ قانونيٍ، منْ متقاعدين القضاةَ وأساتذةَ القانون حصراً، بواقعَ خمسةِ أشخاصٍ لكلِ محافظةٍ صغيرةٍ أمْ كبيرة، بدون أيةَ امتيازاتٍ منْ، رواتبِ، مكافآت، مخصصات وضيافة ، بدل سكن، جيكساراتْ للحماية، وإنما يكون عملهم طوعيا، خالصا لوجه الله تعالى، وللشعب العراقي لدعمِ الحكومة في إنجاز أعمالها بالشكل القانوني، وتصويبَ أخطائها، إن وجدت، ويكون مرجع لها في أيِ قرارٍ ٍ، تتخذهُ قبل الشروع في تنفيذه.
في حالةِ عرضِ المقترح المذكور، على الشعبِ العراقي، للاستفتاءِ حوله في ضوءِ إنجازات مجلسِ النوابِ الضئيلة بدوراتهِ السابقة، والخلل الذي أصابه في أعماله، والتي لا تتناسب مع المبالغ، والامتيازات التي تصرف على أعضائه، ومستشاريه وموظفيه، وصيانة الأبنية والآليات والآثاث والصيانة، والسفر والإيفاد، نتوقع وصول نسبةَ الإجابةِ بــــ (نعمٍ ) إلى أكثرَ منْ 90 % من المشاركين ، حتى الأصمُ والأبكمُ يصوتُ بالإيجاب، وبهذا، نوفرُ الملياراتُ من الدنانير المخصصةَ سنوياً في موازنة الدولة لمجلسِ النواب، واستثمارها في بناءِ المدارسِ، والمستشفياتِ، ودور الرعاية الاجتماعية، والبنيةَ التحيةَ لمدننا. ونتخلصُ منْ رميِ المنفضاتِ والكراسيِ، والنعتِ بأسوأِ الألفاظِ على بعضنا البعض، خلالَ اجتماعاتِ مجلس النواب، باسمِ المحاصة المقيتة، عفواً ، التوازن السياسي .
هذا حلم يحلمه الجميع