في مشهد صادم يعكس عمق الازمة السياسية وتدهور لغة الحوار داخل المؤسسة التشريعية ، حيث تحولت قبة البرلمان العراقي اول امس ، من ساحة للنقاش الديمقراطي الى مسرح للفوضى والعنف الجسدي، حيث اثر اندلاع عنيف بين عدد من النواب اثر مشادات كلامية والفاظ نابية سوقية من قبل بعض ممثلي الشعب العراقي ، سرعان ما تطورت تلك الاحداث المؤسفة الى اشتباك بالأيدي ، وكأنهم في مقهى او “علوة ” للخضار ، أو ” جوبة ” للاغنام ، وكما يقول المثل الشعبي و”آسف على هذه اللفظة ولكن تستحق ان نكتبها لبعض النواب ” : ضرط وزانها وتاه الحساب، ومثل آخر يقول : “ياكلون تمر ويضربونا بالنواة”، هذا المثل يصف حالة يقوم فيها البرلمانيون بتحقيق مصالحهم الشخصية ” أكل التمر” بينما يلقون باللوم على الآخرين أو يتسببون في مشاكل للمجتمع ” الضرب بالنواة” ، وبعد تلك الفوضى اضطر رئيس البرلمان العراقي الى انهاء الجلسة وتعليقها ورفعها دون اكمال جدول الاعمال، وقد تناولت هذه الحادثة كثير من وسائل الاعلام المحلية والعربية والعالمية وعجت بها وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، واعادت هذه الفوضى الى الواجهة تساؤلات جادة حول اخلاقيات العمل البرلماني ، ومصير العملية السياسية في ظل الانقسام والتوتر المتصاعد بين الكتل واحزاب السلطة، أما اخلاقيات النواب المتعارف عليها تتمثل بانها مجموعة المبادئ والقواعد السلوكية التي يجب على أعضاء البرلمان الالتزام بها أثناء ممارسة مهامهم النيابية، وتهدف هذه الأخلاقيات إلى ترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة، وضمان ممارسة العمل البرلماني بشفافية ونزاهة، وتحقيق المصلحة العامة، ويشمل ذلك الحضور المنتظم للجلسات والاجتماعات، والالتزام بالوقت المحدد، والتعامل باحترام مع زملائهم والموظفين، والامتناع عن أي سلوك مشين يتعلق بالسب والشتم والاساءة اللفظية والشجار بالأيدي ، كذلك من اخلاقيات المهنة ، يجب على النواب تجنب استغلال مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية أو لمصلحة أفراد عائلاتهم أو معارفهم، والحرص على عدم استغلال المعلومات التي يطلعون عليها بحكم عملهم لتحقيق أي منفعة خاصة، لم يقتصر الأمر على توجيه الشتائم والسباب ورمزية النواب ومناصبهم ، بل تجاوز ذلك للإساءة واثارة النعرات الطائفية تحت قبة البرلمان ، واعتبار هذا السلوك الطائفي أمر مرفوض وغير مقبول تحت أي ظرف من الظروف، فهو انتهاك صارخ لأعراف العمل البرلماني وعدم احترام واجب المؤسسات الدستورية ، للأسف ان هذا الأمر يتزامن مع محاولات واضحة للاستحواذ على آخر مؤسستين مهمتين في الدولة العراقية، وهما مجلس الخدمة ومجلس الدولة، من قِبل البعض، دون أي رغبة في اقرار القوانين التي تنفع الشعب كـ ” اقرار الموازنة على سبيل المثال لا الحصر، او معالجة البطالة ،او وضع حلول للازمة المالية والمائية على حد سواء وغيرها من القوانين الاخرى ” ،التي تهم المواطنين في حياتهم اليومية ، الأمر الذي يدعو للأسف الشديد بإعادة النظر في انتخابات اشخاص غير مؤهلين لتمثيل الشعب العراقي برمته وبكافة اطيافه.