الأميرة فيكتوريا، أميرة اليوم، ملكة الغد.
قُرابة ثلاث عقود، وأنا أعيش في هذا البلد الجميل، مملكة السويد.
أعيش حضوره القوي، وهو ينافس عمالقة التكنولوجيا والتطور، من جهة.
ويدافع عن الحريات، كركائز أساسية للديموقراطية وحقوق الإنسان، من جهة أخرى.
والشئ الذي شَدّني أكثر وأكثر للإعجاب بهذا البلد الرائع، هو إبتعاده منذ زمن بعيد جداً عن جنون الحروب وويلاتها.
أما اليوم، فالمشهد بالنسبة لي، يبدو معكوساً وقاسياً أيضاً.
فأنا الآن، أشعر بإحباط وخيبة أمل يفوقان التَصوّر.
أشعر وكأن هذا البلد الذي أحببته من كل قلبي، هو في الطريق إلى الإنزلاق، كما ينزلق الماء من بين أصابع اليد.
وهذا التشاؤم، لم يباغتني فجأة، بل كان بسبب :
أولاً، ظهوركِ بالزّي العسكري من خلال الإعلام.
والذي سوف يسرق من المواطن السويدي ذلك الشعور الدائم بالطمأنينة والأمان، لِيحلّ محلهما القلق، الخوف من قادم الأيام وشبح الحرب.
ثانياً، الترويج لفكرة عسكرة المجتمع على لسان الساسة من صُنّاع القرار السويدي.
والذي سوف ينعكس سلباً وبالدرجة الأولى على شريحة الشباب، حيث المستقبل القاتم المجهول.
ثالثاً وأخيراً، تسخير ماكينة الإعلام، بهدف إضفاء الشرعية على فكرة عسكرة المجتمع هذه.
لِتبدو وكأنها مطلب جماهيري محض، نابع من إرادة الشعب السويدي ورغبته.
وهذا الإدعاء، ظلمٌ بحق الشعب السويدي، المعروف برفضه لكل ألوان العنف والقهر.
والتأريخ، بمحطّاته الدموية وعلى إمتداد التأريخ البشري، يشهد أنه حيثما حَلَّ العسكر، حل الخراب والدمار، الدم والدموع، الرعب والظلم والقتل والتهجير والإغتصاب.
بل، إن الواقع وفطرة الإنسان السويّ، يقولان عكس ذلك تماماً أيضاً.
إذ، كيف يمكننا أن نتصوّر شعباً يتواطأُ مع ساسته، وذلك بهدف إرسال شبابه إلى مِحرقة الموت.
خصوصاً، حينما يتعلق الأمر بشعب مثقف واعٍ مثل الشعب السويدي المُسالِم، الذي يعشق الحياة ويُقدسها.
إذن، حتماً هنالك خَلَل ما والحالة هذه.
وأغلب الظن، أن الخلل سياسي بالدرجة الأُولى.
وذلك، لبداهة أن السياسي الذي لا يملك ما يُقدمه لشعبه في الظروف الحَرِجة، سوى خيار الحرب والموت والدمار.
والذي يُصِرّ على وجود بلدٍ عدوّ أبديّ أزليّ للسويد.
لكنه بالمقابل، يفشل في تحويل هذا البلد – العدو المُفترض بحسب قناعته –  إلى جارٍ وَدود، وصديق محايد يمكن الإعتماد عليه.
أقول، مثل هذا السياسي، قد يضع السويد بين عَشية وضُحاها في فُوّهة بركان خامد، لا نعلم متى سوف يثور.
فخراب البلاد، لا يتطلب سوى لحظة تَهوّر، وشرارة قرار غير مسؤول.
أما بناء البلاد، فلا بد من تراكم العقول لأجيال وأجيال.
ومن هنا، أتمنى أن ينال قلقي هذا، مساحة ولو صغيرة جداً في صفحة حُبكِ – الذي لا شك فيه – لمملكة السويد أرضاً وشعباً، وأن :
# لا تسمحي لقرارات الساسة غير المدروسة، بأن تعبث بجمال وهدوء السويد، وأن تسرق إبتسامتها وأحلامها.
# لا تسمحي لهم بأن يُحوّلوا السويد إلى جحيم لا يُطاق، لترتدي ثوب القلق والخوف والحزن والدمار، بدل الفرح والبهجة.
# لا تسمحي بأن تفقد الحياة رَونقها وبهجتها، لتطفو على السطح ملامح عَسكرة المجتمع المُرعبة القذرة.
# لا تسمحي لصفارات الإنذار، بأن تُدخل الرّعب في قلوب الأطفال، وهم يُغطّون آذانهم بأيديهم الصغيرة، وقد تَجَمّدوا في مكانهم من شدة الخوف.
ليُلازمهم كابوس فقدان الطمأنينة والأمان هذا طيلة حياتهم.
# لا تسمحي بأن تغزو شوارعنا الجميلة، عربات نقل الجنود والعتاد ومظاهر التوتر والقتل.
بَدَلاً من مظاهر الفرح والمهرجانات والكرنفالات.
# لا تسمحي بأن تُدفن أحلام الشباب بسبب فاتورة الحرب الباهظة، ويُلقى بهم في معسكرات التدريب، لتعليمهم مهنة القتل البشِعة.
لِينتهي بهم الأمر في خاتمة المطاف إما قاتلاً، أو مقتولاً.
وذلك، بَدَلاً من مساعدتهم في الإستمتاع بقضاء أوقات فراغهم في صالات الرياضة والترفيه والسعادة.
# لا تسمحي لرائحة البارود بأن تَطغى على رائحة العطور والزهور، وأن يغتال صوت المِدفع زقزقة العصافير، وأن يرتدي اللحن ثوب الحزن باكياً.
# خِتاماً، لا تسمحي بأن تتحول بلادنا الجميلة هذه إلى مقبرة، ومدينة أشباح.
تحت الأرض، جُثثُ شبابنا وشابّاتنا الذين إبتلعتهم الحرب الغبية العَبَثية.
دُفنوا، ودُفنت معهم أحلامهم الصغيرة، التي هي بحجم أحلام العصافير.
فوق الأرض، الآباء والأمهات الذين فُجِعوا بفقد فَلذات أكبادهم.
حيث البُكاء والعَويل، وهم يَذرفون بَدَل الدموع دَماً.
وبإختصار شديد أقول :
لا تَنسَي أن السويد، أرضاً وشعباً، هي أمانة برقبتك أولاً، وبهيبة التاج السويدي العَريق، ثانياً.
أُنثري الفرح والسعادة والورود فوق رؤوس السويديين، وهم أحياء فوق الأرض يرقصون.
ولا تسمحي لطائرات الموتِ بان تستهدفهم بالقنابل، وهم تحت الأرض مَوتى، لكنهم من الخوف يرتجفون.
ختاماً، لنتذكر جميعاً تلك الوصية الأخلاقية للفيلسوف البريطاني برتراند راسل، والتي :
[ تتلخص في دعوته إلى الحب كحكمة، والكراهية كحماقة.
وأن التسامح والتعاطف، هما السبيل الوحيد للتعايش في عالَم يزداد ترابطاً … ].
تحياتي وتقديري.

أحدث المقالات

أحدث المقالات