35 عاماً على غزو صدام للكويت
خمسة وثلاثون عاماً مرّت، وما زلنا نحمل في قلوبنا وذاكرتنا وعمرنا جراح ذلك اليوم المشؤوم: 2 آب/أغسطس 1990، حين قرر صدام حسين أن يجتاح الكويت، دون استشارة أحد، ودون أن يعلم حتى وزير دفاعه بذلك القرار الكارثي . خطوة مجنونة لم تحرق الكويت وحدها، بل أشعلت العراق بكامله، ودفعتنا إلى متاهة تاريخية ما زلنا نتخبط فيها حتى اليوم .
لقد ارتدى صدام بزّته الزيتونية، التي تحوّلت لاحقًا إلى رمزٍ للطغيان، واعتلى منصة القرار وحده، متكئًا على حفنة من رجال الحاشية الذين لم يجرؤوا يومًا على أن يقولوا له: لا .
لكن السؤال الذي لا يكفّ عن مطاردتنا:
هل كانت الكويت فعلاً مسؤولة عن استفزاز صدام بعد حربٍ دموية مع إيران استمرت ثماني سنوات؟
هل كانت أزمة أسعار النفط، أو ديون الحرب، مبرّراً لاحتلال دولة شقيقة وعضو في جامعة الدول العربية؟
وهل كان صدام يبحث عن نصر خارجي يغسل به هزيمته الداخلية؟
والأدهى من كل ذلك، هل كان صدام يعتقد فعلاً أن المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، سيفاوضه؟
هل ظن أن غزوه للكويت سيُقابل بتفاهم ما مقابل نفط يُغدقه على المنظومة الغربية؟
ألم تكن لحظة سقوط الاتحاد السوفييتي ،الحليف التقليدي ،حاضرة في ذهنه؟
أم أنه لم يكن يرى أبعد من منطق “رئيس عصابة” قرر أن يضمّ دولة بالقوة كما لو أنها حانة وقعت في طريقه؟
بل ماذا لو تقدّم صدام بقواته نحو المنطقة الشرقية من السعودية؟ الغنية بالنفط …
هل كانت الولايات المتحدة حينها لتتفاوض معه على الكويت مقابل انسحابه من آبار النفط السعودية؟
وهل يمكن أصلاً الوثوق برجل أهوج لا يعرف سوى لغة الرصاص؟
لماذا لم يبدأ بالمطالبة بجزيرة بوبيان مثلًا، وهي الأقل تكلفة والأكثر منطقية للعراق الباحث عن منفذ للخليج، بدلًا من ضمّ الكويت كلها بقرار عسكري فج؟
لقد أُخذ القرار في غرفةٍ مغلقة، نجهل تفاصيلها حتى اليوم .
نعلم فقط أسماء قليلة من تلك “الثلّة” التي صفّقت له حين أعلن “انتهاء دولة الكويت”.
ونعلم أن الجامعة العربية انقسمت، فاختارت مصر والسعودية وسوريا الوقوف ضد الغزو، بينما ساندت الأردن واليمن والسودان ومنظمة التحرير النظام العراقي، في واحدة من أكثر اللحظات العربية انقسامًا وانكشافًا .
لكن النظام لم يستفد من الرسائل التحذيرية.
طارق عزيز رفض استلام رسالة وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر، التي كانت تنذر العراق بالخراب.
رفضها بتعالٍ، أو خوفًا من صدام، أو ربما لجهل حقيقي بكيفية تفكير الدول الكبرى.
المهم أن الرسالة رُفضت، وانفتح الباب على جحيم ما زلنا نحيا في ظله.
لماذا سحب صدام حرسه الجمهوري من الكويت ليحمي عرشه في بغداد؟
لماذا ترك الجيش مكشوفًا على “طريق الموت”؟
ولماذا لم يُسقطه العالم عام 1991، حين خرجت الانتفاضة الشعبية تهزّ الجنوب وتطالب بالحرية؟
وفي ذروة الهزيمة، وبينما كانت جثث الجنود متناثرة على الطرقات، انعقدت خيمة الذل في “سفوان”… هناك حيث جلس جنرالات صدام مقابل الجنرال شوارزكوف.
ماذا وقّع “ Mr. Yes ” – كما كان يُعرف بين جنرالات قوات التحالف .
على ماذا تنازل، وبأي ثمن؟
هل كانت تلك الخيمة امتدادًا لخيانة العام 1975 حين تنازل صدام عن شط العرب لإيران؟
وهل ما زلنا – بعد كل هذه السنين – نعيش في ظلال خيمة الهزيمة، التي باعت السيادة مقابل بقاء رجل واحد على عرشٍ بناه من جماجم العراقيين ودمائهم؟
لقد انسحب، لكنه انسحب ليبقى، لا ليحمي البلاد.
وقّع الهزيمة كي لا يُزاح، ثم ترك الوطن كله في مواجهة الحصار والخذلان .
…لكن هل تحررت الكويت من عقدة الغزو؟
سؤال لا بد من طرحه ونحن نعود بذاكرتنا إلى تلك الأيام السوداء .
فبعد كل ما حدث، هل خرجت الكويت من دور الضحية إلى عقلية الجار الشريك؟
أم أن غطرسة المنتصر، المدعوم بالحماية الغربية، ما زالت تحرّك سياستها الإقليمية، وخاصة تجاه العراق؟
هل تحررت الكويت من عقدة الغزو، أم أنها تمارس شكلًا آخر من الضغط والخنق، هذه المرة عبر أدوات القانون الدولي والاتفاقيات الملغومة؟
من خور عبد الله، إلى ملف الموانئ، إلى التوازنات الحدودية…
لا يزال العراق يشعر أن جراح الأمس تُوظّف سياسيًا اليوم، وأن ، الكويت بدلًا من تجاوز الماضي ، توظفه لإبقاء العراق محاصرًا، محكومًا، ومقيّدًا.
فهل هي سياسة اتعظت من الكارثة؟
أم عقلية محكومة بهاجس الانتقام السياسي، ولو بوسائل ناعمة؟
الجار الذي أُخطئ بحقه، من حقه أن يتحصن، أن يقلق، أن يحمي نفسه…
لكن لا يحق له أن يتحوّل إلى شريك في حصار شعب كامل، لم يكن له يد في قرار الطاغية .
اليوم، وبعد 35 عاماً، لم نخرج من تلك اللحظة .
العراق ما زال يُعاقَب، ويتراجع، ويتناسل منه الخراب .
صدام ذهب، لكن ظله الثقيل ما زال يحوم فوق المشهد السياسي والاجتماعي، وما زال هناك من يحنّ لزيتوني الطغيان… وكأن الخراب لم يكن كافيًا.
من المسؤول؟
من المستفيد؟
هل كان غزو الكويت باباً لحرب العراق الكبرى في 2003، أم لحظة سذاجة قاتلة من نظام لا يفهم إلا لغة الحديد والنار؟
أسئلة كثيرة، مؤلمة، موجعة…
أسئلة تحتاج إلى أكثر من تأريخ، وأكثر من تحليل.
تحتاج إلى صحوة ضمير… قبل أن نفيق على خراب آخر.