‏في صباح هذا اليوم، وبينما أتصفح منصات التواصل الاجتماعي، استوقفتني كلمات مؤثرة خطّها الأخ أبو بسام، وأخرى كتبها أبناؤه، وهم يهنئون ابنتهم بمناسبة إحالتها إلى التقاعد، بعد رحلة حافلة بالعطاء والتفاني في السلك التربوي.
‏لقد كانت واحدة من القيادات التربوية المتميزة في محافظة نينوى، تولّت مهام التعليم والإدارة في عدد من المدارس، وخلّفت بصمة لا تُنسى في قلوب طالباتها وزميلاتها.
‏لكن أكثر ما أثار اهتمامي وتأثري، هو ما خطّه والدها، الأستاذ علاوي المديد، في منشورٍ ملؤه الفخر والحنين، حين قال:
‏(( بسم الله الرحمن الرحيم
‏اليوم وأنا أطالع الفيسبوك، لفت نظري ما كتبه كادر ثانوية إمام غربي للبنات بمناسبة إحالة ابنتي، باسمه علاوي مديد، إلى التقاعد. وفي هذه اللحظات، استعدت شريط ذكرياتها الطويلة… فقد أكملت دراستها الابتدائية في مركز مدينة الموصل، ثم انتقلت إلى متوسطة تلعفر للبنات بحكم وظيفتي آنذاك، وأتمّت دراستها الإعدادية في سنجار، لتلتحق بعدها بكلية الآداب – قسم اللغة العربية في جامعة الموصل.
‏وبعد نجاحها في المرحلة الأولى، شاءت الأقدار أن يتوفى عمها وزوجته، فتوقفت عن الدراسة عاماً كاملاً لتتولى رعاية أبنائهما، ثم عادت في العام التالي بعزم وإصرار لتكمل طريقها. ولفتت انتباه أستاذتها الدكتورة بشرى البستاني ، التي لقبتها بـ(الأبلة) تقديراً لصبرها وظروفها الصعبة.
‏في عام 1999، عُيّنت في متوسطة الخنساء للبنات بمنطقة 17 تموز، ودرّست مادة اللغة العربية، محققة نسبة نجاح بلغت 100% لمرّتين متتاليتين. ثم انتقلت إلى ثانوية إمام غربي للبنين، واستمرت برسالتها التربوية بروح المعلّمة المخلصة.
‏وفي عام 2011، تسلّمت إدارة متوسطة إمام غربي للبنات منذ تأسيسها، فكانت الأم الحانية والمربية القدوة، تتابع كل صغيرة وكبيرة بروح المحبة والمسؤولية، وتشيد بها المدرّسات وأولياء الأمور على حدّ سواء.
‏وفي عام 2021، أُسّست ثانوية إمام غربي للبنات، وكان لها دور ريادي في تأسيسها، لتقود المدرسة نحو النجاح رغم صعوبات المرحلة. وكان من أبرز إنجازاتها حصول المدرسة على المركز الثالث على مستوى العراق عام 2013، في شهادة تخلّد في سجلها المهني الزاخر.لم تكن مجرد مديرة، بل قدوة في الإخلاص والانضباط، تحمل رسالة تربوية خالصة تركت أثراً طيباً في نفوس كل من عرفها. واليوم، وبعد هذه المسيرة، تغادر موقعها التربوي، ولكنها تترك أثراً لا يُمحى في الذاكرة والقلوب.
‏هنيئاً لها هذا الختام المشرف، وأدعو الله أن يرزقها الصحة والعافية، والسعادة الدائمة مع عائلتها، وأن يحفظها من كل سوء.))

‏كلمات تنضح بالفخر الأبوي، وتحمل بين سطورها حكاية نجاح، وعبرة في الصبر، ووفاء لمهنة التعليم.
‏تحية لكل معلم مخلص، ولكل أم تربوية حملت الأمانة، وبورك الراحلون عن الميدان بعد أن أودعوا فيه من النور ما يضيء طريق الأجيال.
‏هنيئًا لكِ أيتها السيدة الفاضلة “أم بسّام”
‏هنيئًا لكِ هذه المسيرة التربوية الناجحة، وهنيئًا لكِ هذه العائلة الكريمة التي رفدت الوطن بالكفاءات، وقدّمت الكثير من الخدمات النبيلة في مختلف الميادين.
‏ما أروع تلك الكلمات التي قرأتها، وهي تنبع من قلوب محبة وممتنة… تهاني والدك، وأبنائك، وإخوانك، وكل من مرّ بكِ في دروب العلم والعمل، من طلاب وطالبات، وزملاء وزميلات، وكل من تتلمذ على يديكِ أو نهل من نبع عطائك.
‏نعم، أنتِ النخلةُ المثمرةُ التي تنحني لها القلوب احترامًا، وترتفع الأبصار نحوها تقديرًا، لأنها بقيت شامخة، ثابتة الجذور، متصلة الفروع، تُظلّل من حولها وتمنحهم الثمر والخير دون منٍّ أو انتظار لردّ الجميل.
‏أيتها النبيلة… لقد كنتِ أكثر من معلّمة، كنتِ أمًّا حنونًا، ومرشدةً حكيمة، وقائدةً عادلة، رسمتِ الطريق لمن بعدكِ، وزرعتِ القيم في نفوس من تعاملوا معك، فأثمرتِ أجيالًا من الطيبين والمبدعين.
‏نعم، ستبقى ذكراكِ طيبةً في أفواه الطالبات، وفي أروقة المدارس التي احتضنتِها، وفي قلوب من عرفكِ عن قرب، لا تُنسى ولا تُمحى، لأن أثركِ كان بصمت لا ضجيج فيه، وعطاء لا ينضب.
‏هنيئًا لكِ التقاعد… لا بوصفه نهاية، بل كبداية لمرحلةٍ تستحقين فيها الراحة والسكينة، بعد أن أدّيتِ الأمانة، ورفعتِ الرأس، وتركتِ إرثًا من العز والمحبّة.
‏أسأل الله أن يبارك في عمركِ، ويزيدكِ عزًّا ووقارًا، ويحفظكِ لعائلتكِ الكريمة، ويجعل ما قدمتِ في ميزان حسناتكِ… فأمثالكِ لا يُكرَّمون مرة، بل تُردد أسماؤهم كلما ذُكر الوفاء والعطاء…

أحدث المقالات

أحدث المقالات