تعد قضية خور عبد الله أكثر من مجرد نزاع حدودي مع الكويت؛ إنها اختبار حقيقي لاستقلالية القضاء العراقي، وتحديدًا المحكمة الاتحادية العليا. مع الجدل المتزايد حول مشروع المصادقة على الاتفاقية البحرية، تتجه الأنظار نحو المحكمة باعتبارها الجهة الفاصلة بين الحفاظ على السيادة الوطنية والاستسلام للضغوط.
تم التوقيع على اتفاقية خور عبد الله عام 2012، وصادق عليها البرلمان العراقي في ظل ظروف سياسية غامضة ودون نقاش وطني. ومع مرور الوقت، اتضحت نية الكويت من الاتفاقية بعد بنائها جزرًا صناعية وتوسعها في الممرات المائية. هذه التطورات دفعت الرأي العام إلى المطالبة بإعادة النظر في الاتفاقية وإبطالها بشكل كامل.
وهنا يأتي دور المحكمة الاتحادية، وهي أعلى جهة لتفسير الدستور وحل النزاعات، أمام مسؤولية وطنية وتاريخية. ومع ذلك، هناك تخوف كبير من تأثير الأحزاب السياسية النافذة على قرارات المحكمة كما حدث سابقاً في مواضيع مهمة مثل قوانين الانتخابات وإقليم كردستان ، سواء عبر تعيين قضاة موالين أو تغيير رئاستها مؤخرًا وهو ما أثار الشكوك حول دوافع هذا القرار.
الاتفاقية مع الكويت تتطلب مراجعة قانونية شجاعة لا مساومات سياسية. والمطلوب من المحكمة الاتحادية رفض أي محاولة للمصادقة البرلمانية ما لم يتم إعادة فحص دستورية الاتفاقية، وإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية. المحكمة تمتلك هذه الصلاحية، وأي تقاعس عن اتخاذ موقف حاسم سيفسر على أنه خضوع لضغوط حزبية أو خارجية، وهو ما يهدد بفقدان ثقة الشعب في القضاء الدستوري.
إن الموقف المطلوب ليس مجرد موقف دستوري، بل موقف وطني. الكرة الآن في ملعب المحكمة الاتحادية، فإما أن توافق على المصادقة دون اعتراض قانوني، وبالتالي تشارك في تفريط تاريخي، أو أن تتخذ قرارًا بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية، وهو ما سيعيد الاعتبار للقانون ويمنح الشعب العراقي فرصة للدفاع عن حقه وفق المسارات الدولية المشروعة. في هذه اللحظة، سيُخلد التاريخ من كان على قدر المسؤولية.