مؤتمر حل الدولتين: غايات مكشوفة

مؤتمر حل الدولتين: غايات مكشوفة

قبل عدة ايام من الآن؛ اعلن الرئيس الفرنسي، ان فرنسا ستعترف بدولة فلسطين في سبتمبر ايلول المقبل، اثناء اجتماع هيئة الامم المتحدة. جاء هذا القول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية من فرنسا، حسب ما ورد في خطاب الرئيس الفرنسي؛ نتيجة المجازر الصهيونية في غزة وايضا في الضفة الغربية. تاليا، بعد ايام قليلة، مسؤولو المملكة المتحدة او احد المسؤولين البريطانيين قال هو الأخر ان المملكة المتحدة ستعترف في سبتمبر ايلولبالدولة الفلسطينية، اذا استمرت حرب اسرائيل في غزة. ثم تبتعهما عدد من الدول الغربية. لكن التطور المهم هنا هو دعوة كل من فرنسا والسعودية الى عقد مؤتمر حل الدولتين في نيويورك حيث مقر الامم المتحدة. بالفعل تم عقد المؤتمر وقد شاركت فيه عدد كبير من الدول سواء من افريقيا او من اسيا او من اوروبا او من امريكا الجنوبية.تمخض المؤتمر عن بيان اكد؛ ان لا حل للصراع في الشرق الاوسط الا بحل الدولتين، دولة لفلسطين ودولة لإسرائيل تعيشان بسلام جنبا للجنب. لم تشارك الولايات المتحدة في المؤتمر، بل انها وعلى لسان ترامب واخرون من طاقم إدارته، اكدوا؛ ان هذا المؤتمر يعرقل الوصول الى السلام والاستقرار في المنطقة. المسؤولون الاسرائيليون بينوا بان الاعتراف بدولة فلسطين يؤدي الى تأجيج الوضع في غزة وفي عموم فلسطين، وان هذا الاعتراف يشجع حماس( حركة المقاومة الفلسطينية في غزة وفي الضفة الغربية) على التمادي او التصلب في موقفها. بدءا ان هذه المواقف ومهما كان الغاية منها، وهذه الغاية هي، ربما كبيرة جدا، غير غاية المعلن عنها، إنما مهمة جدا؛ من كل النواحي الاعتبارية والقانونيةوالمعنوية والسياسية، وايضا انها ستكون او ان لها القدرة في تعميق العزم والاصرار على مقاومة المحتل الصهيوني، اكثر مما هي عليه من صلابة لا تلين تحتالضغط الهائل عليها، واضافة قوة دافعة اخرى الى ما هو عليه الشعب الفلسطيني من صمود وصلابة ومواصلة المواجهة حتى تحصيل حقوقه كاملة غير منقوصة. ان هذه المواقف الدولية والعربية على ضعفها في مواجهة مجازر الصهيونية في فلسطين، لجهة ايقافها؛ ما كان لها ان تحصل لولا الصمود الاسطوري للمقاومة الفلسطينية في غزة. إنما، ومن الجانب الثاني ان هذه الخطوات سواء من جانب فرنسا او من بريطانيا وهما على ما هما عليه من دعم واسناد لكل مشاريع اسرائيل، بدءا من توفير الحماية الدولية او توفير اسلحة الفتك والدمار حتى لحظة تصريحاتهما هذه الى ما بعدها من الزمن القادم، والتي تستخدمهما اسرائيل في مجازرها في غزة وفي غير غزة. ان كل هذا يثير الشكك في النية والهدف اصلا، اي ان وراء هذه التصريحات ما ورائها، وهي وبكل تأكيد تجانب الحق وتقف في نهاية المشوار مع الكيان الاسرائيلي. ان هذه الخبطات سواء في نوايا الاعتراف بدولة فلسطين او المؤتمر الذي عقد مؤخرا وقد سمي مؤتمر حل الدولتين؛ الغرض من كل ذلك هو احتواء الغضب العربي والاسلامي والاقليمي والدولي وحتى داخل هذه الدول صاحبة الدعوة الى الاعتراف او صاحبة الدعوة الى عقد المؤتمر المشار له في اعلى هذه السطور المتواضعة. يحضرني هنا بان هذا المؤتمر لم يكن هو الوحيد الذيعقد من اجل اخراج حل الدولتين الى الوجود، فقد سبق هذا المؤتمر، منذ اكثر من ثلاثة عقود؛ عدة مؤتمرات عقدت من اجل هذا الغرض، لكنها كلها لم تقد الى اية نتيجةمهما كانت بسيطة، ولو الصعود الى درجة واحدة لا غير من سلالم سلم الوصول الى منبسط حل الدولتين؛ بدءا من عام 1991والى الآن. بل الامر صار اكثر سوءا مما كان عليه الوضع، قبل هذه المؤتمرات سيئة النية والمآل والاهداف حتى هذه اللحظة التي تواصل فيها اسرائيل كل اجرامها في غزة، وحتى في الضفة الغربية. ان هذه كلها ماهي الا لتوفير غطاء مهلهل لصمت هذه الدول، بما فيها دول الخليج العربي وبقية الدول العربية باستثناء اليمن على جرائم الكيان الاسرائيلي، وهنا ما اقصده؛ليس الشجب والاستنكار، بل المواقف العملية التي تقود او ينتج عنها نتائج ضاغطة على اسرائيل ورعاتها في ايقاف هذه المذابح. عليه، ان هذه اللعبة تتركز في اتجاهين اولا، تقديم هذه الدول جميعها الى العالم من انها تمتلك ضميرا انسانيا، وانها؛ ترفض جرائماسرائيل، وهم في طليعة دول العالم؛ من ترفض هذه الجرائم الاسرائيلية. وثانيا، ما هي الا رسالة الى داخل هذه الدول بما فيها المملكة العربية السعودية، فحواها ومضمونها؛ ان هذه الدول، تدافع بالدبلوماسية والسياسة عن فلسطين وعن حق شعب فلسطين في الوجود والحياة. وهي محاولة بائسة ومكشوفة تماما في التأثير على الوعي الجمعي الدولي والعربي والاقليمي؛ مفادها ان طريق الدبلوماسية والسياسية، هو الطريق السليم والناجح، وهو افضل من طريق المقاومة الذي لا يقود الا الى الدماروالخراب. ان هذه الرؤية المخادعة تتناقضتناقضا صارخا لما جرى ويجري ولسوف يستمر يجريمن حروب التصفية والمجازر والإبادة للشعب الفلسطيني التي قام بها سابقا ويقوم بها حاليا الكيان الاسرائيلي، على ارض فلسطين تحت او في ظل هذه الفرية والخدعة والكذبة. الكيان الاسرائيلي المدعوم امريكيا وغربيا،والصمت المشبوه من بقية القوى الدولية العظمى؛ لم تضع له حدا لا الدبلوماسية ولا السياسة، لا الآن و لا في السابق ولا في سابق السابق او يتم ايقاف جرائمه في فلسطين كل فلسطين على مدار جميع سنوات وجوده، بل ان العكس هو الصحيح. لقد حظي بالدعم والتسليح والحماية الدولية في جميع سنوات وجوده، وفي كلالمفاوضات التي جرت بينه وبين بعض الدول العربية في الذي يتناول التطبيع المجاني معه، وحتى مع السلطة الفلسطينية التي اوجدتها اتفاقات اوسلو والتي قذفتها اسرائيل الى سلة المهملات، ولم يتم تطبيق ولا بند منها حتى الآن، الا الإدارة الذاتية الناقصة والمهددة اسرائيليا في عقر دارها في رام الله، وتشكيلات الامن الوقائي. فقد كان من المفترض حسب بنودها وتوقيتات تطبيقاتها؛ ان يتم او ينتهي بها المسار في نهايته الى الاعلان الرسمي بإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران في نهاية عام 2005. أن المؤتمر الأخير حين اشار في البيان الذي صدر عنه؛ حول حل الدولتين في انهاء الصراع الذي طال امده؛ دولة فلسطينية ودولة اسرائيلية؛ لم  يتطرق الى حدود دولة فلسطين المرتقبة او المفترضة حسب ما جاء في بيان المؤتمر. ان عدم اشارة البيان الى هذه الحدود، حدود دولة فلسطين المفترضة، يجعل المتابع يسأل ماهي حدود دولة فلسطين المرتقبة؟ وهل هناك مشروع خفي لتصفية القضية الفلسطينية تحت خدعة حل الدولتين؟ ثم هل بإمكان الدول بما فيها فرنسا وبريطانيا والمملكة العربية السعودية والدول الأخرى ان تجبر الكيان الاسرائيلي على الرضوخ للحق الفلسطيني القانوني، والقبول بحل الدولتين على الارض الفلسطينية المحتلة، وبمعزل عن الإرادة الامريكية الداعمة والمساندة للكيان الاسرائيلي بلا حدود لهذا الدعم، بل هي مشاركة له وفي كل جرائمه؟ ان إقامة دولة فلسطين على كامل الارض الفلسطينية قبل الرابع من حزيران؛ لا تأتي بها او لاتصنعها او لا تجبر الكيان الاسرائيلي على القبول بها عبر قناطر الدبلوماسية والسياسة، مهما كان من يحكم اسرائيل سواء من اليمين المتطرف او من اليسار او من الوسط المعتدل، او اي كان من يحكم اسرائيل. إنما الدبلوماسية والسياسة تكون هنا في موقع القوة، حين تستند او تعتمد كليا على قوة وسعة وقدرة المقاومة على الصمود ومواجهة كل مشاريع الاحتلال الاسرائيلي، والتصدي لها بقوة السلاح والصبر الاستراتيجي المبرمج بمنهجية وتخطيط وتعضيد شعبي؛ هو الذي يحرر الارض والانسان معا مهما طل عليهما الزمن بظلمه وقسوته، ويحقق اقامة دولة فلسطين الحرة وكاملة السيادة على اراضي فلسطين قبل الرابع من حزيران. ان مؤتمر حل الدولتين لن يقود الى الحل الواقعي والمنصف للقضية الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية على كل الارض الفلسطينية قبل الرابع من حزيران؛ فهذه الارض وهي قطاع غزة وكل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية اي القدس التاريخية؛ قد اصدر مجلس الامن الدولي في حينها عدة قرارات كلها تدعوا اسرائيل الى الانسحاب منها كونها ارض قد احتلت بالقوة العسكرية، لكنها لم تنسحب منها خلال اكثر من ما يقارب الستة عقود ولاتزال تحتلها من الناحية الفعلية على الرغم من وجود السلطة الفلسطينية في رام الله. الكيان الاسرائيلي يواصل عبر بناء أو انشاء المستوطنات على مدار كل هذا التاريخ، سياسة التوسع والضم من دون ادنى اهتمام واعارة اي اهمية تذكر لجميع قرارات مجلس الامن الدولي. الكيانالاسرائيلي يحتل كل القطاع والضفة الغربية، بل ان اسرائيل تتابع قضم اراضي الضفة الغربية، وتقوم بكل مجازرها في قطاع غزة؛ على مرمى ومسمع كل العالم بما فيها القوى العظمى، ولم يتمكن هذا العالم واقصد هنا القوى العظمى من ايقاف مجزرة اسرائيل العنصريةللشعب الفلسطيني في القطاع والضفة الغربية. اذا، كيف يتم اقامة دولة فلسطينية على جميع الاراضي التي احتلتها اسرائيل وتواصل احتلالها؟ ولم يتمكن مجلس الامن الدولي وبدوله العظمى والكبرى الاعضاء الدائمين فيه؛ من ممارسة الضغط المنتج على دولة الاحتلال لإجبارها على الانسحاب خلال ما يقارب الستة عقود. اعتقد او من وجهة النظر المتواضعة؛ ان مؤتمر حل الدولتين، ربما كبيرة جدا؛ لا يقصد بحل الدولتين؛ إقامة دولة فلسطينية على الارضي الفلسطينية قبل الرابع من حزيران، بل هو تصفية القضية الفلسطينية بحكم ذاتي هو الأخر مهلهل وعلى جزء من الضفة الغربية وربما ايضا تدخل في هذا الحل معزوفة الوطن البديل( الاردن..). لذا، ان صمود المقاومة الفلسطينية في غزة وايضا في الضفة الغربية، صمودا لسوف يحقق الانتصار حتما اذ، لا خيار للمقاومة الفلسطينية الا الانتصار. هذا الانتصار لسوف يقلب كل اوضاع المنطقة العربية وفي جوارها لصالح المقاومة ولصالح كل الشعوب العربية والاسلامية. ان ما حدث ولايزال يحدث في غزة على الرغم من جسامة التضحيات من جوع وتشريد وقتل ومذابح اسرائيلية خلال ما يقارب السنتين التي لم يشهد كل تاريخ حروب البشرية مثيلا لها حتى في الحرب الكونية الثانية او الاولى؛ ستكون لها تداعيات استراتيجية وتاريخية اكثر واوسع واعمق مما كان وقد حدث من تداعيات خلال هاتين السنتين على فلسطين وعلى اغلب دول المنطقة العربية وجوارها الاقليمي. ان مؤتمر حل الدولتين ما هو الا لجعل هذه التداعيات بدءا ومسارا وانتهاءا؛ ليس لصالح القضايا العربية ومنها بل في اولها هي القضية الفلسطينية، بل جعل نتائجها بالضد منها..

أحدث المقالات

أحدث المقالات