مقامة البحث عن السعادة

مقامة البحث عن السعادة

يقول غابرييل غارسيا ماركيز: (( الخائب الذي ألقى بنفسه إلى الشارع من شقة في الطابق العاشر , وأثناء سقوطه راح يرى عبر النوافذ حيوات جيرانه الخاصة , المآسي المنزلية , علاقات الحب السرية , لحظات السعادة الخاطفة إلتي لم تصله أخبارها أبداً , بحيث أنه في اللحظة إلتي تهشم فيها رأسه على رصيف الشارع , كان قد غير نظرته للعالم كلياً , وكان قد أقتنع بأن تلك الحياة إلتي هجرها إلى الأبد عن طريق الباب الخاطئ , كانت تستحق أن تعاش )) , فلنفتش عن البهجة الكامنة فينا , وجوهر السعادة الساكن في نفوسنا , لقد

كان يقال : ستة لا يخلون من الكآبة :رجل افتقر بعد غنى , وغنيُّ يخاف على ماله التوى ( الهلاك) , وحقود , وحسود , وطالب مرتبةٍ لا يبلغها قدرهُ , ومخالط الأدباء بغير أدب.

بلوغ السعادة لا يكون بالبحث عنها , إما أن تكون جزء من التكوين النفسي للإنسان أو لا تكون , يتوهم كثيرٌ من الناس أن السعادة تأتينا , مع ما يصل إلينا من خارجنا : مالٌ يُراد , حلم يتحقق , شهوةٌ تُنال , وصالٌ بمحبوب , وأمثال ذلك من المطالب والأُمنيات , لكن الحقيقة غير هذا , فالسعادةُ بهجةٌ سحرية تكمن بداخلنا وتسكن , حتى يحرّكها الآتي من الخارج ,ولهذا , قد يفرح إنسانٌ بدراهم معدودات ويتحسّر غيره على فوات ملياراتٍ لن يتمكّن من إنفاقها , وقد يسعد الصغير بهدية , غير تلك التي تُسعد الكبير أو ترضيه , وقد يتمنى المحبُّ وصالاً , ثم يكتشف أنه كان يسعى لسبب تعاسته.

ومن هنا , أيضاً , يسعدُ أحياناً أكثرُ الناس بؤساً وفقراً وحرماناً , لأوهى الأسباب , ويعاني الموسرُ والغنيُّ من أمور تثير الاستغراب , فالسعادة إذن , لا تأتي إلا من داخلنا , بصرف النظر عن باعثها الآتي من خارجنا , فلا تتعلّقوا بالأسباب وتقدسوها , وفتّشوا عن البهجة الكامنة فيكم وجوهر السعادة الساكن في نفوسكم , يقول بريخت : (( إن من لا يعرف الحقيقة فهو أحمق , ومن يعرفها ويعرض عنها فهو مذنب )) , يقولون ان الحيوان دائما سعيد , ويقول جياكومو سارتوري : (( البشر غير قادرين على الشعور بالسعادة , فهُم يقضون مُعظم أوقاتهم وهُم يتخيلون بأنهم سيكونون سُعداء في المُستقبل , بعد خمس دقائق , بعد نصف ساعه , ظهر هذا اليوم , العام المُقبل , بعد عشر سنوات , كما لو أن ستختفي جميع العقبات والمشاكل وتتبخر مثل السحر وبدون أي مجهود , يالهُم من كائنات مُضحكة وسخيفة )) .

السعادة مفهوم نسبي يختلف من شخص لآخر, وقد يكون لكل مجتمع نظرته الخاصة للسعادة , يقول علماء النفس الأوروبيون إنه إذا أردت أن تعيش سعيدًا , فلا يجب أن تفكر في الماضي ولا المستقبل , بل الحاضر, وهذا مرة أخرى مفهوم الزمن بالنسبة لسارتر الذي يؤمن بالحاضر , لكن إذا ابتعدنا عن هذه النظريات , ففي الواقع لا يمكن للمرء أن يتحرر من أغلال الماضي ولا يمكن ألا يفكر في المستقبل , في رأيي أن نظرية علماء النفس الأوروبيين يتم اتباعها لبضع لحظات من الراحة كمجال للتنويم المغناطيسي الذاتي , وإلا فإن المرء سيلوم الذاكرة في مجرى الحياة وفي نفس الوقت القلق بشأن المستقبل.

في حياتنا أشخاص يشبهون الفجر بخيره ودفئه برائحته ومفاجأته, يزرعون داخلنا ألف زهرة, ويتركون ابتسامة تملأ القلب بالحياة ,و تتجلىَّى روعة الحياة بوجودهم , أهل القلوب النَّقيَّة الثابتة على مكارم الأخلاق , قلوب جمعت بين الطيب والوفاء , والصدق والصفاء, الذين حسنت أخلاقهم وطابت نفوسهم , فما أروعَ المعدنَ , وماأطيب الأصلَ , فلكي تعيش حياة سعيدة , يجب أن تكون قادرًا على إطالة صبرك والتخلص من الحزن , يؤمنون انه ليس كل الرزق مالا , بل إن من أجمل الأرزاق :(( سكينة الروح , ونور العقل , وصحة الجسد , وصفاء القلب , وسلامة الفكر , ودعوة أم , وعطف أب , ووجود أخ , وضحكة وعافية ابن , واهتمام صديق , ودعوة مُحب ومحبة عائلة وراحة البال )) ,

فسلام على الذين يزينون حياتنا برفقتهم الطيبة ودعواتهم الصادقة , وشكراً لمن يتواصلون معنا ودوما نحن فى بالهم , فدعوتي لكم براحة البال وصلاح الحال .

يقول المثل ألأنجليزي عن ضرورة المزاج الرايق : ((To create well I have to be in a good mood, happy and cool)) وترجمته : (( لكي أخلق جيدًا , يجب أن أكون في مزاج جيد , سعيدًا وهادئًا )) , ان السعادة الحقيقية للإنسان هي التسامح مع الاخرين , والدليل قول الحكيم الهندي أوشو ((أن السعادة الحقيقية هي تلك التي يعيشها ويستمتع بها الأطفال الصغار قبل أن تتلوث عقولهم بأفكار الكبار(( ,إن السعادة تنبع من أعماق الإنسان , ونظرته تجاه الأمور, لذلك قد نجد أغنى الناس تعيسًا يشكو الاكتئاب والضجر, ونجد أفقرهم يحمد الله ويبتسم من أعماقه, فالسر في قناعة الإنسان فيما بين يديه, ودرجة إيمانه, والسعادة معدية تنتقل طاقتها سريعًا وبشكل ملحوظ, فكما يقولُ المثل: (( جاورِ السعيدَ تسعد )) .

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات