كلماتٌ سمعناها قديماً من سلفنا الذين عشنا معهم، كانوا يتحدثون عن دموع الرجال التي تنهمر في المواقف الإنسانية الصعبة، تلك المواقف التي يعجز فيها الإنسان عن العطاء، ويقف عاجزًا عن منح غيره شيئًا، رغم أنّ قلبه ممتلئ بالرحمة.
فأين نحن اليوم من تلك الدموع؟
دموعٌ كنّا نُسميها دموع الإنسانية…
أين نحن اليوم، وقد تحوّل مجتمعنا إلى مجتمعٍ ماديّ، بعيدٍ عن كل مفاهيم الرحمة والتكافل؟
مجتمعٌ اقترب من التفكك، وأصبح نسيجه الاجتماعي بخيوطٍ واهنة، كخيوط بيت العنكبوت!
صرنا نعيش اليوم بين خطين:
خطٌ يسير فيه حيتان الفساد، يجمعون الثروات من نهب المال العام.
وخطٌ آخر، يمشي فيه الفقراء، ينتظرون رحمة السماء، ويحلمون بيوم تأتي فيه حكومة عادلة تعطيهم ما يستحقونه من خيرات بلادهم.
ما أصعبها من مشاهد، تلك التي نراها يوميًا،
عائلات تقف على أبواب الدوائر الحكومية،
ورجالٌ يطرقون مكاتب المسؤولين،
يطلبون بعضًا من حقوقهم،
فيُقابلهم الطرف الآخر بنظرة استعلاء، كأنهم يتسوّلون،
وكأنّ المسؤول هو مالك هذه البلاد،
يرى في سرقاته ومقاولاته وصفقاته حقًا مشروعًا،
بينما يرى الفقير أن راتبه الشهري أصبح “منّة” من الدولة لا حقًا له.
فإلى أين تسير القافلة، يا عرب؟
متى يقف قطار الفقر في العراق؟
متى أرى السعادة في وجوه قومي، وقد أرهقهم سفر الحروب والحصار والجوع والطائفية؟
متى نصحو من هذا الكابوس، ونعيش حياةً حرّة كريمة،
لا نحسد فيها غيرنا، ولا نُترك للنسيان؟
أم أننا من المنسيين أصلًا؟
الذين لا بدّ لهم أن يتوارثوا نقمة الفقر،
ويعيشوا مع صعوبات الحياة…
”ولا بد… ولا بد… ولا بد…”
كلمات اكتبها وفي داخلي هموم شعب كامل وانا ارى تلك الدموع في عيون ابناء هذا الشعب
نعم عندما يبكي الرجال…
فالأمر ليس ضعفًا ولا عجزًا،
بل لأن الوجع قد بلغ في القلب مبلغه،
ولأن الكتمان قد أثقل الأرواح،
فانفجرت الدموع حيث لم يجد الصوت من يسمعه..
حين يبكي الرجال، فاعلم أن شيئًا عظيمًا قد انكسر،الا وهو الانسانية بكل معانيها ومفرداتها…
وأن للكرامة أيضًا دموعًا،تبكي حين تُداس بلا رحمة،
وحين يرى رجل السلطة أبناء وطنه يسألون حقوقهم وكأنهم يتسولونها.