خاص: كتبت- نشوى الحفني:
من الإنذارات المتَّكررة إلى المهل المتبدلة؛ تتكشف ملامح دبلوماسية “العد التنازلي” التي يتبناها الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، في تعامله مع الحرب الأوكرانية، حيث أكد الإثنين، نيته تقديم الموعد النهائي، الذي حدّده سابقًا بـ (50 يومًا)، للرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في “أوكرانيا”، وذلك بعدما واصلت “روسيا” قصف المدن الأوكرانية.
وقالت القوات الجوية الأوكرانية؛ إن “روسيا” أطلقت خلال الليل أكثر من: (300) طائرة دون طيار، و(04) صواريخ (كروز) و(03) صواريخ باليستية.
وقال “ترمب”؛ منذ أسبوعين، إنه سيُفرض: “رسومًا جمركية قاسية” على “روسيا” إذ رفضت اتفاق سلام بحلول أوائل أيلول/سبتمبر، حيث أعرب عن استيائه من “بوتين” بسبب قصف المدن الأوكرانية وسط محاولات الرئيس الأميركي لوقف القتال.
وقال “ترمب” إنه سيمنح “بوتين” بين: (10) و(12) يومًا اعتبارًا من اليوم، ما يعني أنه يُريد تقدم جهود السلام بحلول 07 أو 09 آب/أغسطس.
خطة عقوبات ورسوم جمركية..
وتتضمن الخطة عقوبات محتملة ورسومًا جمركية ثانوية على شركاء “روسيا” التجاريين. وأشار إلى أن الإعلان الرسمي سيأتي في وقتٍ لاحق من يوم الإثنين أو يوم الثلاثاء. وعن الجدول الزمني الأقصر، قال “ترمب”: “لا سبب للانتظار. نحن لا نرى أي تقدم”. وقال “ترمب”؛ خلال زيارة إلى “إسكتلندا” إن على “بوتين” أن: “يبَّرم اتفاقًا. الكثير من الناس يموتون”. ولم يصدَّر رد فوري من “روسيا”.
وكرر “ترمب” انتقاده لـ”بوتين”؛ بسبب تحدثه عن إنهاء الحرب مع الاستمرار في قصف الأوكرانيين. وقال: “وأنا أقول، ليست هذه الطريقة لذلك. أنا أشعر بخيبة أمل في الرئيس بوتين”. وردًا على سؤال في مؤتمر صحافي عن اجتماع محتمل مع الزعيم الروسي، قال “ترمب”: “لم أعد مهتمًا بالحديث”.
نبرة انتقاد لـ”الكرملين”..
شبكة (سي. إن. إن) الأميركية؛ تقول في تعليقها، إن فقدان “ترمب” الصبر مع (الكرملين) يبدو أنه يكتسّب زخمَا، مشيرة إلى أن خطاب “ترمب” المتقلب بشأن “حرب أوكرانيا”، والذي كان يتأرجح لعدة أشهر بين إلقاء اللوم على “كييف” و”موسكو”، يبدو الآن وكأنه اتخذ نبرة أكثر اتساقًا تنتقد (الكرملين) وسلوك زعيمه القوي؛ “فلاديمير بوتين”، بشكلٍ عام.
ولطالما استبعد (الكرملين) إنهاء الحرب في “أوكرانيا” حتى يُحقق أهدافه القصوى، والتي تشمل السيّطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية التي ضمّها، وفرض قيود عسكرية وسياسية خارجية صارمة على “أوكرانيا” ما بعد الحرب، مما سيُخضع “كييف” لإرادة “موسكو”.
لن يكون ذو تأثير..
ومن غير المُرجّح أن يؤدي أي تهديد بفرض المزيد من العقوبات على “روسيا”، التي تُعدّ بالفعل واحدة من أكثر الدول الخاضعة للعقوبات في العالم، إلى تحويل انتباه (الكرملين) الذي يبدو عازمًا على تحقيق أهدافه بأي ثمن.
وبحسّب الشبكة الأميركية؛ فإن مجرد تقديم هذا التهديد لبضعة أسابيع، كما فعل “ترمب” الآن، من غير المُرجّح أن يكون له تأثير يُذكر على حسابات (الكرملين) المتشدَّدة، خاصة وأن العقوبات التي هدّد بها “ترمب” يُنظر إليها على نطاقٍ واسع في “روسيا” على أنها عديمة القوة أو مستَّحيلة التنفيذ.
هل تُعتبّر سياسة ناجعة ؟
فعلى سبيل المثال؛ يُنظر إلى تهديدات “ترمب” بفرض رسوم جمركية بنسبة: (100%) على الصادرات الروسية، على أنها لا معنى لها تقريبًا في بلد لا تتجاوز قيمة التجارة بينه وبين “الولايات المتحدة” بضعة مليارات من الدولارات سنويًا.
وربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو تهديد “ترمب” بفرض رسوم جمركية عقابية أو عقوبات ثانوية على الدول التي تشتري “النفط الروسي”، حسبّما تقول الشبكة الأميركية، إلا أنها أشارت إلى أن أكبر مستوردي هذه السلعة هما، بالطبع، “الهند والصين”.
واستبعدت أن يُقحم “ترمب”، “الولايات المتحدة” في حربٍ تجارية عالمية بسبب قضية “أوكرانيا”، محذَّرة من أنه حتى في حال موافقة الصينيين والهنود والأتراك، على التوقف عن شراء “النفط الروسي”، فإن صدمة فُقدان الإمدادات الروسية ستكون عميقةً في الأسواق. ومن المُرجّح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاعٍ حادٍّ في أسعار النفط الخام، مما يُفاقم التضخم العالمي، بل وحتى أسعار البنزين في محطات الوقود بـ”الولايات المتحدة”.
وبحسّب الشبكة الأميركية؛ فإنه حتى قبل التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي، كان المقربون من (الكرملين) يسخرون علانية من الإنذارات التي وجهها “ترمب”.
“خمسون يومًا! كانت (24) ساعة، ثم (100) يوم. لقد مرّرنا بكل هذا”، هذا ما قاله وزير الخارجية الروسي المخضرم؛ “سيرغي لافروف”، ساخرًا في وقتٍ سابق من هذا الشهر.
والآن، أثارت المهلة الزمنية الأخيرة الممتدَّة من: (10 إلى 12 يومًا) ردود فعل أقوى.
وكتب “سيرغي ماركوف”؛ المحلل السياسي الروسي البارز، على (تليغرام): إن “الرد الروسي الفعلي على إنذار ترمب سيكون هو نفسه الذي كان عليه خلال الخمسمائة عام الماضية لجميع الإنذارات”.
مواعيد متغيَّرة..
ولاحظ العديد من المحللين أن مواعيد “ترمب” النهائية غالبًا ما تكون قابلة للتغييّر. فهو غالبًا ما يعدّ بشيء ما خلال “أسبوعين” ثم لا يفي به. كما أن مواعيده النهائية للرسوم الجمركية تُؤجل بانتظام عند عدم إبرام اتفاقيات تجارية.
لكن ربما لا تُعدّ هذه المواعيد النهائية أكثر أهميةً في أي مجالٍ من السياسة الخارجية مع الخصوم. وقد أثبت “ترمب” مرارًا وتكرارًا؛ هذا العام، أن حتى هذه المواعيد النهائية ليست صعبةً بشكلٍ خاص.
وهذا هو الحال بشكلٍ خاص عندما يتعلق الأمر بـ”روسيا”، حيث أعطى “ترمب” لنفسه سلسلة من المواعيد النهائية لمدة “أسبوعين”، ثم ترك هذه المواعيد النهائية تمَّر – قبل أن ينتقل إلى (50 يومًا) والآن (10-12 يومًا).
وعندما سُئلت؛ الشهر الماضي، عن المواعيد النهائية التي استغرقت أسبوعين، أكدت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض؛ “كارولين ليفيت”، أن هذه: “صراعات عالمية معقدَّة” يُحاول “ترمب” حلها.
لكن الرئيس أيضًا شخصٌ شدّد؛ على الأقل في الماضي، على حماقة وضع خطوط حمراء مع الخصوم وعدم الالتزام بها. فقد انتقد مرارًا الرئيس الأسبق؛ “باراك أوباما”، لوضعه: “خطًا أحمر” مع “سورية” بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية، ثم عدم اتخاذه أي إجراء عند تطبيقه.
أوكرانيا منذ ولاية “ترمب”..
في البداية؛ ركّزت جهود “ترمب” على إقناع الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ ففي أواخر شباط/فبراير الماضي، استضاف “ترمب”؛ “زيلينسكي”، في مؤتمر صحافيّ حادّ في “المكتب البيضاوي”، انتقد فيه الرئيس الأوكراني بشدة وشكّك في استعداده للسلام. بعد ذلك بوقتٍ قصير، جمّد “ترمب” المساعدات العسكرية الأميركية لـ”أوكرانيا” لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
تبع ذلك محادثات في “السعودية”، حيث قبلت “أوكرانيا” وقف إطلاق نار محدّود لمدة (30 يومًا)؛ في 11 آذار/مارس الماضي، ومع ذلك، في مكالمة هاتفية في 18 آذار/مارس الماضي، وافق الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، على عدم استهداف البُنية التحتية للطاقة في “أوكرانيا”، لكنه رفض اقتراح “ترمب” بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا، بحسّب موقع (ذا ناشيونال إنترست) الأميركي.
تعثر التقدم؛ حيث انتقد “ترمب”؛ في 23 نيسان/نيسان، “زيلينسكي”، بشدة لإطالة أمد: “ساحة القتل” برفضه تسليم “شبه جزيرة القِرم”؛ التي ضمتها “روسيا”. في اليوم التالي، وجه “ترمب” أول توبيخٍ له لـ”بوتين”، في أعقاب هجوم صاروخي روسي كبير على “كييف”.
ومنذ نيسان/إبريل الماضي؛ تصاعد إحباط “ترمب” من “بوتين”. وفي أعقاب تصعيّد (الكرملين) هجماته الصاروخية والطائرات المُسيّرة، منح “ترمب”، “بوتين”، مهلة (50 يومًا)، ابتداءً من 14 تموز/يوليو، لإبرام اتفاق سلام، وإلا واجه رسومًا جمركية أميركية.
الآن؛ مدّد الرئيس؛ “دونالد ترمب”، مجددًا الموعد النهائي الذي حدده؛ لـ”فلاديمير بوتين”، لبدء محادثات السلام بشأن “أوكرانيا”، هذه المرة إلى (10-12 يومًا) فقط. لكن مع غياب أي اختراق دبلوماسي في الأفق، وتكرار الضربات الصاروخية الروسية التي تُقوّض المبادرات الدبلوماسية، ما الذي قد يحدث إذا تجاهل “بوتين” هذا الإنذار الأخير؟.. هل تُحدث الرسوم الجمركية الباهظة أو الضغوط غير المباشرة على الدول الأخرى فرقًا؟.. وكيف سيبدو مسّار الحرب إذا لم يكن أيٌّ من الطرفين راغبًا أو قادرًا على التفاوض؟
فرصة لتحقيق مكاسب استراتيجية..
ويرى “مارك كاتس”؛ الأستاذ الفخري في جامعة (جورج ميسون)، وباحث في (المجلس الأطلسي)، أن الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، يقف أمام فرصة نادرة لتحقيق مكاسب استراتيجية كبرى عبر إنهاء الحرب في “أوكرانيا”. لكن ما يحّول دون ذلك هو مزيج من الغرور الشخصي، وسوء تقدير الواقع الجيوسياسي، على حد مزاعم الكاتب، فبدل استثمار التوقيت، يختار “بوتين” المُضّي قُدمًا في حرب تستنزف بلاده، وتعمّق ارتهانها لـ”الصين”.
ويدعي الكاتب؛ أن موقف “الصين” من الحرب يكشف الكثير من الحسابات الدولية، إذ أعرب وزير خارجيتها؛ “وانغ يي”، للمسؤولة الأوروبية؛ “كايا كالاس”، عن رفض “بكين” لفكرة هزيمة “روسيا”. ذلك أن انتصار الغرب قد يدفع “الولايات المتحدة” إلى التفرغ الكامل لاحتواء “الصين”. وهكذا، تُعدّ “بكين” استمرار الحرب وسيلة فعالة لاستنزاف الغرب وتعزيز تبعية “موسكو” لها اقتصاديًا وسياسيًا. كما يروج الباحث للنظرية الأميركية الغربية المضللة.
يستّحضر الكاتب؛ تضليلًا، قولًا صينيًا شهيرًا استشهد به “بوتين” نفسه في 2019: “حين يشتبك نمران في الوادي، يجلس القرد الحكيم على التل ليرى لمن ستكون الغلبة”. لكن “بوتين”، وفقًا لـ”كاتس”، لا يُطبق هذا المبدأ، بل يزج بنفسه في الوادي بدل المراقبة الحكيمة من بعيد.
لو كان “بوتين” أكثر براغماتية، لأبدى استعدادًا لقبول تسوية سياسية تُتيح له الحفاظ على المكاسب الميدانية الحالية، كما تقترح خطة “دونالد ترمب”. هذه المبادرة المفترضة تقضي بوقف لإطلاق النار، مع احتفاظ “روسيا” بالأراضي التي تُسيّطر عليها، مقابل ضمانات برفض انضمام “أوكرانيا” إلى حلف (ناتو) في المستقبل المنظور. على حد مزاعم الكاتب.