ليس الإنسان كغيره من الكائنات، يُولد مكتمل الهيئة والسلوك، بل يُولد على هيئة النقص لا الكمال، متعطّشًا إلى إنسانيته كما يتعطّش الظمآن إلى الماء الزلال.
فحيوانات الأرض تأتي إلى العالم محمّلة بجبلّتها الكاملة، أما الإنسان فمشروعٌ مفتوح، لا يستوي إلا بالتربية الرشيدة في كنف الأسرة، والسعي الدؤوب لترميم ذاته يوماً بعد يوم، على طريق الاستقامة.
الذي يهب الإنسان مقام الإنسانية ليس قدرته الجسدية ولا ذكاؤه الفطري، بل استعداده لخدمة القيم العليا: من عدلٍ ينصف به، ورحمةٍ يتّسع بها صدره، وإحسانٍ يبذله بغير انتظار، ووقوفٍ مع المظلوم، وتمرّدٍ نبيل على الطغيان والفساد.
تلك القيم ليست زينة أخلاقية، بل عقيدةُ الإنسان في الدفاع عن جوهر الإنسانية، وكلٌّ مكلّفٌ بها في حدود وسعه، ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
ولكن من رحم الوسع تولد العظمة، ومن جهاد النفس على مدارج الصعود تُولد الروح التي تليق باسم الإنسان.