مع تسارع الأحداث و تزاحم الارهاصات الناتجة عن سقوط محافظة نينوى و بعدها تكريت و كركوك و غيرها بشكل دراماتيكي لا يمكن تبريره وفق السياقات العسكرية المنطقية و الذي يعكس تراكمات كثيرة تلتمس المعالجات الاستراتيجية التي تحتاج الى وقفة شجاعة و حكيمة و جريئة تشخص الاخطاء و تضع الحلول و تستوعب كل المكونات في أطار هذا الوطن الذي يتعرض الى مؤامرة كبيرة تحاك خيوطها في غرف مظلمة تجاور حدوده أو يخضع لمصالح الاخرين بغض النظر عن الثمن الباهض الذي يكلف هذا البلد و شعبه ، مما أنعكس في تداعيات تشكل مفترق تاريخي سيلقي بظلاله على مستقبل العراق القريب فكل هذا أستدعى ردود أفعال تتناسب مع الاحداث المتسارعة فكان الاستنفار الشعبي المشوب بأستشعار الخطر القادم و لرفع صورة التخاذل المريبة التي أصابت قوات الجيش العراقي في بعض المناطق فكان هذا التسونامي المساند للقوات الامنية من قبل الجميع أبتداءاً من مراجع الدين و الفرقاء السياسيين والفعاليات الشعبية والجماهيرية والاحزاب والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني و العشائر و غيرها ، فهبت الجماهير للتطوع تحدوها الرغبة في مقارعة الارهاب و صده و طرده من هذه الارض خاصة بعد إضفاء الشرعية على هذا القتال بفتوى المرجع السيد السستاني التي ألقاها الشيخ عبد المهدي الكربلائي من على منبر الجمعة في ضريح الامام الحسين عليه السلام يوم الجمعة 13 حزيران 2014 بالوجوب الكفائي للجهاد في الدفاع عن الوطن و ان من يضحي في سبيل الدفاع عن بلده و أهله و عرضه يكون شهيدا، فأنبرت جميع الفصائل و الاحزاب و التيارات الشيعية الى فتح باب التطوع و الانخراط في فصائلها لتكوَن مجموعة كبيرة من المليشيات تحاول أستيعاب هذه الجموع المتسارعة للتطوع في محاولة منها لإستثمار هذا الظرف لتوسيع قواعدها و خاصة تلك التي تعتمد في وجودها على اللون العسكري أو أنها أعتمدت في أنبثاقها و ولادتها على التحشيد العسكري المليشياوي تحت شعارات مقاومة الاحتلال وغيرها من الشعارات الحماسية الجاذبة لا بل أنسحب الامر الى الجهات التي كان مشروعها فكرياً تغييرياً ثم تحول الى مشروع سياسي يتنافس على السلطة ومن أجلها فقط ويغتنم أي فرصة لتوسيع القاعدة الانتخابية له و طبعاً هذا التحشيد أتاح ركوب الموجة للبعض ولأخرين فرصة ليخرجوا من حالة الجمود أو التجميد ليتحركوا فيما يجيدونه و أخرين وجدوها فرصة لتعويض النقص الذي حصل في أنشقاق الجزء المليشياوي منها و غيرها من الاستثمارات لكثير من الجهات ، و لكن عسكرة المجتمع بهذه الصورة و توزيع الشباب المسلح و تقسيمه على هذه الجهات و بهذه الصورة ينذر بخطر كبير يهدد أمن العراق و خاصة المساحة التي تتحرك بها هذه المجاميع فالنسخة الليبية ليست ببعيدة عنا و الصراع الحاصل اليوم في ليبيا بين مليشيات الاحزاب و المجاميع و القبائل المسلحة و محاولة بعضها فرض نفسها على الاخرين بالقوة مما أنسحب الى القتال الداخلي و الصراع على الارض و الثروة النفطية حتى باتت الدولة و الحكومة لا تغادر سلطتها جدران القصر الجمهوري و طبعاً الامر لا يخلوا من امتداد الأيادي الخارجية في دعم هذه الجهة أو تلك في محاولة بسط النفوذ و السيطرة عبر البحار و هذا ما نتخوف من وقوعه في العراق إن أستمر الوضع على ما هو عليه من التحشيد الجماهيري خارج أطار الدولة ، وقد لفت الانتباه لهذا الخطر ودق جرس الانذار المرجع الشيخ محمد اليعقوبي في بيانه الذي صدر مباشرةً بعد أحداث الموصل و الذي ركز الضوء على هذه النقطة و لم يذكرها أي بيان أخر على كثرة البيانات التي صدرت من المراجع و الجهات الدينية و السياسية التي اكتفت بمساندة القوات الامنية و التحذير من خطر الارهابيين والدعوة الى التطوع في مواجهة الارهاب أما بيان المرجع اليعقوبي الذي عنونه ( ربَّ ضارة نافعة ) و نشره يوم الاربعاء 11/6/2014 حيث قال في فقرة له ( و إننا نثق بقدرة قواتنا المسلحة على فرض الأمن في ربوع الوطن و لكننا نرى إنّ التحديات الراهنة تستدعي تشكيل جيش رديف للقوات المسلحة و ساند لها في عملياتها ، يكون له قادة مهنيون و أكفاء و يزود بتجهيزات متطورة و يحظى بتدريب عالِ و يستوعب الشباب العقائديين المتحمسين للدفاع عن أهلهم ووطنهم ومقدساتهم ويوفر لهم البديل عن الانخراط في المليشيات و المجاميع المسلحة التي تريد الدفاع عن مقدساتها و لكن وجودها خارج أطار الدولة و مجهولية قادتها وتنظيماتها يجعل أحتمال الخطر كبيراً . وشدد المرجع اليعقوبي على أن هذا الجيش يكلف بحماية المراكز الحيوية و يشارك مع القوات المسلحة في العمليات الساخنة و ينحل حال تحقيق الأغراض المرجوّة من تشكيله .)
ففي هذه الفقرة ركز المرجع اليعقوبي على نقاط مهمة تصب في مصب واحد هو وجوب الحيلولة دون تحويل المجتمع الى كانتونات مليشياوية ربما ترحل به الى التقاتل والصراع فيما بينها وحرق مقراتها في أي تنافس وتزاحم أو أختلاف خاصة مع وجود تجارب سابقة في هذا السياق كما حصل في مدينة الصدر و الكاظمية و أحداث أخرى حصلت في مدن الجنوب والوسط فوجود السلاح بأيد خارج أطار الدولة تهدد النظام المجتمعي بعدم الاستقرار و ربما بعد أنتهاء الاوضاع الحالية تطالب هذه المليشيات بأستحقاقات خارج الاطر الديمقراطية و تأخذها بفعل قوة السلاح و الجبروت و هكذا نعود الى مربع أعوام 2006 وما بعدها ، و هذا ما أستدعى المالكي الى طرح نفس الفكرة و أستعارة نفس الاسم في بيانه الذي دعى فيه الشعب للتطوع لمساندة القوات الامنية أي ( الجيش الرديف) حتى و إن لم يذكر المصدر ، و يبدو أن هذه المخاوف لم يلتفت أليها بيان المرجع السيد السستاني الذي ألقاه الكربلائي يوم الجمعة 13/6/2014 فأداركه ببيان صدر من مكتبه يوم السبت 14/6 صحح ووضح فيه إن جماهير المتطوعين يجب ان تكون في أطار الدولة و ليس خارجها وان المؤسسات الحكومية المعنية بالأمن هي من تحدد عدد ما تحتاجه للدفاع عن أمن البلد ،
في الوقت الذي يجب أن نقف مع القوات المسلحة في حربها ضد الارهاب و مساندتها بكل ما أوتينا من قوة علينا السير بخطوات مدروسة و نكف عن التخبط و معالجة الاخطاء بأخطاءٍ أخرى أشد مضاضة من سابقتها قد ندفع ثمنها باهضاً .