خاص: بقلم- د. صلاح السروي:
الحالة السورية القائمة الآن لم تُنتّج عن أسباب داخلية سورية فقط (على توفرها بقوة وتمتعها بأهمية كبيرة). بل نتجت بالدرجة الرئيسية عن أوضاع وصراعات وأطماع قوى دولية وإقليمية.
دوليًا:
– أوروبا وأميركا في حاجة إلى تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، في إطار ما يُعرف بـ”الحرب الباردة الجديدة” القائمة الآن. ولذا لا بُد من ضرب الوجود الروسي في سوريا عن طريق دعم الحركات الإرهابية المناوئة لنظام بشار الذي يُتيح لروسيا هذه الوضعية، وتمكيّن هذه القوى من السلطة في النهاية.
– رغبة أوروبا في تقليص اعتمادها على الغاز الروسي (بعد العقوبات الاقتصادية على روسيا بعد تدخلها العسكري في أوكرانيا) عن طريق الاستعاضة عنه بغاز أذربيجان، (وهي لمن لا يعرف على علاقة قوية بكل من تركيا وإسرائيل معًا) وذلك بمد أنبوب عبر ما يسَّمى ممر زنجزور إلى سوريا، ومن ثم تركيا. وهذا التوجه يتلاقى مع الحاجة إلى تقليص النفوذ الروسي بالمنطقة بشكلٍ عام.
– توجه الغرب وعلى رأسه أميركا في ضرب النفوذ الإيراني في سوريا، نظرًا لتهديد ذلك النفوذ لأمن إسرائيل، من ناحية، ورغبة في إضعاف إيران بشكلٍ عام، نظرًا إلى أنه عضو مهم في الحلف المناويء للغرب الذي يتكون من روسيا والصين وكوريا الشمالية، من ناحية أخرى. ولم يكن لذلك الإضعاف أن يتم سوى بتفجير الأوضاع داخل سوريا.
ومن هنا كان من الضروري القضاء على النظام السياسي الذي يُتيح لكل من روسيا وإيران هذه الوضعية المتميَّزة، بل القضاء على وحدة سوريا ذاتها، نظرًا لأن قوة الدولة السورية وتماسَّكها يُجهض كل تلك الأهداف الغربية.
إقليميًا:
هنا يُصبح الوضع أكثر تعقيدًا. حيث تتلاقى المشروعات الخاصة بكلٍ من إسرائيل وتركيا والخليج. وسوف أتناولها واحدًا وراء الآخر:
– إسرائيل: ترى أن النظام السوري البعثي يُمثل تهديدًا قويًا لحلم إسرائيل في التمدَّد والتوسع، ليس فقط لكونه نظامًا ممانعًا وضد التطبيع والسلام مع إسرائيل، ولكنه أيضًا لأنه يُمثل القوة الداعم وربما الراعية لكثيرٍ من القوى المقاومة للوجود الصهيوني بحد ذاته. وعلى رأس هذه القوى قوى المقاومة الفلسطينية، التي وجدت في سوريا حاضنة وقوة دعم رئيسية بتوفير الملاذات والقواعد والمعسكرات والدعم بالمال والسلاح. فضلًا عن أنها تُمثل الممر الرئيسي للدعم الإيراني المقدم لحزب الله في الجنوب اللبناني والموجه ضد إسرائيل.
– تركيا: وهي ترى أن وجود دولة سورية قوية ومتماسكة يعوق أحلام إعادة النفوذ العثماني الذي انتهى مع الحرب العالمية الأولى، بينما ترى تركيا المعاصرة أنها قد ظُلمت (بضم الظاء) في اتفاقية لوزان وبالتالي فإنها بصدّد ما يعرف بالعثمانية الجديدة التي تتمكن من خلالها من استعادة نفوذها القديم في الشرق الأوسط، خاصة بعد الرفض المهين لطلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فضلًا عن ما تم ذكره من أن الإجهاز على النظام السوري السابق سوف يُتيّح تحويل تركيا إلى مركز للطاقة المتجهة إلى أوروبا سواء عن طريق أذربيجان (عبر ممر زنجزور إلى سوريا ومنها إلى تركيا) أو القادم من قطر عبر سوريا إلى تركيا (وسوف يأتي ذكره حالًا).
– الخليج: وهو يُعدّ من أكثر القوى التي لها مصلحة كبرى في الإجهاز على نظام بشار، وذلك للأسباب التالية:
أولًا: محاصرة التمدَّد الإيراني الذي يُهدد مشاريع الزعامة على كلٍ من العالمين: الإسلامي والعربي، الذي تطمح إليه السعودية وبخاصة في عهد الأمير محمد بن سلمان، وبعد التراجع النسبي للدور المصري. فضلًا عن الخطر الذي تُمثله القوة العسكرية الإيرانية بحد ذاتها على استقرار الأوضاع في المملكة السعودية وباقي دول الخليج. وبالأخص، مع وجود أقلية شيعية في كلٍ من: الشرق السعودي (المليء بالنفط) والكويت، وأغلبية شيعية ثائرة وغير راضية في البحرين، قد ترى في إيران مرجعية دينية قوة عسكرية حامية لها.
ثانيًا: رغبة قطر في مد الأنبوب المشَّار إليه آنفًا عبر سوريا إلى تركيا، بينما كان النظام السوري السابق يقف حجر عثرة في سبيل ذلك لصالح احتكار الروس للغاز المتجه نحو أوروبا.
ثالثًا: الإمارات التي كان موقفها يتراوح عادة بين خدمة ما يسَّمى بالاتفاق الإبراهيمي عن طريق القضاء على كل النظم المعادية لإسرائيل ومنها النظام السوري، وتحقيق طموحها في تمدَّد نفوذها الإقليمي بصفة عامة عبر القضاء على النفوذ الإيراني الآخذ في التمدَّد من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن، وبين خوفها من استيلاء الإخوان والقوى الدينية المتشدَّدة على الحكم في سوريا. ولكن تم حسم ذلك لصالح موقفها مع الإجهاز على النظام.
من هنا فقد اجتمعت كل الإرادات الدولية النافذة والإقليمية الطامحة للقضاء على نظام بشار الأسد. ولكن السؤال الذي يبَّرز الآن يتمثل في ما يلي: هل ستبقى هذه القوى على تناغمها الذي أبدوه في هذا الإنجاز أم أن التناقضات والصراعات تدَّب بين مشاريعها التي يطمحون إلى تحقيقها؟ هذا ما سيكون موضوع المقال التالي.