نهاية حقبة من الفن الخّلاق .. وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني عن عمر ناهز الـ 69

نهاية حقبة من الفن الخّلاق .. وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني عن عمر ناهز الـ 69

وكالات- كتابات:

توفيَ، اليوم السبت، الفنان اللبناني الكبير “زياد الرحباني”؛ عن عمر ناهز الـ (69) عامًا.

وُلد “زياد الرحباني”؛ في 01 كانون ثان/يناير 1956، في منطقة “أنطلياس”، لعملاقين في عالم الفن؛ والده “عاصي الرحباني”؛ وأمه أيقونة الغناء العربي “فيروز”.

ويُعد “الرحباني”، أحد أبرز رموز الفن اللبناني، حيث جمع في شخصه عبقرية موسيقية وفكرًا مسرحيًا وسياسيًا متقدمًا، لا يخشى نقد نفسه أو محيطه. وكان يتناول مواضيع الهوية والسياسة والمقاومة بأسلوب فني.

أول أعماله الأدبية كانت في عمر الـ (12 سنة)، كما سجّل حضورًا قويًا في المسرح منذ أواخر السبعينيات، حيث أبدع أعمالًا مثل “سهرية” (1973)، “نزل السرور” (1974)، “بالنسبة لبكرا شو؟” (1978)، “فيلم أميركي طويل” (1980)، و”شي فاشل” (1983)، وصولًا إلى: “بخصوص الكرامة والشعب العنيد” (1993).

كما كان “زياد” ناشطًا صحافيًا إذاعيًا، كتب في صحف مثل (النداء) و(النهار) و(الأخبار)، وقدم برامج ساخرة يمتد نقدها للسياسة والمجتمع والفساد.

وعلى الصعيد السياسي؛ عُرف بمواقفه اليسارية وانتمائه إلى الحزب (الشيوعي اللبناني)، إضافة إلى دعمه للمقاومة وقضايا الشعب الفلسطيني وسكان جنوب “لبنان”.

“كان مرآة صادقة للمعذبين والمهمّشين”..

نعى رئيس الجمهورية “جوزاف عون”؛ “الرحباني”، مشيرًا إلى أنّه: “لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، وأكثر، كان ضميرًا حيًّا، وصوتًا متمرّدًا على الظلم، ومرآةً صادقة للمعذبين والمهمّشين، حيث كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة”.

الرئيس “عون” أعرب عن ألمه لغياب الفنان الكبير؛ “زياد الرحباني”، بعد مسيّرة فنية استثنائية تركت بصمتها العميقة في وجداننا الثقافي.

وقال الرئيس “عون”:

“زياد الرحباني” لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة. وأكثر، كان ضميرًا حيًّا، وصوتًا متمرّدًا على الظلم، ومرآةً صادقة…

من جهته، صرّح رئيس الحكومة؛ “نواف سلام”، أنّه: “بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فنانًا مبدعًا استثنائيًا وصوتًا حرًّا ظلّ وفيًّا لقيم العدالة والكرامة، وجسّد التزامًا عميقًا بقضايا الإنسان والوطن”.

نشأته..

ولد “زياد”؛ في 01 كانون ثان/يناير 1956. أمه هي “نهاد حداد” المغنية ذات الشهرة العالمية والمعروفة: بـ”فيروز”. ووالده هو “عاصي الرحباني” أحد “الأخوين رحباني”؛ الرواد في الموسيقى والمسرح اللبناني.

كلا الأبوين كانا مشهورين وموهوبين، ولم يظنا أبدًا أن مولودهما هذا، سيتحول إلى شخصية مثيرة للجدل في عصره من خلال موسيقاه وشعره ومسرحياته.

في ما بعد عامه السادس، اعتاد “الرحباني” الصغير أن يقطع فروضه المدرسية بسؤال والده عن مقطوعاته.

فقد كان “عاصي” يسأل “زياد” دائمًا عن كل لحن جديد يقوم به، إن كان جميلًا أم لا. كان “زياد” يتوقف في عمر الست سنوات عن كتابة فروض المدرسة ليحكم على لحن كتبه “عاصي” والده، إن كان جميلًا أم لا، وليرى ما كان ينقصه. وبعد كان “زياد” يدندن لحنًا انتهى إلى أذن “عاصي”، الذي سأل ابنه: “أين سمعت هذا اللحن من قبل؟!!”، فكانت إجابة الصغير: “لم أسمعه مطلقًا، بل هو يتردد في ذهني منذ حين، حينها فقط أدرك “عاصي” الموهبة الموسيقية لابنه.

أعماله الأولى..

أولى أعمال “زياد” لم يكن عملًا موسيقيًا، بل كانت أعمالًا شعرية بعنوان (صديقي الله)؛ والذي كتبه بين عامي 1967 و1968.

هذه الأعمال التي كانت تنبأ بولادة “شاعر مهم”، لولا أنه اختار الموسيقى فيما بعد.

عام 1971 كان أول لحن له لأغنية: (ضلك حبيني يا لوزية).

وفي عمر السابعة عشرة، أي في عام 1973 تحديدًا قام “زياد” بتقديم أول لحن لوالدته “فيروز”؛ وكان والده “عاصي” حينها في المشفى، وقد كان مقررًا لـ”فيروز” أن تلعب الدور الرئيس في مسرحية (المحطة) للأخوين رحباني، ولهذا كتب “منصور”؛ (أحد الأخوين رحباني)، كلمات أغنية تعبر فيها “فيروز” عن غياب “عاصي” لتغنيها في المسرحية، وألقى بمهمة تلحينها إلى “زياد”.

كانت تلك أغنية (سألوني الناس) والتي تقول:

سألوني الناس عنك يا حبيبي… كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا

بيعز عليي غني يا حبيبي… ولأول مرة ما منكون سوا

سألوني الناس عنك سألوني… قلتلن راجع أوعى تلوموني

غمضت عيوني خوفي للناس… يشوفوك مخبى بعيوني

وهب الهوى وبكاني الهوى… لأول مرة ما منكون سوا

طل من الليل قلي ضويني… لاقاني الليل وطفى قناديلي

ولا تسأليني كيف استهديت… كان قلبي لعندك دليلي

واللي اكتوى بالشوق اكتوى… لأول مرة ما منكون سوا

ولاقت تلك الأغنية نجاحاً كبيراً، ودهش الجمهور للرصانة الموسيقية لابن السابعة عشرة ذاك، وقدرته على إخراج لحن يضاهي ألحان والده، ولو أنه قريب من المدرسة الرحبانية في التأليف الموسيقي.

وكان أول ظهور لزياد على المسرح في المسرحية ذاتها أي المحطة، حيث لعب فيها دور الشرطي.

كما ظهر بعدها في “ميس الريم” بدور الشرطي أيضاً والذي يسأل فيروز عن اسمها الأول والأخير، وعن ضيعتها في حوار ملحن. وفي ذات المسرحية قام زياد بكتابة موسيقى المقدمة، والتي أذهلت الجمهور بالرتم الموسيقي الجديد الذي يدخله هذا الشاب على مسرحيات والده وعمه.

ومن جديد طلبت إحدى الفرق المسرحية اللبنانية التي كانت تقوم بإعادة تمثيل مسرحيات الأخوين رحباني، والتي كانت تضم مادونا المغنية الاستعراضية التي كانت تمثل دور السيدة فيروز في تلك المسرحيات، طلبت من زياد أن تقوم ولو لمرة واحدة على الأقل بتمثيل مسرحية أصلية بنص جديد وأغان جديدة وبقصة جديدة، وكان جواب زياد إيجابياً، واستلم تلك المهمة، وقام بكتابة أولى مسرحياته “سهرية”، وقد نسخت تلك المسرحية شكل مسرحيات الأخوين رحباني وتعاملت تماماً مع مقولاتها فكانت كما يصف زياد «حفلة أغاني» لا أهمية للقصة فيها بقدر ما هو مهم استمرار الأحداث كوسيلة لتمرير المقطوعات والأغاني.

بعدها توالت المسرحيات، ولكن بأسلوب مختلف جداً عن الأسلوب السابق (الرحباني) حيث اتخذت مسرحيات زياد الشكل السياسي الواقعي جداً، الذي يمس حياة الشعب اليومية، بعد أن كانت مسرحيات الأخوين رحباني تغوص في المثالية وتبتعد قدر الإمكان عن الواقع، ويعيش فيها المشاهد خيالاً آخر وعالماً آخر.

هذا ما لم يقبله زياد لجمهوره، وخاصة أن الحرب الأهلية كانت قد بدأت.

في بحثه المعنون”حصاد الشوك: المسرح السياسي الكوميدي في سورية ولبنان” كتب أكثم اليوسف “في ظل هذه الظروف، فرض زياد نفسه على الساحة الفنية ككاتب مسرحي، ومخرج، وملحن، وعازف بيانو، وممثل.

وفي وقت قصير، سيصبح مسرحه الأصيل محط اهتمام الشباب الذين وجدوا فيه صوت جيل ضائع عالق في مرمى الحرب والعنف.”

حياته العاطفية والاجتماعية..

تزوج زياد رحباني من السيدة دلال كرم، ولكن هذا الزواج كان مقدراً له الفشل، الأمر الذي اعترف زياد بأن له اليد الكبرى فيه، واكتشف الزوجان أن علاقتهما الزوجية ليست ناجحة، فقامت السيدة دلال كرم بالكتابة عن حياتها مع زياد في إحدى مجلات الفضائح المعروفة، مجلة الشبكة، كما قام الرحباني بتأليف عدة أغاني تصف هذه العلاقة، مثل “مربى الدلال”، “بصراحة”.

وقد أدى انفصالهما، مع الأخذ بعين الاعتبار أن زياد كان يقطن في غرب بيروت (الغربية) ودلال كرم تقطن في شرق بيروت (الشرقية) وذلك أثناء الحرب، أدى إلى حرمان زياد من رؤية ابنه حتى بلغ التاسعة من عمره.

بعد انفصاله عاش زياد مع الممثلة اللبنانية المشهورة كارمن لبس علاقة دامت 15 عاماً، انتهت تلك العلاقة عندما اكتشفت كارمن أن زياد غير قادر على تحقيق الاستقرار التي كانت ترغب بالحصول عليه.

في واحدة من مقابلاتها النادرة والتي قبلت فيها التحدث علناً عن علاقتها بزياد صرحت كارمن بأن: “زياد هو شخص جدلي، يعامل المديح والنقد على حد سواء، ببساطة، كان زياد الشخص الوحيد الذي أحببت”.

وأضافت: “طوال الأعوام الخمسة عشر، لم أتعلق بزياد رحباني الشخص الذي تكلله الأضواء، والتي يراه الناس من خلالها، بالنسبة لي هو الرجل الذي أحببته وعشت معه، هو الشخص الذي شربت معه القهوة كل صباح”.

زياد من جانبه صرح بأن: “كارمن كان لديها كل الحق لهجري، طوال الفترة التي عشتها مع كارمن، كنت أعدها بأن هذا الوضع، المكان الذي يعيشان فيه، الحي، الشقة، الغموض والتشويش في حياتهما، كلها أشياء مؤقتة، وأني سأحاول إصلاح الوضع بأكمله”.

ولكن زياد كان يعلم أنه غير قادر على ذلك.. ولهذا آمن زياد بأنه ليست فقط كارمن ستهجره، بل أي امرأة أخرى.

ومنذ تلك اللحظة، بإمكاننا بسهولة أن نلاحظ أن أغلب أعمال زياد الغنائية كانت تتعلق بأسلوب حياته مع كارمن، وقد صرح زياد بأن إحدى أغانيه الخاصة تتكلم بشدة عن امرأة عاشت معه لفترة طويلة، وأحبها وعاش معها.. تلك الأغنية هي.. “ولعت كتير” من ألبوم “مونودوز” والتي غنتها سلمى مصفي….

كما ترددت مؤخراً أخبار عن نسب ابنه عاصي له تفيد بنفي زياد لأبوته لعاصي الابن، فقد تقدم زياد الرحباني بدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى في المتن شمال لبنان، والمسجلة برقم 910/2008 وموعد نظرها في 23/4/2009 وموضوعها “إنكاره أبوته لعاصي زياد الرحباني وطلب شطبه عن خانته ومنعه من استعمال شهرة الرحباني وتدوين خلاصة الحكم في سجل النفوس”.

الخبر الذي تناقلته الصحف اللبنانية كان أشبه بإشاعة والبعض ذهب إلى الاعتقاد انها كذبة أول نيسان، غير أن سجلات المحكمة أثبتت صحة القضية، وأن زياد أجرى فحصاً للحمض النووي عام 2004، بهدف التثبت من أبوته لعاصي إلا أن النتيجة العلمية جاءت سلبية.

زياد أوضح في حديث لجريدة الأخبار أن الوضع أصبح محرجاً، ما اضطره إلى التسريع ببتّ الأمر بشكله القانوني الصرف، أي الدعوى وأوضح انه لم يكن بنيته أن يتكلم في هذا الموضوع، خصوصاً أنه يتعلق بعاصي، وقال “لم أتكلم سابقاً احتراماً لحياة هذا الإنسان، كما كان من الممكن أن تسوّى هذه القضية من دون إعلام، لكن والدة عاصي لم تقم بأي خطوة قانونية متكتمة”.

وأكد زياد أن هناك جهتين متضررتين، ويهمه أمرهما: هما عائلته التي لها عليه حق إنساني وغريزي، وعاصي الذي لا ذنب له بهذا الواقع، وأكد زياد أن عاصي مثله، عالق في وسط هذه القضية، حيث “إنني أنا أيضاً لا ذنب لي”.

الصحفي والسياسي..

لم تقتصر أعمال زياد الرحباني على الكتابة المسرحية وكتابة الشعر والموسيقى فكان الوجه الثاني لزياد هو “السياسي”، وقد تميز بجرأة منقطعة النظير، وفي مهرجان الذكرى الثانية والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني ألقى كلمة إلى جانب كلمة الأمين العام وتتطرق فيها لإعادة هيكلة الحزب الشيوعي اللبناني قائلاً أنه لم يخرج من الحزب إلا من كان يجب أن يخرج، وعبر عن انتمائه العميق قائلاً الشيوعي لا يخرج من الحزب إلا إلى السجن أو البيت. أما زياد الرحباني الصحفي الذي كتب في أكثر من جريدة لبنانية منها جريدة النداء والنهار أثناء الوجود السوري في لبنان، فقد تميزت كتاباته بالجرأة والقدرة الهائلة على التوصيف.

وقد كتب لفترة في جريدة الأخبار اللبنانية دعماً لانطلاق الجريدة الجديدة في زحمة الإعلام والصحافة اللبنانية. يكتب عمود مانيفستو في جريدة الأخبار.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة