كتابٌ لا يستحقُ القراءةَ

كتابٌ لا يستحقُ القراءةَ

قدْ يكونُ العنوانُ غريبا نوعا ما، لأنهُ لا يوجدُ كتابٌ لا يستحقُ القراءة، فالقراء، مختلفي الأذواقِ والاهتمامِ وكلٍ يبحثُ عنْ ضالتهِ في كتابِ ما منْ أجلِ التمتعِ بالقراءة. ما قدْ يجدهُ شخصا ما في كتابٍ ممتع، قدْ يجدهُ شخصا آخر مملا وثقيلا. ومعَ ذلك، هناكَ بعضُ الكتبِ التي قدْ يرى الكثيرُ أنها لا تستحقُ القراءةُ بسببِ افتقارها إلى الجودةِ أوْ المعلومةِ أوْ الأهمية.
لقد غزت في الآونةِ الأخيرة بعض مكتباتنا أو أسواقنا الثقافية، مؤلفاتُ متعددةٍ المواضيعِ لأشخاصٍ يدعونَ التأليفُ والكتابة، وبمغلفاتِ جذابة ومرونقه ، تحملُ الأسماءِ الرنانةِ والتمجيدية للمؤلف، الذي لا يكتفيَ بذكر اسمه فقط، بلْ يعددُ مجموعةَ الألقابِ والصفات على غلاف كتابه؛ مثلا: (الأستاذُ الدكتورُ المحامي الحقوقيُ المهندسُ الشيخ، ثمَ الاسمِ الرباعيِ واللقبِ ) ، ومراتٌ يضافُ إليهِ (حفظهُ ورعاهُ ) ، شبيهةً بيافطات بعض الأطباء في ساحة النصر في بغدادَ ، فتجدُ عشرات التخصصات الطبية في يافطات الطبيب منْ: الأذنِ والحنجرةِ إلى القلبِ والعيونِ والتجميل الى البواسير، وللهِ في خلقهِ شؤون.
عندما تقلبَ أو تتصفح بعضِ الكتبِ الجديدةِ ذاتِ العناوينِ الرنانة، تجدَ المهازلُ اللغويةُ والفكريةُ والجملُ المفككة، والوضاعةُ في الكتابة التي لا تستحقّ القراءة، لما تتضمنهُ منْ خزعبلاتٍ تاريخيةٍ أوْ دينيةٍ أوْ اجتماعية، تسيءَ للمجتمعِ أكثرَ منْ أنَ تقدمَ ثقافةٍ جديدةٍ في موضوعٍ يفيدُ المتخصصُ أوْ المجتمعِ في الفكرِ والثقافةِ الرصينة، فقد يستقي مؤلف الكتابِ مضامين مؤلفه منْ بعض الكتبِ الصفراءِ التي عفا عنها الزمنُ الراكنةُ في الرفوفِ المنسيةِ لباعةِ الطرقِ أوْ ربما في أسواقِ محلات القصابة أو البقالة ممن يستعملوها في تغليف البضاعة بعد بيعها للزبون. التي عادة ما تخلقَ حالاتٌ الإشمئزاز أو التنمرْ وغيرها لقارئها.
تذكرني ؛ هذهِ الكتبِ والمؤلفات ، لأحدِ الأشخاص، كانَ يرسلُ مقالاتٍ بادعائهِ للثقافة، إلى إحدى الجهاتِ الحكومية، ظاهرها النقد، وباطنها التشويهُ والإساءة، عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، وباسمً مستعارٍ، فيها الكثيرُ منْ مفرداتِ الشارعِ الشعبيِ ذاتَ المضمونِ السيئ، منْ مغالطات ومعلوات كاذبةٍ ومفركهُ ، يخجل المرءُ منْ قراءتها، وعندَ التحري عنْ الكاتب، تبينَ أنهُ صاحبُ مطعمٍ (سمكٌ مسقوف) يحملُ شهادةَ الابتدائية، هنالكَ عددٌ منْ اشباه المثقفينَ والمفلسينَ حاليا، المتواجدينَ في المقهى المقابلِ لمطعمه، يكلفهمْ بكتابةِ المواضيعِ المسيئة، مقابلَ سمكةٍ مسكوفةٍ تقدم للكاتبِ ظهيرةَ يومِ الجمعة، ليظهر اسمه كاتب مثقف…. ! فماذا تترجى وتتوقعُ منْ هكذا مؤلفات.
هنا نتوقفُ قليلا؛ ونتساءلُ ما هوَ المطلوب؟ الجوابُ يكون: ضرورةُ وجودِ رقابةِ وموافقاتِ مسبقةٍ لكلٍ مؤلفٍ يطبعُ أوْ يستوردُ منْ الخارج، يدققَ منْ ذوي الشأنِ والتخصصِ واللغة، تتعاقدَ معهمْ جهةً محددة، ولتكنْ إحدى دوائرِ وزارةِ الثقافة، ثمَ تجيزُ الكتاب لنشرهُ أوْ استيراده.

ربما يتوجه البعض الى المحكمة الاتحادية العليا للطعن بالتعليمات، إن اصدرت هكذا فرمان لتعارضه معَ مبدأ الديمقراطيةِ الجديدةِ في حريةِ الرأيِ والنشر، ونقولُ ببساطة، أنَ الرقابةَ الثقافيةَ على المطبوعِ المنشورِ خيرا منْ السمومِ التي تنشرُ على قرائنا: شبابنا ونسائنا، كبارنا وصغارنا، لتشوهِ أفكار القارئِ أوْ المتلقي بخزعبلاتِ الآراءِ والكتبِ الصفراءِ التي تهدمُ المجتمع .
ونختمُ مقالنا بقولِ الكاتبِ الروسيِ تولستوي: الكتابُ الذي لا يستحقُ أنْ تقرأهُ مرتان، لا يستحقُ أنْ تقرأهُ مرةٌ واحدة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات