في الخريطة السورية، لا تزال بعض الأصوات تُخنق قبل أن تصبح خبرًا، ولا تزال المجازر تُرتكب على بُعد دقائق من شاشات العالم… دون أن يهتزّ شيء.
ليس جديدًا أن يُباد الإنسان، لكن الجديد أن تكون هذه الجرائم مُمَوَّلة، محسوبة بدقة، ومدعومة بخيوطٍ تمتد من أصابع الخليج، إلى أجهزة الاستخبارات الغربية، إلى النظرات الباردة التي تطلّ من خلف نظارات سماسرة السياسة في تل أبيب وواشنطن.
سوريا اليوم ليست ساحة حرب، بل مختبرٌ لتجريب الموت البطيء، تُحقن فيه الأقليات – من دروز، وعلويين، وإسماعيليين، ومسيحيين، ويزيديين، وكرد، وشبّان بلا مذهب – بكل أشكال التهجير والتجويع والعقاب الجماعي، تحت شعارات طائفية مصنوعة في غرف الأخبار، ومخترَعة لتبرير كل شيء.
القَتَلة لا يرتدون دومًا الزي العسكري. بعضهم يجلس في الفنادق الفارهة، يكتب بيانًا عن “دعم الديمقراطية”، ثم يُرسل قافلة سلاحٍ إلى ميليشيا تنهش ما تبقّى من الجسد السوري.
بعضهم يعتمر عمامة، أو يوقّع بيانًا خليجيًا عن “أمن المنطقة”، لكنه لا يذكر شيئًا عن القرى التي حوصرت حتى أكل أطفالها العشب اليابس.
المأساة اليوم لا تأتي من فوهة بندقية فقط، بل من صمت الأزهر، ومكر الإعلام، ومن صفقات الغاز والنفط، ومن فتوى تُصرف في البورصة السياسية.
يُستهدف أبناء الأقليات في سوريا لأنهم ليسوا بيادق سهلة في لعبة الاصطفاف، ولأنهم لا يرفعون رايات تُرضي الإعلام الخليجي، ولا يعبدون الطواغيت التي تصنعها المخابرات باسم “الثورة” أو “الخلافة”.
الأسوأ ليس القتل نفسه، بل الكاميرا التي تتجاهله، والمحرر الذي يشطبه، والسياسي الذي يبتسم وهو يعلم أن الدم السوري رخيص… إن لم يكن مفيدًا.
فيا للعالم، كم من الضمائر سقطت تحت ركام حلبجة، غزة، وحلب، ودوما، واليوم في السويداء وفي جبال الساحل، وفي كل قريةٍ لا تستطيع رفع صوتها لأنها تخشى من يدّعي أنه جاء ليساعدها.