خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
قبيل أيام؛ اختطفت المليشيا المحسّوبة على “مجلس السويداء العسكري”؛ بقيادة الشيخ “حكمت الهجري”، الزعيم المعنوي للطائفة الدُرزية، بعض العشائر العربية في منطقة “مقوس السويداء”، في المقابل خطفت العشائر عدد: (14) شاب دُرزي واندلعت مواجهات دامية بين المسلحين من الطرفين، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات. بحسّب ما استهل “صابر گل عنبري”، خبير الشأن الدولي، تحليله المنشور بصحيفة (آرمان ملي) الإيرانية.
وقبل ذلك؛ وقعت أحداث مشَّابهة في هذه المنطقة. ونتيجة للخطف والأسر المتبادل، كشفت وزارتا “الدفاع” و”الداخلية” السورية عن إرسال وحدات عسكرية لإنهاء المواجهات بين الطرفين، لكن تعرضت هذه القوات إلى كمين قاتل في منطقة “الزرعة”، راح ضحيته: (18) شخص، ونشر “المجلس العسكري”؛ بقيادة “الهجري”، صور للتمثيّل بأجساد العسكرين القتلى.
إسرائيل تدخل على خط “السويداء”..
في أعقاب ذلك؛ أرسلت “دمشق” إلى المنطقة معدَّات عسكرية أكبر شملت دبابات وقاذفات صواريخ؛ وكانت التطورات تتجه نحو توسيّع سيّطرة الحكومة المركزية في “دمشق” على هذه المنطقة بسبب عدم وجود توازن في القوى بين الجانبين.
في هذه الأثناء؛ قررت “إسرائيل” الدخول على الخط لصالح الدروز والحيلولة دون انهيار المعادلات الأمنية التي تبلورت في “السويداء” بعد سقوط النظام السابق، وقصفت القوات الحكومية، وقصر رئاسة الجمهورية، ومقر “وزارة الدفاع” السورية وغيرها.
بعد ذلك تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، وانسحبت القوات العسكرية من “السويداء”، لكن “الهجري” لم يقبل ذلك.
إسرائيل تضع حدود أمنية جديدة..
لكن السؤال: لماذا تدخلت “إسرائيل”؟.. في الواقع وضعت “تل أبيب” سياسة السيّطرة الأمنية على جنوب “سورية”؛ بعد سقوط “الأسد”، على جدول أعمالها، ضمن إطار استراتيجيتها الإقليمية العامة لبلورة ترتيبات أمنية جديدة في نطاق عدة كيلومترات من المحيط الإسرائيلي بجنوب “سورية”، وجنوب “الليطاني” بلبنان، و”قطاع غزة” حتى صحراء “سيناء” في مصر؛ (طرف اتفاقية كامب ديفيد).
وتهدف استراتيجية إقامة هكذا منطقة حول “إسرائيل”، إلى إنهاء الوجود العسكري لـ (حماس) في الجنوب، و(حزب الله) في الشمال، باعتبارهما ضلعي (محور المقاومة)، وذلك للحيلولة دون تشَّكل وضع مشَّابه في جنوب “سورية” واستمرار الوضع في “سيناء” على ما هو عليه.
لكن الجنوب السوري؛ وبخاصة محافظة “السويداء”، تحظى باهتمام إسرائيلي من عدة أوجه، الأول: موقعها الاستراتيجي بالنظر إلى حلولها ضمن المثُلث الحدودي: “السوري-الإسرائيلي-اللبناني”، والدور الذي يُمكن أن تلعبه هذه المنطقة مستقبلًا في إعادة تسليح (حزب الله) من جديد.
الثاني: تنظر “إسرائيل” إلى هذه المنطقة باعتبارها بوابة ضمان نفوذها وتأثيرها على “دمشق”. لذلك، لا تسعى فقط إلى اجتثاث أي وجود للقوى المعارضة لها في جنوب “سورية” و”السويداء”، بل تُريد أيضًا عبر وجودها العسكري المباشر وإنشاء وتنظيم تشّكيلات عسكرية متحالفة مع الدروز، فرض سيّطرتها الأمنية على هذه المنطقة إلى الأبد، وأن تتحكم في “دمشق”، وتغييّر الوجه الأمني والجيوسياسي لبلاد “الشام والشرق الأوسط” وفقًا لرؤيتها.
رد الجميل للدروز..
من ثم شنّت “إسرائيل” هجماتها على “سورية” في خضّم المفاوضات بين الحكومة السورية والمسؤولين الإسرائيليين، لكن دعم “إسرائيل” الكامل للدروز السوريين في مواجهة الحكومة المركزية، بالإضافة إلى الأسباب المذكورة سابقًا وعدم الثقة بالنظام السوري الجديد، يُعتبر نوعًا من رد الجميل للدروز؛ الذين أغلقوا شوارعًا في “إسرائيل”، خلال الأيام الماضية، وذهب بعضهم إلى داخل “سورية” مطالبين بالحرب ضد “دمشق”.
بشكلٍ عام؛ ورُغم معارضة بعض التيارات الدُرزية في بلاد “الشام”؛ لـ”إسرائيل”، إلا أن هذه الطائفة تُعتبر الحليف الأكثر ولاءً لـ”إسرائيل”. ويتمتع الدروز في “إسرائيل” نفسها، على عكس المسيحيين والمسلمين، بحضور قوي في أجهزة الدولة، خاصة في الجيش والمؤسسات الأمنية، وأبرز مثال على ذلك هو: “غسان عليان”؛ أول قائد غير يهودي للواء (غولاني) النخبوي.
وفي الواقع؛ فقد تحولت القوات الأمنية والعسكرية الدُرزية إلى جزءٍ مهم من آلة العنف والقمع ضد الفلسطينيين، خاصة في “القدس والضفة الغربية”، وقد يكون سلوكهم أحيانًا أكثر عنفًا من الجنود اليهود أنفسهم.
إعادة بناء الأمن الشامي كمدخل لـ”شرق أوسط جديد”..
بشكلٍ عام؛ فإن السياسة الدولية بقيادة “الولايات المتحدة” والغرب تجاه “سورية”، وحتى المنطقة ككل، لا تقوم على الفوضى وعدم الاستقرار الواسع، لأن ذلك لن يكون في صالح “إسرائيل”، بل على إعادة بناء الأمن في بلاد “الشام” تدريجيًا كمدخل لخلق نظام جديد في الشرق الأوسط.
وتتُابع تنفيذ هذا الهدف في “سورية” بطريقتين متوازيتين، الأولى: خلق ترتيبات أمنية مستَّقرة في الجنوب. الثانية: محاولة مواءمة النظام السوري الجديد.
وحتى الآن؛ تمَّكن نظام “الشّرع” بكسّب دعم ثلاث كتل: “الإمارات، والسعودية، وقطر” و”تركيا”، من الحصول على اعتراف دولي ورفع العقوبات.
وبالفعل من غير المُرجّح اتخاذ خطوات لإسقاط النظم السوري الجديد، طالما لا تدخل “دمشق” في مواجهة جادة مع “إسرائيل”.