سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران “السجن الجميل”

سراب سعدي حين تكتب المرأة لتتخطى جدران “السجن الجميل”

في بغداد، تلك المدينة التي تتنفس الأدب كما تتنفس الغبار، ولدت سراب سعدي أحمد عام 1983، ومع أولى خطواتها في عتمة هذه المدينة المضطربة، بدأ وعيها يتشكل على إيقاع الكلمات والحكايات. درست الصحافة في جامعة بغداد وتخرجت سنة 2000، لكن سراب لم تكتفِ بمهنة الكلمة الإخبارية، بل اختارت أن تشقّ لنفسها طريقًا داخل الأدب، حيث تكتب المرأة لا باعتبارها موضوعًا روائيًا، بل كذات فاعلة، شاهدة على العصر، حاملة لجمر التجربة وشظايا الأسئلة.

تحمل سراب في سيرتها تنقّلًا متزنًا بين الصحافة والأدب. فقد مارست الكتابة الصحفية في عدد من الصحف الورقية والإلكترونية، وكتبت في الزمان، الصباح، الشرق، صوت المرأة، بابليون، العشرة كراسي، متون، تدوين نيوز، والمثقف، وغيرها، غير أنها لم تتوقف عند حدود الخبر والتحقيق، بل تحوّلت الرواية عندها إلى مرآة أعرض، تستوعب فيها ملامح مجتمع ممزق، وتفاصيل حياة امرأة تقف وسط الأعاصير بلا درع سوى الحرف.

التحاقها باتحاد الأدباء والكتاب عام 2023، وعضويتها في اتحاد كُتاب الإنترنت العراقي، لم تكن مجرد خطوة إدارية، بل اعتراف بتجربة سردية متنامية، أنتجت في أقل من عقد عددًا لافتًا من الروايات والكتب، منها:

سجن جميل” (2019)، “زواج غير متوقع”، “لم أعد وحيداً”، “غيرتني ملبورن”، “ماري”، “الحرية الكاذبة”، “التقاء محظور”، “جار قلبي” (2024)، إلى جانب كتابها المختلف “مطبخيات” وسلسلة قصص أطفال صدرت عام 2020، وهو ما يكشف عن تنوع في الحس الإبداعي، يراوح بين الواقعي والوجداني، وبين العائلي والذاتي، وبين الكتابة للراشدين والكتابة للصغار.

في رواياتها، لا تختبئ سراب خلف الشخصيات، بل تسكنها، تتحدث بلسانها، تتنفس آلامها، وتمنحها شيئًا من روحها الصحفية: الانتباه إلى التفاصيل، الرصد الحاد، والميل إلى الواقعية دون أن تقع في فخ التقريرية.

تبدو المرأة عندها مزيجًا من القوّة والانكسار، من الحلم والخذلان، وغالبًا ما تظهر بطلاتها في مواجهة مجتمع لا يرحم، وتقاليد لا تعترف بحقّ الحب أو الحرية، فتكتب عن الزواج كقدر مرّ، وعن الهجرة كتحوّل، وعن الحب كفرصة مسروقة، وعن السجن كجمال زائف، لا لشيء إلا لأنه يوفّر شيئًا من الأمان وسط فوضى الخارج.

يرى بعض النقّاد أن روايات سراب سعدي تنتمي إلى ما يُعرف بـ”الرواية النسوية الواقعية”، تلك التي تكتب من قلب التجربة لا من خارجها. وهي، وإن لم تتبنّ خطابًا نسويًا صريحًا، إلا أنها تحفر في القضايا النسائية بأدوات سردية ناعمة، تُشبه الإبرة التي تخيط الجرح دون أن تُحدث ضجيجًا.

وقد أشاد أحد النقاد المحليين في مداخلة له بمهرجان “نازكات الأدب” بأن “سراب سعدي تمثّل صوت المرأة الكاتبة في مدن الضياع، وتكتب برهافة عن اللحظة التي تنكسر فيها الروح ولا تنكسر الكتابة“.

مشاركتها في المؤتمرات والمهرجانات، مثل مهرجان المرأة العالمي ومؤتمر نازكات الأدب، تعكس مكانتها في المشهد الثقافي العراقي، بوصفها كاتبة لا تكتفي بالنشر بل تُؤمن بالحضور، بالحوار، وبضرورة أن تكون الكاتبة صوتًا في قلب الضجيج، لا هامشًا ساكنًا في العتمة.

فسراب سعدي، إذن، ليست مجرّد روائية عراقية، بل هي تجربة سردية تحمل نكهة البلاد، بنسائها ورجالها، بحروبها وحبّها، بجدرانها العالية التي تكتب عنها كأنها تعرف كلّ حجرٍ فيها. امرأة من بلاد النزف الطويل، اختارت أن تكتب لا لأنها “تحب الكتابة”، بل لأنها لا تملك خيارًا آخر لمواجهة هذا العالم: أن تكتب، يعني أن تبقى..