سؤال إيراني .. ماذا تريد إسرائيل من روح سورية ؟

سؤال إيراني .. ماذا تريد إسرائيل من روح سورية ؟

خاص: ترجمة- د. محمد بناية:

للوهلة الأولى؛ قد تشبَّه التحركات العسكرية الإسرائيلية في “الجولان”، محاولة تهدف إلى توسيّع الاحتلال وتمهيد الطريق أمام ضم أجزاء جديدة من الأراضي السورية. لكن يبدو بالنظر إلى نهج؛ “دونالد ترمب”، المختلف عن دورته الرئاسية الأولى، لا يكفي محاولة فهم هذا النوع من السلوكيات الإسرائيلية في إطار النماذج الواقعية الكلاسيكية، فهي تُشّكل مبشّرات بداية: (عصر جديد للعلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط) آخذة في الظهور، ولو بشكلٍ تدريجي. بحسّب ما استهل “علي رضا قندريز”؛ محلل الشأن الدولي، تحليله المنشور بصحيفة (هم ميهن) الإيرانية.

هدف غامض لـ”شرق أوسط جديد”..

ويمكن على الأقل تميّيز هدف غامض لكن محدَّد لما يُسمى: بـ”غد الشرق الأوسط”؛ في تصريحات الرئيس الأميركي؛ شرق أوسط من المفترض أن يكون مبشرًا بالانتقال نحو التعاون والتكامل المُربح، بدلًا من استمرار العداء الهيكلي، بحسّب معايير تاجر جالس على عرش أقوى زعيم في العالم.

وقلما يدعي مراقب أن شخص الرئيس “ترمب”؛ أو حتى مستشاريه “منظّرون” أو حتى يمتلكهم الاهتمام والميل لنموذج نظري “أكاديمي” معيَّن، وأنهم صاغوا مستقبل المنطقة على أساسه.

لكن بغض النظر؛ فالقوة المهيَّمنة عالميًا ورئيس حكومتها أكثر جدية من أن يتجاهل الباحثون تفسيّر سياساته وقياس مستقبل المنطقة في ظل تأثيرات هذه السياسات. لذلك يتعيّن على المحلل المستقل أن يمتلك القدرة على اختيار “العدسة النظرية” الأنسب لتفسيّر سياسات السياسيين المتغيَّرة، لينظر من خلالها إلى السلوكيات السياسية والأدلة الميدانية ويشرح الوضع.

وتُميز نظريات العلاقات الدولية، بدقة بين مفهومين رئيسيين: “الإقليمية” و”الأقلمة”، فالأول يُمثّل حركة واعية، من القمة إلى القاعدة، وتقوده بشكلٍ أساس الحكومات والمؤسسات الدولية. أما الثاني فهو عملية أكثر ديناميكية، من الأسفل إلى الأعلى، وتقوم على ديناميكيات السوق وشبكات التجارة والروابط الاجتماعية.

أفكار غامضة تقترب من “الإقليمية”..

ما يظهر أحيانًا في تصريحات وتطلعات؛ “دونالد ترمب”، عن السلام في الشرق الأوسط ومستقبل “غزة” وغيرها، يمكن وصفه بأفكار غامضة وقريبة من نموذج “الإقليمية”، ويُمكن محاولة صياغتها انطلاقًا من نظريات الوظيفية والوظيفية الجديدة.

هذه الرؤية ترى أن التعاون التقني والاقتصادي في مجال معيَّن يمكن أن يمتدّ إلى مجالات أخرى عبر تأثير الامتداد، مما قد يؤدي في النهاية إلى تكامل إقليمي.

ومع أن الجوانب العملية والعلنية لهذا السيناريو لم تتجاوز بعد مستوى التمنيات والأساطير وخطابات “ترمب”، إلا أنها تُظهر أفقًا يُفهم منه أن جميع الفاعلين الإقليميين، في حال انضمامهم وقبولهم قواعد اللعبة، سيكون لهم نصيب في الملعب، بشرط أن يحل التعاون والمصالح المشتركة محل الصراع المستمر.

عقيدة ترمب للشرق الأوسط..

من هذا المنظور؛ إذا تطور (اتفاق إبراهيم) من مجرد كلمات على ورق؛ (لم تؤثر بشكلٍ ملموس في حياة شعوب المنطقة)، إلى فكرة عملية لإعادة إعمار المنطقة برأس المال العربي والخبرة الإسرائيلية، ونُفذ بنجاح، فقد يُصبّح نموذجًا قابلًا للتكرار في مناطق أخرى تُعاني من الأزمات.

وعليه يُمكن صياغة الفكرة التي تبدو بمثابة: “عقيدة ترمب للشرق الأوسط”.

وهناك محركان رئيسيان من الناحية النظرية، لنجاح مثل هذه الفكرة، وإذا تحققا يُمكنهما تخطي العقبات الأمنية:

01 – التكامل الاقتصادي: من خلال زيادة معدلات التجارة داخل المنطقة، والاستثمار الأجنبي، وتشكيل أسواق مشتركة.

02 – دعم القوة المهيَّمنة: سواء في شكل دعم عسكري حاد وغير موسع لحل العقدَّ المستَّعصية فورًا، أو في صورة رقابة أمنية ووساطة دبلوماسية.

إذا كانت سياسة “ترمب” كما تم تصويرها، فلا يمكن تخيل أن حليفًا مثل “إسرائيل” قادر على خلق توترات جديدة تعيَّق تحقيقها.

استراتيجية جديدة لأمن إسرائيل بالمنطقة..

من ثم فإن محاولة احتلال المزيد من الأراضي السورية، أو التحريض لتقسيّمها، أو تعميّم الاحتلال والسّعي لتقسيّم أي دولة وأمة أخرى في المنطقة، ستخلق صدمات جيوسياسية عنيفة تجعل فكرة “ترمب” عن: “السلام وإعادة الإعمار وخلق الثروة” في المنطقة أسطورة غير قابلة للتحقق.

إن توسع الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي السورية لن يتماشى مع الاستراتيجية الكلية لـ”الولايات المتحدة” والأهداف المحدَّدة للرئيس “ترمب” في الفترة الجديدة.

من هذا المنظور؛ قد تسعى “إسرائيل” بدلًا من التركيز على خلق التهديدات وتغيّير الحدود المادية، إعادة تشكيل الترتيبات الجيوسياسية حول نفسها؛ ترتيبات تقوم على الهويات الفرعية وتحالفات محيطية مع مجموعات مثل “الدروز”، و”الموارنة” في “لبنان”، أو حتى بعض “العلويين” في “سورية”، دون تغييّر حدودي جديد أو تعديلات إقليمية إضافية.

هذا النهج؛ يُتيّح تكيّيف الاستراتيجية الأمنية القومية الإسرائيلية، التي كانت هجومية ومتطرفة من منظور أمني واقعي على مدار الخمسين عامًا، مع الوضع الجديد وعقيدة “ترمب” وبذلك، لن تقوم بتقسيّم أي دولة، ولن تحدَّث تغيّيرات في جغرافيا الدول القائمة، ولكن في الوقت نفسه، سيتم إنشاء حزام أمني محيطي حول “إسرائيل” بشكلٍ متيّن وأقل إثارة للتوتر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة