في متابعة للتغطية الإعلامية للأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة “السويداء /السورية”، تبرز لنا ملاحظات صارخة وواضحة وقد يكون لا حظها المتلقي والمتابع والمشاهد على حد سواء , تكشف بصورة جلية لا لبس فيها أو تأويل , بشأن انعدام المهنية والحيادية وتكشف حقيقة ماثلة عن طريقة التغطيات الإعلامية التي قدمتها القنوات الإخبارية التابعة لأحزاب “الإطار التنسيقي” واتلاف ادارة الدولة العراقية الحاكم ولنبين صراحة عن ما وصل إليه المستوى المقلق من الانحياز والتوظيف الطائفي السياسي للأحداث الأخيرة في “السويداء” . فقد اتسمت تلك التغطيات بانعدام المهنية، وابتعدت بشكل صارخ عن معايير الحياد والموضوعية التي يفترض أن تلتزم بها المؤسسات الإعلامية، لاسيما في أوقات الأزمات والكوارث. تجلّى ذلك في الأسلوب الاحتفائي المسبق لمعظم المحللين السياسيين التابعين لهذه القنوات، وفي نبرة الفرح التي لم تُخفَ على وجوههم وهم يتناولون تطورات المشهد هناك، إلى جانب ما بثّه مقدمو البرامج الحوارية من عبارات ذات طابع طائفي وتحريضي، من شأنه صبّ الزيت على نار الفتنة الطائفية وإثارة الانقسام بين مكونات الشعب السوري، في تجاوز خطير لوظيفة الإعلام كأداة للتقريب والتوعية والتسامح، لا للتهييج العنصري الطائفي وبث الكراهية.
لكن في المقابل، برز لنا كذلك بصورة جلية موقف وخطاب سياسي متزن يعكس قدراً كبيراً من النضج والاتزان والمسؤولية الوطنية، والنظرة الاستراتيجية المستقبلية، تمثل في البيان الصادر عن سماحة الشيخ السيد “خميس الخنجر”، رئيس “تحالف السيادة”، الذي سارع إلى الترحيب بانتهاء ما وصفه بـ “فتنة السويداء”، مشيداً بحكمة الرئيس”أحمد الشرع” في إدارة الأزمة، ومؤكداً في الوقت ذاته أن الحلول الدائمة لا تأتي إلا عبر الحوار الوطني الشامل، بوصفه السبيل الأوحد لتجاوز الأزمات الطائفية التي تهدد السلم الأهلي بين حين وآخر.
في زمن تتأرجح فيه سوريا على حافة الهاوية، حيث تتفجر نيران الطائفية وتُمزق أوصال الوطن في السويداء، يقف الشعب السوري أمام مفترق مصيري: إما وطن موحد يعلو فيه راية المواطنة، أو فوضى تقسيم وصراعات تحرق الأخضر واليابس. لقد أظهرت أحداث السويداء المأساوية، التي أودت بحياة المئات وشردت الآلاف، كيف يمكن للفراغ الأمني والتدخل الخارجي أن يشعلا فتيل الكراهية ويمزقا النسيج الوطني. هذا تحذير صارخ لكل سوري، من درزي إلى بدوي، من شمال البلاد إلى جنوبها: من يراهن على الخارج، ويستقوي بدعم أجنبي، سواء كان إسرائيلياً أو غيره، فإنه يركب حصاناً خاسراً في سباق المواطنة. الوطن ليس لعبة جيوسياسية، ولا ساحة لتصفية الحسابات الطائفية! على الدولة السورية أن تمسك بزمام الأمور بقوة وحزم، وأن تفرض سيادة القانون وعدالة القضاء ، لأن السماح باستمرار الفوضى هو خيانة لدماء الشهداء وتضحيات الأجيال. فلتكن المواطنة هي البوصلة، والوطن هو الهدف، وإلا فإننا جميعاً سنغرق في مستنقع الانقسام والدمار!
ونحن نتابع عن كثب منذ اندلاع الأحداث الفتنة الطائفية المؤسفة في محافظة السويداء والتي افتعلتها ميليشيات الشيخ “حكمت الهجري” بالتنسيق التام مع الكيان “الإسرائيلي” وانا أشاهد من خلال الأفلام المصورة التي عرضت سواء من قبل القنوات الإخبارية السورية والعربية أو عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي , مدى كثرة والكم الهائل من مختلف أنواع أكداس العتاد الحربي العسكري والتي اغتنمها مقاتلين وثوار العشائر القبائل العربية, ولتبين بوضوح ولا شك فيها أو لبس أو تأويل وقد يكون في غير محله بان:” الجيش الإسرائيلي الذي استولى على مئات الأطنان من مختلف أنواع أكداس العتاد الحربي أسلحة حزب الله اللبناني في معركته الأخيرة قد حولها ومن خلال شحنات متتابعة الى ميليشيات “الهجري” لغرض أن يقوم بافتعال تلك الأحداث الطائفية وذلك نتيجة كانت حتمية ويجب أن تكون ومن خلال الرفض المطلق وعدم الموافقة من قبل الرئيس احمد الشرع على الشروط المسبقة والمجحفة الإسرائيلية لغرض التطبيع والتنازل عن الأرض السورية !.
صحيح تشهد محافظة السويداء بين الحين والاخر ، توترات أمنية مستمرة ولكن في الاونة الاخيرة وقبل ايام اتضحت الصورة بان وراء هذه الاحداث جهات خارجية تريد أن تجبر الحكومة السورية على توقيع اتفاقيات استسلام وفق شروطها ونعني بها صراحة “اسرائيل” لا غيرها وكان اخرها ونتيجة اشتباكات مسلحة بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، بدأت منذ منتصف حزيران 2025. هذه الاشتباكات، التي أسفرت عن سقوط أكثر من900 قتيل خلال أسبوع، كادت أن تخرج عن السيطرة لولا تدخل الدولة السورية لفرض وقف إطلاق نار يوم امس السبت في 19 حزيران 2025، عبر وساطات دولية، بما في ذلك جهود الولايات المتحدة والدول العربية الرئيس السوري وصف هذه الأحداث بخطاب رسمي متلفز :” بأنها كشفت عن “طموحات انفصالية خطيرة” مدعومة من جهات خارجية، مشدداً على التزام حكومته بحماية وحدة سوريا وسيادتها. وأن إسرائيل تعمل بجد و محاولة استغلال الوضع لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم فصائل محلية أو تنفيذ غارات جوية استهدفت مواقع حكومية في السويداء ودمشق. ومع ذلك، أكدت الرئاسة السورية التزامها بحماية الأمن والاستقرار في المحافظة، مع نشر قوات أمنية لاحتواء الوضع”.
الاشتباكات، التي بدأت كنزاع محلي على خلفية توترات متراكمة، تحولت سريعاً إلى مواجهات طائفية واسعة النطاق، أسفرت عن مقتل 248 شخصاً بحلول 15 حزيران ، وارتفعت الحصيلة إلى أكثر من 900 بحلول 18 حزيران ، مع نزوح حوالي 80 ألف شخص. هذه الأرقام تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي ضربت المنطقة، وان عكست هذه الاحداث ماسويتها كذلك بسبب الفراغ المؤسساتي فقد أشارت وزارة الداخلية السورية إلى أن “غياب مؤسسات الدولة، خصوصاً العسكرية والأمنية” كان سبباً رئيسياً لتصاعد التوترات. بعد سقوط نظام الأسد، واجهت الحكومة الانتقالية تحديات في بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، مما أدى إلى فراغ أمني استغلته فصائل محلية لتصفية الحسابات. هذا الفراغ سمح للنزاعات القبلية والطائفية بالتصاعد دون تدخل فاعل من الدولة في البداية. صحيح ان التوترات بين الدروز والبدو في السويداء ليست جديدة، بل تعود إلى نزاعات تاريخية حول الأراضي والموارد، تفاقمت بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في سوريا.
وقد لعبت الفصائل الدرزية المحلية، وبعض العشائر البدوية المدعومة من جهات حكومية، دوراً في تصعيد النزاع. إسرائيل بدورها، التي طالما كانت لاعباً إقليمياً مؤثراً في الشؤون السورية، واجهت اتهامات متكررة بدعم الفوضى في السويداء. الرئيس السوري “الشرع” اتهم إسرائيل صراحةً بالسعي إلى “تحويل سوريا إلى أرض نزاع وتفكيك شعبها” منذ سقوط النظام السابق. هذه الاتهامات تستند إلى عدة عوامل ومنها على سبيل المثال وليس الحصر : الغارات الجوية الإسرائيلية: في خضم الاشتباكات، شنت إسرائيل غارات جوية على مواقع حكومية سورية، بما في ذلك بالقرب من القصر الجمهوري ومبنى رئاسة الأركان في دمشق في 16 حزيران 2025، مما أسفر عن مقتل 15 عنصراً من القوات الحكومية. إسرائيل بررت هذه الضربات بأنها تهدف إلى “حماية الدروز”، لكن الحكومة السورية وصفتها بأنها “عدوان” يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وزيادة التوترات الطائفية ولذا سارعت إسرائيل أرسلت مساعدات إنسانية للدروز في السويداء، بما في ذلك إمدادات مالية وسلاح وعتاد حربي، ونقلت مصابين للعلاج في الأراضي المحتلة. كما اتهمت مصادر سورية إسرائيل بمحاولة استغلال الوضع لدعم فصائل درزية متشددة، مثل تلك التي يقودها “حكمت الهجري”، لتعزيز نفوذها في المنطقة. ولكن الأخطر مما رأيناه في هذه الأحداث وما تابعنا عن كثب وما تمثل بان بعض التقارير ذهبت إلى حد اتهام هذه الفصائل باتباع “عقيدة توراتية” ترى في جنوب سوريا جزءاً من “مملكة إسرائيل الكبرى”،
وبما أن إسرائيل، التي تحتل هضبة الجولان المجاورة للسويداء، لديها مصلحة استراتيجية في الحفاظ على منطقة عازلة غير مستقرة في جنوب سوريا. وإلى أن إسرائيل طالبت الجيش السوري بالبقاء خارج المنطقة، مما يعزز الشكوك حول نواياها في دعم الانقسامات الداخلية. كما أن تدخل إسرائيل جاء بعد لقاءات غير ناجحة مع الإدارة الأمريكية في باكو، مما يشير إلى أن تصعيدها قد يكون مرتبطاً بحسابات سياسية مع واشنطن.
وبما أن الولايات المتحدة، التي توسطت في اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، أصدرت بياناً في 16 حزيران 2025 وصفت فيه التدخل الإسرائيلي بأنه “لحماية مكون سوري”، معتبرةً التوترات بين سوريا وإسرائيل “سوء تفاهم” ونزاعات قبلية يمكن حلها . هذا الموقف المنحاز أثار انتقادات من الحكومة السورية، التي رأت فيه محاولة لتسويغ التدخل الإسرائيلي وتدعي أن تدخلها في السويداء يهدف إلى حماية الطائفة الدرزية، التي تربطها بها علاقات تاريخية بسبب وجود الدروز في الأراضي المحتلة. ومع ذلك، نحن نرى بوضوح ويقين تام , بان هذا التدخل قد يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف الحكومة السورية الانتقالية، التي تسعى لبسط سيطرتها على البلاد. الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع حكومية، إلى جانب دعم عسكري لفصائل درزية، تشير إلى محاولة لاستغلال الفراغ الأمني في السويداء لتعزيز النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. في 15 حزيران 2025، تم التوصل إلى اتفاق تهدئة بوساطة أردنية وتركية، تضمن وقف إطلاق النار وتشكيل لجنة مراقبة من مشايخ الدروز وممثلي الحكومة. ومع ذلك، رفض الشيخ “حكمت الهجري” الالتزام بالاتفاق وذلك بعد ان عارضته اسرائيل والزمته بعدم الموافقة مما يعكس مدى ما بلغ به خطورة التدخل الإسرائيلي في فرض اجندتها ، مما أدى إلى تجدد الاشتباكات في 17 حزيران . الحكومة السورية سحبت قواتها من السويداء في 17حزيران مفوضةً فصائل درزية محلية بمسؤولية الأمن، في خطوة وصفت بأنها تهدف إلى تجنب “حرب واسعة”. الأمم المتحدة طالبت بتحقيق دولي في الانتهاكات التي رافقت الاشتباكات، مشيرة إلى مقتل مدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال.
تبين لنا بوضوح الان وتكشف أحداث السويداء عن تعقيدات الوضع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، حيث يلتقي الفراغ الأمني بالتوترات الطائفية والتدخلات الخارجية. السبب الرئيسي لاندلاع الاشتباكات يكمن قد يكون في حادثة سلب تحولت إلى نزاع طائفي، تفاقم بسبب غياب مؤسسات الدولة وضعف الحكومة الانتقالية في فرض الأمن. أما دور إسرائيل، فهو يبدو مزيجاً من التدخل العسكري المباشر عبر الغارات الجوية، والدعم الواضح والصريح ليس بالقول فقط وإنما بالفعل وأصبح في العلن وعلى ارض الواقع وبالسلاح والعتاد الحربي لفصائل والمليشيات الدرزية ، بهدف إضعاف الدولة السورية وتعزيز النفوذ في منطقة استراتيجية قريبة من الجولان المحتل.
السويداء اليوم تقف على مفترق طرق: إما أن تكون نموذجاً للتعايش بين مكوناتها المتنوعة، أو مسرحاً لصراعات طائفية مدعومة من قوى خارجية. الحل، كما أشار محللون، يكمن في تعزيز التلاحم الداخلي، تفعيل الدبلوماسية الإقليمية، وبناء مؤسسات دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
يا أبناء سوريا، استفيقوا قبل أن تتحول أرض الياسمين إلى مقبرة للأحلام ومسرح لمؤامرات الأعداء! أحداث السويداء، التي غرقت فيها الشوارع بدماء الأبرياء وتحولت القرى إلى ساحات خراب، ليست مجرد نزاع محلي، بل جرس إنذار يهز أركان الوطن. من يظن أن الطائفية ستفتح له أبواب السلطة، أو أن الاستقواء بإسرائيل أو غيرها سيمنحه نصراً، فهو واهم يبيع وطنه في سوق النخاسة الدولية! هؤلاء الذين يركبون موجة الفوضى ويراهنون على الخارج، كمن يراهن على حصان أعرج في سباق المواطنة: خسارتهم محتومة، وعارهم سيلاحقهم في صفحات التاريخ. على الدولة السورية أن تستيقظ من سباتها، وتمسك بزمام الأمور بيد من حديد، فلا مكان للتردد أو الضعف حين يتعلق الأمر بسيادة الوطن! المواطنة ليست شعاراً جوفاء، بل عقيدة تجمعنا، والوطن ليس ملعباً للتجارب الطائفية أو أحلام التقسيم. إن لم نتحد اليوم تحت راية سوريا الواحدة، فسنكون غداً مجرد أطلال تروي حكاية شعب خسر كل شيء بسبب غفلته وتفرقه. استفيقوا، فالوطن يناديكم، والتاريخ لا يرحم المتخاذلين!
*هامش ذات صلة وضمن السياق:
زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى السعودية في أيار 2025، وإعلانه برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، وهي خطوة رحبت بها دمشق ووصفتها بـ”نقطة تحول محورية”. خلال هذه الزيارة، التقى الرئيس “ترامب” بالرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، مما يعكس دور السعودية الفعال والمحوري المؤثر كوسيط محايد في هذه المحادثات. وأن من شروط الاستثمار السعودي في الولايات المتحدة كان هناك اتفاق صريح ضمني ينص على “عدم تمكين إسرائيل من تقسيم سوريا” أو ضمان وحدة سوريا. وأن السعودية، إلى جانب تركيا وقطر والأردن، تدعم وحدة سوريا واستقرارها، وهو ما يتماشى مع تصريحات الرئيس “ترامب” التي أشاد فيها بجهود “الشرع” لتوحيد سوريا والتي أكدها بدوره مرارا وتكرارا السفير الأمريكي لدى تركيا ومبعوث الإدارة الأمريكية لسوريا السيد “توماس باراك “ وكان أخرها قبل ساعات تدوينته على صفحته الرسمية بمنصة “اكس” والتي قال فيها صراحة:” إلا أن هذا الطموح الهشّ تطغى عليه الآن صدمةٌ عميقة، إذ تُقوّض الأعمال الوحشية التي ترتكبها الفصائل المتحاربة على الأرض سلطة الحكومة وتُزعزع أي مظهرٍ من مظاهر النظام. يجب على جميع الفصائل إلقاء أسلحتها فورًا، ووقف الأعمال العدائية، والتخلي عن دوامة الانتقام القبلي. تقف سوريا عند منعطفٍ حاسم – يجب أن يسود السلام والحوار – وأن يسودا الآن”..