حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف

حسين حسان الجنابي شاعر تستضيء به الحروف

في مدينة الحلة، حيث يمتزج التاريخ بالعطر الرافديني، وتتنفس البيوت عبق الفرات وتُروى القصائد بماء السلالة الطيبة، وُلد الشاعر حسين حسان الجنابي في محلة الجامعين يوم الأول من تموز عام 1960. وكأنّ الشعر قد قرّر أن يفتح عينيه هناك، متسللًا في هدوء الطفولة، ومتربصًا بلحظة اشتعال الموهبة.

وحين انتقلت أسرته إلى ناحية القاسم أواخر عام 1964، لم تكن تعرف أنها تنقل معها بذرة شاعر ستورق في تلك الأرض الطيبة. فمنذ دخوله المدرسة الابتدائية هناك عام 1966، بدأ يلتفت إلى ما بين السطور، لا ما فوقها. كان يُصغي إلى اللغة كما يُصغي العاشق إلى خفقات قلبه، ويتهجّى الحياة من خلال دفتر القراءة، لكنه يكتبها في مخيلته بيتًا من شعر.

  تخرّج من ثانوية القاسم عام 1978، ثم واصل دراسته الجامعية في كلية الزراعة بجامعة البصرة، حيث تخصص في وقاية النبات، وكأن الطبيعة كانت تمهّد له علاقةً خفيّةً مع الكلمة، تنمو وتزهر وتحيا، كما يحيي الشاعر وردةً في قصيدته. بين المختبر والحقل، وبين الفكرة والتفعيلة، ظل حسين حسان يخيط من اللغة ثيابًا للوجع العراقي، ويطوّق الذاكرة بقلائد الشعر.

عمل في مديرية زراعة بابل حتى إحالته إلى التقاعد في عام 2016، لكنه لم يتقاعد عن القصيدة، بل ظلّ “صادحًا”، كما أسماه أحد دواوينه، يعزف على أوتار القلب، ويبعثر شظايا الروح في أوراق الهزيع الأخير.

الشاعر حسين حسان لم يكن شاعرًا مكرورًا في لغته، ولا طيفًا عابرًا في مشهد الشعر الحلي والعراقي، بل كان صوته مميزًا يحمل من حرارة الجنوب ومن عمق الفرات ما يجعل قصائده تنبض لا بالكلمات وحدها، بل بالتاريخ الشخصي والقومي، بالحس الإنساني والعراقي في آنٍ معًا.

أصدرت عنه جامعة قم رسالة ماجستير وُسمت بـ”الصور الفنية في شعر حسين حسان الجنابي”، ونال فيها الباحث تقدير امتياز، وهي شهادة أكاديمية رفيعة تؤكد ما أجمع عليه النقاد من أن شعره يحتفي بالخيال المشتعل والصورة الباهرة، وأنه استطاع في زمن مزدحم بالضجيج أن يكتب بشفافية الضوء، وقسوة الجرح.

لم يكن حضور حسين حسان في الشعر الحلي مجرد سطرٍ في هوامش التاريخ الأدبي، بل كان أحد الأسماء التي فرضت وجودها بما أنجزته من أعمال شعرية لافتة، توزعت بين الغنائية الشفيفة والوجدانية العميقة، وبين الانتصار للمعنى والانخراط في نبض الناس وهمومهم.

وقد ذكره عدد من الباحثين والنقاد في كتب وموسوعات متعددة، أبرزها:” تكملة البابليات” للدكتور صباح نوري المرزوك (ص 276، الجزء الأول)،” أدباء وكتّاب بابل المعاصرون” للسيد عبد الرضا عوض (ج 3 ص 186)، “الحسين في الشعر الحلي” للدكتور سعد الحداد (ج1 ص 284)، “ما قاله الشعراء في قاسم العطاء” للأستاذ عبد العظيم عباس الجوذري، “شعراء بابل في نصف قرن” (ص 36) للدكتور سعد الحداد، “موسوعة أعلام العراق” للأستاذ موفق الربيعي (ج4)، “موسوعة الشعر العراقي الفصيح من عام 1932 حتى 2022” للباحثة المغربية فاطمة بوهراكة (الجزء الأول – ص 492).

وقد رأى فيه بعض النقاد امتدادًا حيًّا لروح الشعر العراقي، حيث تتلاقى في نصوصه نبرة الجواهري في سطوتها اللغوية، وظلال السيّاب في حزنها الشفيف، وإن ظلت بصمته واضحة، متميزة، لا تُشبه إلا نفسها.

  أصدر الشاعر حسين حسان (15) ديوانًا، تمثّل محطات واضحة في نضوجه الشعري ومسيرته الفنية، من “أغاريد الفجر” وحتى “ظلال ونصال”، وكل ديوان منها يحمل توقيعًا مختلفًا على جدار القصيدة العراقية، مزج فيها بين حب الوطن، وتأملات النفس، واحتفاءه الدائم بالكلمة الحيّة. وهو اليوم يضع اللمسات الأخيرة على ديوانه الثالث عشر، في استمرارية لا تخبو، وعطاء لا ينضب، مؤكدًا أن الشعر ليس مرحلةً في حياة الإنسان، بل حياة في كل مرحلة.

إن الحديث عن حسين حسان ليس حديثًا عن شاعر فحسب، بل عن وجدانٍ مشرّع على الفجر، وروحٍ نذرت نفسها للقصيدة، وبوحٍ ما زال يُغنّي رغم الضجيج، ويكتب رغم الجراح، ويعزف رغم أنين الحياة. هو واحد من أولئك الذين لا يشيخ فيهم الشعر، لأنهم ببساطة وُلدوا منه، وسيظلون مقيمين في بيت القصيدة العراقية، كما يقيم الضوء في العين، والماء في الجذر، والنور في الحرف.

أحدث المقالات

أحدث المقالات