النكبة المستدامة : التغول التكفيري و الطائفية السنيّة كأداة للإبادة والتطهير في الشرق الأوسط

النكبة المستدامة : التغول التكفيري و الطائفية السنيّة كأداة للإبادة والتطهير في الشرق الأوسط

تكشف التجربة التاريخية الطويلة في الشرق الأوسط عن جذر مأساوي عميق يتمثل في تغول الفكر الطائفي المتشدد، وبالأخص  السني التكفيري ثم السلفي ثم  الوهابي ثم الإخواني ثم الجهادي ، داخل المنظومات الدينية والاجتماعية والثقافية والاعلامية والسياسية السنية، حتى باتت هذه العقائد تشكل حواضن دموية تنتج باستمرار موجات من التكفير والعنف والقتل الجماعي ضد كل مختلف ديني أو مذهبي أو عرقي… ؛  وما جرى ويجري في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان وغيرها من دول المنطقة ليس سوى تجلٍ مأساوي متكرر لهذا العقل الإقصائي الممنهج.

اذ لم يعد الصراع في الشرق الأوسط مجرد تنازع سياسي على السلطة والثروات، بل تحوّل إلى صراع وجودي بين منظومة دينية سنية متشددة تمارس الاستئصال العقائدي والجسدي ضد المذاهب والأديان والمكونات الأخرى، وبين شعوب ومجتمعات أصيلة تسعى إلى البقاء تحت ظل الحد الأدنى من العدالة والكرامة والتمثيل… ؛ و هذه الأزمة، التي تتجذر في تاريخ طويل من الاستبداد الطائفي والعقيدة التكفيرية، لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكم قرون من فقه الإقصاء والتحريض والإبادة الرمزية والجسدية ضد كل من لا ينتمي إلى الرؤية السنية السلفية الضيقة.

 في عالم مضطرب مثل الشرق الأوسط، تتكرّر المأساة بأشكال وأدوات متشابهة منذ قرون، وتُعاد صياغة ملامحها الحديثة بنفس الحبر الطائفي المسموم… ؛  ففي خضم الصراعات السياسية والمذهبية، تبرز حقيقة دامغة لا تقبل التأويل: أن الحواضن الجماهيرية السنية، لا سيما المتأثرة بالفكر السلفي الوهابي والإخواني والتكفيري، لم تكن يومًا حاملة لمشروع تعددي أو ديمقراطي أو وطني… ؛  بل ثبت – تاريخيًا وواقعيًا – أن هذه البُنى العقائدية والسياسية والاجتماعية تشكّل الحاضنة الأخطر للعنف والاقصاء والإبادة المنظمة، التي تستهدف مختلف الطوائف والديانات والمذاهب، بدءًا بالشيعة والإيزيديين، مرورًا بالمسيحيين والصابئة والدروز والعلويين، وليس انتهاءً باليهود والبهائيين وحتى الصوفية... الخ .

اذ تشير التجارب التاريخية في منطقة الشرق الأوسط إلى أن اغلب الأنظمة السياسية  والحركات الدينية والفصائل الجهادية  والقواعد الشعبية  التي استندت إلى هوية طائفية سنية ضيقة، لا سيما التيارات المتطرفة منها  كالسلفية الجهادية والوهابية المتشددة وأجنحة من الإخوان المسلمين وغيرهم ، قد تبنّت أيديولوجيات عنيفة… ؛ و اعتقدت هذه التيارات والجماعات والانظمة  اعتقاداً راسخاً بضرورة قمع واستئصال الطوائف والمذاهب والديانات الأخرى، كالمسيحيين واليهود والإيزيديين والصابئة والشيعة الاثني عشرية والإسماعيلية والدروز والعلويين والإباضية والزيديين … الخ ؛  فقد نظرت إليهم كأعداء تقليديين للفهم الحصري الذي تبنته للإسلام السني، مستندةً في ذلك إلى قراءات متشددة لبعض التراث الفقهي السني، وإلى فتاوى بعض رجال الدين الذين روّجوا للتكفير والعنف والسبي… ؛  وقد غذت هذه الأيديولوجيات ثقافة مشحونة بالكراهية والتعصب ضد الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً، بل وامتد عداؤها ليشمل حتى التصوف داخل المذهب السني ذاته كما اسلفنا .

***المرتكز العقائدي للعداء: من كتب الفقه السني المتشدد إلى ساحات الذبح (منظومة قتل باسم الدين )

إن مراجعة دقيقة للتراث الفقهي السني المتشدد، خصوصًا ما صاغته المدارس الحنبلية المتأخرة والسلفية الوهابية، تظهر كمًّا هائلًا من النصوص التي تُكفّر الشيعة بمختلف فرقهم، وتعتبر المسيحيين واليهود والصابئة والعلويين والدرزيين واليزيديين والاباضية وغيرهم من “أهل الأهواء والبدع” أو “كفار أصليون أو مشركون “، ما يجعلهم أهدافًا مشروعة للقتل والسبي والغزو ونهب الأموال وفقًا لهذه الفتاوى الفقهية  والآراء  الدينية … ؛  هذه ليست فقط اجتهادات معزولة، بل شكلت الأساس النظري الذي بنيت عليه دول وأنظمة وأحزاب، بدءًا من الدولة العثمانية وصولًا إلى تنظيم “داعش”.

وتشير التجارب السياسية والاجتماعية والتاريخية المتعاقبة في الشرق الأوسط إلى حقيقة مرعبة مفادها أن العديد من المرجعيات الدينية السنية، لا سيما السلفية والوهابية والإخوانية، لم تكتفِ بإقصاء المختلف فكريًا وعقائديًا، بل أسست لثقافة “القتل المشروع” ضد الشيعة والمسيحيين واليهود والإيزيديين والدروز والعلويين والبهائيين والصابئة والزيدية والإسماعيلية، وحتى ضد الفرق الصوفية المعتدلة كما اسلفنا .

أحدث المقالات

أحدث المقالات