كانت أحلام الطفولة بسيطة، تختصر أحيانًا في بعض المتطلبات الضرورية من مأكل وملبس، لكنها في حقيقتها كانت عالماً واسعاً من الأمنيات الصغيرة التي تنمو مع العمر.
في تلك القرى والأرياف، لم تكن الأحلام تذهب بعيداً، بل كانت تتركز على ملابس جديدة نرتديها في الأعياد، أو لعبة نصنعها بأنفسنا من أدوات مهملة نلتقطها من المزابل، ونحوّلها ببراءة إلى وسيلة للفرح.
ومع انقضاء مرحلة الطفولة ودخولنا عالم المراهقة، بدأت أحلامنا تكبر. كنا نحلم بدراجة هوائية نتفاخر بها أمام أقراننا في دروب القرية، وكأنها مركبة فضاء! كانت فرحتنا لا توصف حين نتمكن من قيادتها وسط نظرات الإعجاب من أصدقائنا.
ثم دخلنا مرحلة الشباب، وبدأ الحلم يتخذ شكلاً جديداً… من ستكون تلك العروس؟ ومن أين سنختارها؟ كنا نحلم ببنات المدينة، رغم أننا نعلم أن هذا الحلم يبدو بعيد المنال. لكن في عالمنا الخيالي، كنا نعيش تلك اللحظة ونرسم لها صوراً بأذهاننا، نبتسم لها، ونحدث أنفسنا: هل سيتحقق ذلك اليوم؟
تمر السنوات سريعاً، تتغير الأحوال من حال إلى حال، وتتغير الأحلام. أصبح الحلم يلامس سيارة حديثة – كانت أنواعها محدودة آنذاك – ولكنها ظلت أمنية نحملها معنا في دفاتر الشباب.
واليوم… بعد مرور خمسة عقود من الزمن، نقف وقفة مع النفس ونسأل: ماذا عن تلك الأحلام؟ كم منها تحقق؟ وكم منها بقي في خانة الذكريات؟ فنجد أن أغلبها، بفضل الله، قد تحقق، وأصبح من الأمور البسيطة التي يمكن لأي شخص في القرى أن يمتلكها اليوم.
آه يا عالم الطفولة!
آه يا زمن الذكريات!
آه يا أحلامنا التي ولدت في قريتنا، تلك التي ما زالت شاخصة في الذاكرة، بدروبها ووديانها، بصيفها وشتائها، بربيعها وخريفها. ما زلت أتذكر ألعابنا البدائية، تلك التي ابتكرناها بأيدينا الصغيرة. ما زلت أذكر تلك “الدراجة” – إطار قديم ندفعه بسلك حديدي ونحن نركض خلفه بكل فرح. وما أجملها من لحظات كنا نعيشها مع أصدقاء الطفولة، في عالم مختلف، عالم بعيد عن صخب المدينة، لكنه كان أجمل وأكثر صدقًا.
إنها ليست مجرد ذكريات، بل هي جذور الروح، وحكاية وطن صغير اسمه الطفولة.