هندسة الفوضى وصناعة القادة: الجيل الجديد من حروب الخداع

هندسة الفوضى وصناعة القادة: الجيل الجديد من حروب الخداع

هل كان هجوم الجولاني، أحمد الشرع، على السويداء محض صدفة؟ أم عملية مدروسة تخدم أجندات خفية جاءت بتخطيط مسبق؟
عند التمعن في الطريقة التي تحركت بها قواته نحو المعقل الدرزي في الجنوب السوري، والأساليب الوحشية التي استخدمتها ضد المدنيين، تتكشف أمامنا علامات استفهام لا يمكن تجاهلها، خاصة في ظل إعلان إسرائيل المسبق حمايتها للطائفة الدرزية ورفضها استهدافهم.
الجولاني يدرك تمامًا أن جماعته لا تملك القدرة على مواجهة القوة التدميرية الإسرائيلية، ومن المستبعد ان يكون الهجوم انتحارًا، بل هو أقرب الى سيناريو متفق عليه مسبقًا بين الجولاني وإسرائيل، برعاية تركية.
سيناريو يأتي في سياق سلسلة هندسة الفوضى التي تمارسها القوى الكبرى في المنطقة.
فمن جهة، خدم الهجوم إسرائيل بمنحها فرصة لتحسين صورتها بعد مجازر غزة عبر تقديم نفسها كحامية للأقليات من جماعات تقص الشوارب وتقتل النساء وتحرق الجثث!
ومن جهة ثانية فتح قنوات اتصال مع الطائفة الدرزية، مما يضعها على طريق التطبيع التدريجي، بالإضافة إلى تصفية فصائل “جهادية” غير مضمونة الولاء والتوجه أصبحت عبئًا على مصالحها في المنطقة.
أما الجولاني، فهو ليس سوى موظف يؤدي مهمة ضمن هندسة إقليمية أكبر، وسبقه في ذلك إيلي كوهين، الجاسوس الأخطر في تاريخ الموساد، حيث اخترق سوريا في الستينيات تحت اسم “كامل أمين ثابت”، وبنى علاقات عميقة مع كبار المسؤولين حتى عُرض عليه منصب وزير الدفاع وكاد يترشح لرئاسة الوزراء.
وقد يتساءل البعض: ماذا عن خسائر الجولاني البشرية والمادية؟ الجواب يكمن في طبيعة الجماعات المسلحة، وطبيعة الجولاني نفسه. فالمقاتلون الذين لقوا حتفهم في السويداء ليسوا من عشيرته، بل مجرد “وقود للصراع”، سوريون مغرر بهم ومرتزقة أجانب جُندوا من أسوأ الظروف الاجتماعية. وهم في حسابات قياداتهم مجرد أرقام قابلة للاستبدال، تُعوض بسهولة عبر تجنيد المزيد من اليائسين والمهمشين.
أما ما تم تدميره من منشآت الدولة السورية فلا يعني للجولاني وجماعته شيئًا. هؤلاء لا ينتمون إلى سوريا، ولا إلى أي بلد عربي. هم أدوات عابرة، تُستخدم ثم تُستبدل، ولا يهمهم إن كانت الأرض التي يقاتلون عليها وطنًا أم مجرد ساحة تنفيذ.

ما نراه من فوضى تجتاح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيدنا إلى تصريحات كونداليزا رايس عن “الفوضى الخلاقة” كأداة لإعادة تشكيل المنطقة. الجولاني، السجين السابق في المعتقلات الأمريكية، الذي تحول فجأة إلى قائد ميداني، يبدو كواحد من أكثر أدوات هذه الفوضى كفاءة في هذه المرحلة.ِ
تخيل حجم القدرة الاستخبارية حين يتم إعداد شخص مغمور ليُوضع على رأس جماعة مسلحة، ثم يُستخدم لتفكيك دولة معادية.
هنا لا نتحدث عن قيادة طبيعية، بل عن “هندسة القادة” حيث يُصنع القائد كما يُصنع البرنامج، ويُطلق في الوقت المناسب لتنفيذ المهمة.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن: كم قائد مثل الجولاني تم أو يتم إعداده لإيصاله إلى سدة الحكم في دول عربية تعتبرها إسرائيل دولًا معادية؟ وكم من هؤلاء موجود الآن على رأس قوات موالية له في ليبيا والسودان واماكن أخرى ليكمل الدور؟
على الشعوب العربية، وخصوصًا المستهدفة كالعراق، أن تدرك معنى وكيفية وأساليب الحروب الحديثة. إنها ليست حروب دبابات وطائرات في المرتبة الأولى، بل هي مرحلة خداع واستحواذ فكري وتضليل ممنهج، تُدار من خلف الستار، وتُنفذ بأدوات محلية الصنع، لكن بأجندات خارجية دقيقة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات