مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 14 تموز 1958 -4

مابين النظام الملكي ونظام المماليك في العراق: في ذكرى ثورة 14 تموز 1958 -4

16—عدم الاتفاق الدائم بين العراقيين+ الامراض التاريخية + اغتيال الزعيم+ بارومتر الحركة الكردية عبر كل تاريخ العراق!
17—الثراء والفساد ثنائي خطير في تاريخ العراق!.. كتاب لونكريك انموذجا
18—الفساد في العراق في عهوده- واكثر الفساد في التاريخ هو فساد العتاكة المماليك من سقط المتاع!
19—فترة المماليك السابقين في العراق مع الاعتذار لهم .. وهم افضل كثيرا من المماليك اليوم! ولكن هناك روابط مشتركة بينهم!

(16)
عدم اتفاق العراقيين على ملك عراقي بعد الاحتلال البريطاني- وعدم قبولهم باي رئيس او ملك يجمعهم هو احد علامات العلل الخطيرة في تاريخ هزائم العراقيين والبغدادين عند سقوط الدولة العباسية وبعدها وعند سقوط الامبراطورية البابلية التي سلمت قيادة جيشها لمتجنس اصله فارسي! الى جانب سيطرة رجل دين متعصب على السلطة ضد ابناء المعتقدات الاخرى.
الدرس الازلي من كل ذلك هو :
-الفساد والاثرة وانعدام المحاسبة والحكم الرشيد والانغماس في الملذات والمال والجاه والشهرة والظلم والطغيان والكراهية .
– الصراع المستمر على السلطة ممن يستحق وممن لايستحق, حتى نائب ضابط اصبح يطمح لان يكون وزيرا للدفاع او رئيسا.
-صعوبة بناء هوية وطنية جامعة التي يجب صناعتها وفرضها.
-غياب الثقة بالمؤسسات والقادة، يمكن تحليلها من منظورات تاريخية، سياسية، اجتماعية، وحتى نفسية-اجتماعية.
-دور بعض مزدوجي الجنسية المخرب في كل تاريخ العراق ومن لااصل عراقي له وحاقد على العراق وقد تم تجنيس الملايين من الاجانب خدمة لمشروع بقاء نظامي الفساد في بغداد واربيل!

كان البديل عند عدم اتفاق العراقيون هو ملك عربي من نسل محمد- وجاء البديل عنه في عام 1958 من العسكر المتصارعين بعد ان ثرمتهم السياسية ثم تسلق على اكتاف العسكر المنقسم شاب قروي بدوي مختل مغمور لادور له في تاريخ العراق سوى مشاركة مزعومة في اغتيال الزعيم قاسم الذي كان يخرج دون حماية في نفس المسلك ونفس الوقت بعد ان قالت عنه اذاعة صوت العرب انه لايستطيع ان يخرج الا بحماية لان الشعب العراقي سيقتله بينما كان عبد الناصر يخضر قتلته من البعثيين المرتزقة!
كانت اذاعة صوت العرب قد قالت ان قاسم لايستطيع ان يعدم قادة حركة الشواف لان الشعب سيقتله ولما قتلهم لم يتحرك احد ولكن ذلك بقى ندبة في قلوب القوميين!
كما كان اعدام العقداء في حركة مايس بداية ساهمت بثورة 14 تموز 1958!
زيادة حدود الدم منطق ناصري فارسي مبين في العراق!
فقد كانت ايران تحرص على سفك دماء العراقيين ومنهم القادة فقد بعث الخميني ببرقية في البريد العراقي المراقب رسالة لمحمد باقر الصدر طالبا منه عدم ترك العراق وقيادة الثورة وقد تلقفها صدام فاعدمه مع اخته!
لم يكن الرجل يفكر بترك العراق ولاحتى ربما قيادة ثورة!

كان حكم العسكر نظيفا على المستوى الشخصي بشكل عام مع توجه علماني تقدمي قومي او وطني ولما صار الامر لصدام شاهدنا العجب في بناءه القصور وعربانة الذهب والبذخ بعد الهزيمة والذل في حرب الكويت التي قال انه انتصر فيها-كما هو حال النظام الايراني بعد الجلاليق الاسرائيلية له في حرب حزيران الاولى- وانتصار حزب الله في قبوره وحطامه!
وثراء اقرباء صدام المحدود قياسا بما حصل الان ثم لما صار الامر لامريكا بعد ان احتلت العراق دون قرار اممي بحجة وجود اسلحة الدمار الشامل بمساعدة الكويت ودول في الخليج العربي حيث صار الامر للحثالات الذين سارعوا باستبدال اسم المدينة التي حملت الثورة التي وزعها قاسم على الفقراء النازحين من الجنوب الى مدينة الصدر ( وتحمل قاسم شتائم الطائفيين للان بسبب ذلك)
.
الصدر لم يبني لاهو ولا ال محمد يوما مدينة في العراق بل كان الخلفاء الراشدون عدا علي وبني امية وبني العباس هم بناة الحضارات والامجاد والمدن والفتوحات والثراء والاحتلالات للشعوب المهزومة! في عصور كان على الامة اما ان تكون غالبة او مغلوبة!
كان خلفاء بني العباس وغيرهم يبنون المدن ويتركوا الناس والفتن والمطالبين بالحكم, ولكن ال البيت يلحقونهم ويسببون لهم الازمات والمشاكل عبر المطالبة بالخلافة! فما جاء بكم لسامراء وبغداد وقد بناها غيركم والاموال التي تمتلكونها قد تزيد عن اموال الخلفاء التي تمكنكم من بناء مدن خاصة!؟

كان عام 1961 مفصليا في تاريخ الثورة في جبهات العدوان الناصري الذي انتهت تجربته الوحدوية الفاشلة- ومباحثات الشركات النفطية- واستقلال قضاء الكويت- وتوج بتمرد المله مصطفى البرزاني في ايلول 196 في الوقت الملائم جدا له, وهذا الامر يتكرر دائما مع الحركة الكردية فكلما كان العراق ضعيفا نشطت مثل الفايروسات الساكنة التي تنهش الجسم عند او اضعاف له من عوامل اخرى!
لم يكن لتلك الحركة اي نصيب من النجاح بعد ان سحقها النظام الملكي في اخر حركة لها بعد عام 1941 حيث اصطدمت النخبة الحاكمة المدنية والعسكرية بالقوات البريطانية في الحبانية –عندما كانت بريطانيا تصارع لوحدها الوحش النازي- في مايس مما ادى الى تدمير الجيش العراقي الوليد واعادة احتلال العراق وتنفيذ الاعدامات والسجن ضد المشاركين في الحركة!
اعتبرها القوميون كومونة للثورة العربية! ومجدا خلاقا!
اراد البريطانيون حل الجيش العراقي بعدها ولكن نوري السعيد –احد موسسي الدولة العراقية – رفض ذلك ولكن تم اضعاف الجيش وعندما ضعف الجيش بدات الحركة الكردية! وانتهت الى المشاركة في اقامة جمهورية مهاباد في ايران بعد احتلال ايران من الاتحاد السوفيتي وبريطانيا وكان المله مصطفى وزير دفاع الجمهورية وارتدى زي جنرال في الجيش الاحمر! من اجل اخافة الشاه!
ولكن تم سحق الحركة وفر الملة مع عشيرته لروسيا!
اعاده قاسم ظانا ان المكرمات تنفع في الحركة الكردية وكثرة من العراقيين! ولما بدات بوادر اول ضعف في العراق الثوري حمل المله السلاح الماجور وقاتل العراق!
والخطا الثاني لقاسم فتح الحريات السياسية دون قيود وضوابط مما فهم على انه حرية القتل والتصعلك والتخريب كما حصل في كركوك والموصل!
وهذا الامر تكرر في عام 2003 بعد حل الجيش والقوات الامنية!

تمكن البعث من قهر الحركة الكردية عام 1975 بحيث اعتبرتها اسرائيل على لسان نكديمون نهاية للامال الكردية والاسرائيلية!
مقابل نصف شط العرب لايران! التي تدخلت عسكريا لصالح الحركة في داخل العراق!
ذلك التدخل يجب ان يحصل العراق بسببه من ايران على تعويضات الى جانب الخراب الموثق لايران في العراق بعد عام 2003 للان!
الى جانب خسائر 6 اعوام من القتال من عام 1982 الى 1988 عندما كان العراق قد انسحب لداخل الحدود العراقية ولكن خميني اصر على الحرب واعدا بالنصر وتحرير كربلاء على طريق الغدس!
كما يجب الحصول على تعويضات من الكويت ودول في الخليج بسبب دعمها لنظام صدام خلال الحرب مع ايران ثم طالبت بديونها بعد انتهاء الحرب وزادت الانتاج النفطي لتدمير الاقتصاد العراقي الاعور- وقامت الكويت كما تفعل الان بسحب النفط المائل من اراضي العراق! وطلبت امريكا من الكويت التصلب في المباحثات التي سبقت الحرب!
واصرت الكويت على استمرار الحصار الذي ادى لتدمير العراق ومقتل ملايين الاطفال العراقيين والمرضى والعجزة لمدة 13 عاما ثم سمحت بمرور قوات الاحتلال الامريكية لغزو العراق التي استبدلت طاغية ارعن بطغاة اكثر وحشية ورعونة وخسة ودموية ولصوصية باسم الدين والمثهب! وكلهم جواسيس نصبتهم ايران ودول اخرى في عملية مستمرة لتدمير العراق! وحيث تم تدمير البلد ونهبه ايضا!

(17)
علاقة الفساد التركي وخصائصه بفساد العراق الثري جداّ! اغنى مناطق الدول العثمانية واكثرها فسادا!
ستيفن هيمسلي لونكريك (Stephen Hemsley Longrigg) كان مسؤولاً إدارياً بريطانياً عمل في العراق خلال فترة الانتداب البريطاني، وهو مؤرخ مرموق للمنطقة. كتابه “أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث” (Four Centuries of Modern Iraq)، الذي نُشر عام 1925، يعتبر مرجعاً كلاسيكياً لتاريخ العراق من الفترة العثمانية المتأخرة وحتى بداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
لونكريك، بصفته مطلعاً على الإدارة والسياسة في العراق خلال فترة حساسة، تناول الفساد في كتابه، ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن منظور اللونكريك يعكس فترة حكمه كموظف بريطاني في العراق.
ما قاله لونكريك عن الفساد في العراق:
انه كان جزء من المشهد الإداري والسياسي في العراق، خاصة في الفترة العثمانية المتأخرة وبداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة:
1. الفساد الإداري في العهد العثماني:
يصف لونكريك الإدارة العثمانية في العراق بأنها كانت تعاني من الضعف، وعدم الكفاءة، والفساد المستشري. كانت الرشوة والمحسوبية جزءاً لا يتجزأ من النظام الإداري، حيث كان المسؤولون المحليون والولاة (الباشوات) يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، وغالباً ما كانوا يدفعون مبالغ كبيرة للحصول على مناصبهم، ثم يعوضونها عبر فرض الضرائب التعسفية أو قبول الرشاوى.
يشير إلى أن بيع المناصب والولايات كان شائعاً، مما أدى إلى أنظمة حكم تستنزف الموارد المحلية بدلاً من تطويرها.
2. تأثير الفساد على العدالة والخدمات:
كان للفساد تأثير مباشر على تطبيق العدالة، حيث كان القضاء عرضة للرشوة، مما أضر بثقة الناس في النظام القانوني.
كما أثر الفساد على جودة الخدمات العامة وغياب الاستثمار في البنية التحتية، مما أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية للسكان.
الفترة الانتقالية وتأسيس الدولة العراقية الحديثة:
حتى مع نهاية الحكم العثماني وبداية الانتداب البريطاني وتأسيس الدولة العراقية، لم يختفِ الفساد تماماً. يشير لونكريك إلى التحديات التي واجهت الإدارة البريطانية والحكومة العراقية الناشئة في بناء جهاز إداري حديث ونظيف، في ظل تركة الفساد العثماني ووجود عادات متجذرة.
كانت هناك محاولات لتطبيق إصلاحات إدارية، لكنها واجهت مقاومة من الممارسات القديمة والمصالح القائمة.
لونكريك لم يخص الفساد بباب مستقل أو مقولة محددة واحدة، لكنه تطرق إليه كظاهرة متأصلة في الإدارة العثمانية للعراق، وكعقبة أمام التنمية والاستقرار. كانت رؤيته للفساد جزءاً من تصويره العام للضعف الإداري والتخلف في المنطقة التي كانت تحت الحكم العثماني، واستمرت تحدياتها حتى بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

وما قاله عن ثراء العراق وفساده، هو إشارة إلى التناقض الصارخ بين الإمكانات الهائلة للأرض وواقع الإدارة العثمانية المتدهور.
لونكريك، بصفته مراقبًا ومؤرخًا مطلعًا على أوضاع العراق في أواخر العهد العثماني وبداية القرن العشرين، كان يرى أن:
1. العراق كان من أثرى مناطق الدولة العثمانية من حيث الإمكانات الطبيعية:
لقد أشار إلى خصوبة أراضي العراق، وخاصةً السهول الرسوبية بين نهري دجلة والفرات، التي كانت في الأزمنة الغابرة تُعرف بـ”سلة خبز العالم” بفضل وفرة المياه.
كما لفت الانتباه إلى موقعه الاستراتيجي كجسر بين الشرق والغرب، مما يجعله مركزًا تجاريًا مهمًا. هذه الإمكانات كانت تمنحه القدرة على أن يكون منطقة غنية ومزدهرة بشكل استثنائي داخل الإمبراطورية العثمانية.
2. لكنه كان أيضًا من أكثرها فسادًا وسوء إدارة:
رغم هذا الثراء المحتمل، أكد لونكريك أن العراق عانى من فساد إداري متفشٍ ومستمر في عهد الولاة العثمانيين.
كان بيع المناصب الإدارية وجمع الضرائب التعسفية من الممارسات الشائعة، كما ورد.
أدى هذا الفساد وسوء الإدارة إلى إهمال البنية التحتية، وخاصة شبكات الري القديمة التي كانت أساس ازدهار العراق التاريخي. تدهور الزراعة، وتفشي الأمراض، وتراجع الأمن كانت كلها نتائج مباشرة لهذا الفساد.
خلق هذا التناقض بين الثروة الطبيعية والفقر الفعلي للسكان، بسبب غياب الحوكمة الرشيدة وانتشار الفساد الذي منع الاستفادة من هذه الموارد.
ملاحظة لونكريك كانت ملاحظة تاريخية عادت اهميتها من جديد في عهد نظام المماليك الحالي.
أن العراق كان يمتلك مقومات هائلة ليصبح جوهرة الدولة العثمانية، لكن الفساد المستشري وسوء الإدارة المزمن قد حولاه إلى نموذج للفشل في استغلال هذه الموارد.

المصدر:
ستيفن هيمسلي لونكريك، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث. (يتناول الكتاب بتفصيل الأوضاع الإدارية والاقتصادية والسياسية في العراق خلال الفترة العثمانية، ويسلط الضوء على ثرائه المحتمل من جهة، وفساد إدارته من جهة أخرى).

(18)
الفساد في العراق: قصة تتكرر عبر الأنظمة
مصدر عن الفساد في عصر المماليك الجدد
فائق الشيخ علي | الفساد في العراق الله تعالى لم يخلق مثله من قبل ولا بعد
https://www.youtube.com/shorts/3Y4vKpN4ES0

تُعد قضية الفساد في العراق ظاهرة متجذرة ومتطورة عبر مختلف الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد، بدءًا من العهد الملكي، مرورًا بحكم العسكر، ووصولًا إلى نظام ما بعد 2003. ورغم اختلاف أشكاله ومستوياته، فقد كان الفساد عاملًا رئيسيًا في إعاقة التنمية، وتآكل الثقة، وزعزعة الاستقرار في كل مرحلة من مراحل تاريخ العراق الحديث.

1. الفساد في النظام الملكي (1921-1958)
على الرغم من أن العهد الملكي غالبًا ما يُنظر إليه ببعض الحنين مقارنةً بالفترات اللاحقة، إلا أنه لم يكن خاليًا من الفساد. تجلى الفساد في هذه الفترة بشكل أساسي في استغلال بعض المسؤولين والنخب الإقطاعية لمناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، سواء عبر الاستحواذ على الأراضي والممتلكات العامة بشكل غير قانوني، أو استغلال النفوذ في الصفقات الحكومية. كانت الرشوة والمحسوبية موجودة في الجهاز الإداري، خاصة في التعاملات المتعلقة بالأراضي والعقارات والوظائف الحكومية، ومع وجود برلمان ودستور، لم تكن آليات المساءلة قوية بما يكفي لكبح جماح الفساد بفعالية، خاصة وأن النخب كانت غالبًا ما تكون متداخلة المصالح. لا توجد إحصائيات دقيقة وموثوقة عن حجم الفساد المالي في تلك الفترة بالمعايير الحديثة، نظراً لطبيعة الأنظمة الإحصائية وطرق تتبع الفساد في ذلك الوقت، إلا أن المؤرخين يشيرون إلى وجوده، وإن لم يكن بنفس الحجم الذي شهده العراق لاحقاً مع الطفرات النفطية.

2. الفساد في نظام العسكر (بعد 1958 وحتى 1979)
هو الاقل في كل تاريخ العراق مع بناء قطاعات حيوية من الاقتصاد والتعليم والصحة والقوة العسكرية والدبلوماسية ومشاركة فاعل في الحروب العربية الاسرائيلية وان كانت قد بدات عام 1948 بمشاركة فاعلة وكبيرة للجيش العراقي!

3. في عهد صدام حسين (1968-2003)
استُغلت موارد الدولة لتعزيز سلطة النظام ومحسوبيه وقوة العراق العسكرية. مع تزايد عائدات النفط، زادت فرص الفساد في العقود الحكومية، وخاصة في مشاريع البنية التحتية ولكن لحد منخفض وببناء عالي الجودة.
كان الفساد في هذه الفترة مرتبطًا بشكل كبير بشخص القائد وعائلته ودائرته المقربة بعد ذلك، الذين كانوا يستفيدون بشكل مباشر من ثروات البلاد.
بعد الحصار ظهرت أشكال جديدة من الفساد مرتبطة ببرنامج “النفط مقابل الغذاء” خلال عقوبات التسعينيات، حيث استغل النظام ثغرات البرنامج لتهريب النفط والحصول على عمولات غير مشروعة، مما أثر بشكل مباشر على حياة المواطنين. يصعب الحصول على أرقام دقيقة عن حجم الفساد في هذه الفترة بسبب طبيعة الأنظمة الشمولية التي تفتقر إلى الشفافية، لكن التقديرات تشير إلى أن مليارات الدولارات تم إهدارها أو تحويلها لحسابات شخصية أو لتمويل حروب النظام ومغامراته.
اضافة الى كوبونات النفط لمحاسيب ومرتزقة النظام العرب والعالميين!
كانت ايران تعين صدام على الاستمرار بتهريب النفط عبر الحرس الثوري فبقاء صدام الذي يتسبب في تدمير العراق ببطئ افضل لهم من نظام امريكي متقدم ولذا افسدوا الخطة الامريكية في اقامة دولة حديثة ديمقراطية عبر جواسيسها!

4. الفساد في نظام الطوائف (بعد 2003)
بعد عام 2003، ومع تبني نظام المحاصصة الطائفية والإثنية، تضخّم الفساد ليصبح ظاهرة مؤسساتية تضرب كل مفاصل الدولة، ويُعتبر حالياً من أسوأ الفترات من حيث حجم الفساد وتأثيره. أدى نظام المحاصصة إلى تقسيم المناصب والموارد بين الكتل السياسية على أساس طائفي وإثني، مما أضعف آليات المساءلة والمحاسبة، حيث يحمي كل فصيل سياسي أفراده المتورطين في الفساد، خالقًا بيئة من الإفلات من العقاب. شهدت هذه الفترة سرقة كميات هائلة من الأموال العامة، سواء عبر عقود وهمية، أو مشاريع وهمية، أو تضخيم فواتير، أو تهريب العملة، أو غسيل الأموال، وانتشر الفساد في جميع القطاعات، من النفط والدفاع إلى الصحة والتعليم، مما أثر بشكل مباشر على الخدمات المقدمة للمواطنين.
من أبرز قضايا الفساد التي كُشفت هي “سرقة القرن” التي تضمنت سرقة حوالي 2.5 مليار دولار من أموال هيئة الضرائب والمبلغ هو اكبر من ذلك وقد يصل الى 9 مليار دولار.
تصنف تقارير “الشفافية الدولية” العراق باستمرار ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم وفقًا لمؤشر مدركات الفساد، ففي عام 2024، حصل العراق على 26 نقطة من أصل 100، واحتل المرتبة 140 من بين 180 دولة. تاريخياً، تراوح متوسط درجات العراق بين 13 نقطة عام 2008 و26 نقطة عام 2024، مما يشير إلى تحسن طفيف في التصور، لكنه لا يزال ضمن الدول ذات المستويات العالية جداً من الفساد. وصرح الرئيس العراقي السابق برهم صالح في عام 2021 بأن ما يقرب من 150 مليار دولار هُربت خارج العراق بسبب الفساد منذ عام 2003، وتفيد تقارير أخرى بأن العراق خسر ما يقارب 450-500 مليار دولار بسبب عمليات الفساد منذ عام 2003، وهي مبالغ كانت كفيلة بإحداث نقلة نوعية في البنية التحتية والخدمات.
وهناك تقارير اخرى عن مبلغ اعظم!
مع التخريب المتعمد لكل القطاعات الانتاجية والصحية والتعليمية والخدمية!

(19)
دولة المماليك في العراق: فترة من السيطرة العسكرية المحلية (1704-1831)
كانت دولة المماليك في العراق فترة حكم ذاتي فعلي ضمن الإمبراطورية العثمانية، استمرت من عام 1704 حتى 1831. لم تكن هذه دولة بالمعنى الحديث للدول المستقلة، بل كانت سلالة شبه مستقلة من الحكام المماليك الذين سيطروا على بغداد والبصرة وأجزاء واسعة من وسط وجنوب العراق، مع الاعتراف الاسمي بسلطة السلطان العثماني في إسطنبول.
والمماليك في العراق كانوا في الأساس عبيداً مجلوبين من مناطق القوقاز (خاصة الكرج/الجورجيين) والأناضول والبلقان في سن مبكرة، يتم تدريبهم عسكرياً ليصبحوا جنوداً وإداريين مخلصين للحكام العثمانيين المحليين. مع مرور الوقت، اكتسب هؤلاء المماليك نفوذاً وسلطة داخل الباشوات العثمانية في بغداد، حتى تمكنوا من توريث الحكم فيما بينهم، مؤسسين بذلك سلالتهم الخاصة التي حكمت العراق فعلياً.
بدأت فترة حكم المماليك مع حسن باشا عام 1704، والذي يُعتبر مؤسس هذه السلالة الحاكمة. وصلوا إلى أوج قوتهم تحت حكم ولاة مثل سليمان باشا الكبير (1780-1802). انتهى حكمهم فعلياً عام 1831 عندما تمكنت الإمبراطورية العثمانية من استعادة السيطرة المباشرة على بغداد بعد حملة عسكرية بقيادة الصدر الأعظم رشيد باشا.

أبرز صفات دولة المماليك في العراق:
1. الحكم الذاتي الفعلي والولاء الاسمي للعثمانيين:
كان المماليك يديرون شؤون ولاياتهم (بغداد، الموصل، البصرة) بشكل مستقل تماماً تقريباً، مع دفع الجزية للسلطان العثماني وإرسال الهدايا، والاعتراف به كخليفة ورمز. كانت إسطنبول ترسل فرمانات التعيين، لكن اختيار الحاكم الفعلي كان يتم غالباً من داخل السلالة المملوكية نفسها.
2. التركيز على القوة العسكرية:
كان المماليك قادة عسكريين بالأساس. حافظوا على جيش قوي نسبياً يضم قوات مملوكية خاصة، بالإضافة إلى قوات محلية، لفرض الأمن والنظام ومواجهة تهديدات العشائر أو الهجمات الفارسية على الحدود.
يحرص مماليك اليوم على تدمير قدرات الجيش العراقي بحيث انهم لم يعوضوا لحد الان عن الخسائر البشرية بعد معركة داعش!!
3. محاولة تحقيق الاستقرار والأمن:
على الرغم من طبيعتهم العسكرية، حاول بعض الولاة المماليك، مثل سليمان باشا الكبير، فرض نوع من الاستقرار والأمن بعد فترات طويلة من الفوضى العثمانية. هذا الاستقرار النسبي سمح ببعض الازدهار التجاري والزراعي.
عكس دولة المماليك الحالية!
4. تطوير الاقتصاد والتجارة:
أدرك المماليك أهمية التجارة في المنطقة، خاصة التجارة عبر الخليج العربي والشرق الأقصى. سعوا لتأمين طرق التجارة وتشجيعها، مما أدى إلى فترة من الانتعاش الاقتصادي النسبي، خاصة في البصرة، التي كانت ميناءً مهماً.
عكس مماليك اليوم.
5. المنافسة الداخلية والصراعات:
لم يكن حكم المماليك دائماً مستقراً. كانت هناك صراعات داخلية على السلطة بين القادة المماليك أنفسهم، وكثيراً ما كانت نهاياتهم عنيفة. كما واجهوا تحديات مستمرة من العشائر المحلية المتمردة والتهديدات الفارسية من الشرق.
6. بناء بعض المؤسسات المحلية:
عمل المماليك على بناء بعض المؤسسات الإدارية والقضائية والتعليمية المحلية، ورمموا بعض المنشآت الدينية والعمرانية، في محاولة لتثبيت حكمهم وتعزيز سلطتهم.
7. الطابع غير الوراثي الصارم:
رغم أن الحكم أصبح شبه وراثي داخل عائلات المماليك، إلا أنه لم يكن بالضرورة ينتقل من الأب للابن الأكبر بشكل آلي، بل كان يعتمد على قوة الشخصية، والدعم العسكري، والقدرة على فرض السيطرة. هذا أدى إلى صراعات داخلية على الخلافة.

نهاية حكم المماليك:
انتهى حكم المماليك في عام 1831 عندما قررت الإمبراطورية العثمانية إعادة بسط سيطرتها المباشرة والكاملة على العراق. قاد الصدر الأعظم العثماني رشيد باشا حملة عسكرية ضخمة ضد الوالي المملوكي داود باشا في بغداد. بعد حصار طويل ومعارك دامية، سقطت بغداد وعاد الحكم العثماني المباشر للعراق، منهياً بذلك حقبة طويلة من الحكم شبه المستقل للمماليك.
بشكل عام، مثلت دولة المماليك في العراق فترة فريدة من الحكم العسكري المحلي الذي حاول تحقيق الاستقرار والازدهار في إطار التبعية الاسمية للدولة العثمانية، لكنها كانت أيضاً فترة تتسم بالصراعات الداخلية والتحكم القوي بالعسكر.

فساد المماليك في العراق: صورة مركبة
الحديث عن فساد المماليك في العراق يتطلب نظرة دقيقة، فهو لم يكن بالضرورة فسادًا بالمعنى الحديث لسرقة الأموال العامة من الميزانية، بل كان يتداخل مع طبيعة الحكم الإقطاعي والعسكري في تلك الحقبة. الولاة المماليك، رغم محاولات بعضهم تحقيق الاستقرار، كانوا جزءًا من نظام يفتقر للشفافية، وكان عرضة للاستغلال الشخصي للسلطة.
أشكال الفساد في حكم المماليك:
1. الاستغلال المالي للمناصب:
كان الحصول على منصب الوالي في بغداد أو البصرة، أو أي منصب إداري وعسكري رفيع، يتطلب غالبًا دفع مبالغ كبيرة (عادةً للسلطان العثماني في إسطنبول، أو للوالي المملوكي الذي سبقه). هذا كان يعتبر “استثمارًا” يتم تعويضه لاحقًا من خلال استغلال موارد الولاية.
لذا، كان الولاة والموظفون يعتمدون على الجبايات والرسوم غير الرسمية، والمصادرة في بعض الأحيان، لتعويض ما دفعوه وتحقيق الأرباح الشخصية.
2. فساد الجباية والضرائب:
كان نظام جباية الضرائب غير شفاف وغالبًا ما كان تعسفيًا. كانت هناك فرصة كبيرة للموظفين أو ملتزمي الضرائب (الذين يشترون حق جمع الضرائب) لجمع مبالغ تتجاوز ما هو مطلوب رسميًا، والاحتفاظ بالفارق. هذا كان يثقل كاهل الفلاحين والتجار.
3. المصادرة والابتزاز:
لتعزيز ثروتهم أو تمويل حملاتهم العسكرية، كان بعض الولاة المماليك يلجؤون إلى مصادرة أملاك الأثرياء أو التجار أو حتى بعض المسؤولين الذين يقعون في سوء حظهم أو يشتبه في ولائهم.
كان الابتزاز وطلب الهدايا الكبيرة أمرًا شائعًا من الأعيان ورجال الدين والتجار لضمان حمايتهم أو للحصول على معاملة تفضيلية.
الفساد المرتبط بالجيش:
بما أن المماليك كانوا حكامًا عسكريين، فإن جزءًا من الفساد كان مرتبطًا بالجيش، سواء في عمليات الشراء أو التمويل. لم يكن بالضرورة فسادًا يؤدي إلى ضعف الجيش بقدر ما كان وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية للقادة.
4. المحسوبية والولاء الشخصي:
كانت المناصب تُمنح بشكل كبير على أساس الولاء الشخصي للوالي المملوكي، وليس بالضرورة على الكفاءة. هذا خلق نظامًا يعتمد على المحسوبية ويُكافئ المقربين، مما يفتح الباب أمام استغلال السلطة من قبل هؤلاء الأفراد.

اذن لم يكن الفساد في عهد المماليك بالضرورة فساد مؤسساتي بالمعنى الحديث الذي نراه في الأنظمة الديمقراطية الفاسدة حيث يتم تحويل مليارات الدولارات من الميزانية العامة بشكل منهجي. بل كان أقرب إلى استغلال سلطة الحاكم المطلقة ضمن إطار شبه إقطاعي وعسكري، حيث تُمحى الخطوط الفاصلة بين المال العام والخاص بسهولة.
رغم هذا الفساد، فإن بعض ولاة المماليك، خاصة في فترات القوة مثل عهد سليمان باشا الكبير، تمكنوا من تحقيق قدر من الاستقرار النسبي والانتعاش الاقتصادي مقارنةً بفترات الفوضى العثمانية التي سبقتهم [2]. ومع ذلك، فإن الفساد كان أحد العوامل التي ساهمت في إضعاف بنيان الدولة على المدى الطويل، وجعلها عرضة للتدخل العثماني المباشر في النهاية.

المصادر:
[1] ستيفن هيمسلي لونكريك، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث. (يتحدث عن طرق جباية الضرائب، بيع المناصب، وطبيعة الإدارة).
[2] أحمد توفيق المدني، المماليك في العراق: تاريخهم ومصادرهم. (يصف الجوانب الإدارية والاقتصادية لحكم المماليك).

أحدث المقالات

أحدث المقالات