العلاقات المصرية الصينية وتغير ميزان القوى العالمي

العلاقات المصرية الصينية وتغير ميزان القوى العالمي

مقدمة:

للطبيعة قوانين تعجز عقول البشر عن إدراكها وأخرى لا يمكن فهم دوافعها وبعض القوانين لا يحترمها البشر، أمّا كيف تغضب الطبيعة على تجاوز نواميسها فالزلازل والأعاصير والحرب تترجم ذلك الغضب. لسنا في معرض البحث عن سبب دوامة الغضب لمشاهد الدمار الذي حلّ بمنطقة الشرق الأوسط لأن الأسباب تترابط تاريخيّا الى مستوى من العمق تعجز الرؤيا بدقة التحليل عن إدراكها، إذا حاولنا تفسير الصراع   سيبرز البترول كأهم الدوافع،ومن بعده تأتي الأهميّة الجغرافية لمنطقة تعتبر قلب العالم ومهد حضاراته الإنسانية ومنطلق كل الأديان التي تدين بها غالبية البشر.وإذا حاولنا القفز لما بعد التقسيم الاستعماري مع بدايات القرن العشرين، ثم فرض دولة اسرائيل كقاعدة عسكرية للغرب في الشرق الاوسط، من هنا سنفهم أسباب كل جوانب عرض المشهد التراجيديلكل ما يشهده الشرق الأوسط حاليا من صراعات وحروب بكل تجليات فصولها المأساوية ابتداء من احتلال العراق الى مانتج وتطور عنه في انهيار منظومة توازن المنطقة.

أما القوى الفاعلة فبدون شك تتقدم الولايات المتحدة الامريكية لتمثل الدور الرئيس على المسرح، ونعترف صراحة إن كل الحسابات وتوقع الأحداث لم يعد متاحا خارج دوائر صناعتها، لذلك قد تسرح وسائل الاعلام خارج أبعاد رسم واقع الحدث، أو ربما يتم تسخير الإعلام للتشويش وتشتيت الأذهان لكي يتم تمرير المياه تحت السطح. ثمة حقيقة تستوجب ألا نغفل عنها تُفيد بأن التطور النوعي للأسلحة الحربية خصوصا ما يتعلق بالدمار الشامل أنتج معه فضيلة ابتعاد الدول الكبرى عن الحرب المباشرة بين جيوشها، هذا التطور مع سباق التسلح قد أجبر الدول أن تعوضه بحروب الوكالة من خلال تجنيد الجماعات وتأسيس أحزاب ومنظمات مسلحة تؤدي وظائف تعجز الجيوش الفتاكة المتقدمة أن تحققها. ذلك ما بادرت اليه الولايات المتحدة الامريكية في مواجهة الاتحاد السوفيتي من خلال دعم الجهاد الإسلامي الأفغاني وتأسيس منظمة القاعدة الإرهابية التي تم إطلاق هذا الاسم عليها استنادا لقاعدة بيانات تجنيد المقاتلين من الدول الاسلامية. بلا شك ان هذا التوظيف لم يكن احتكار لصالح السياسة الامريكية في مواجهة الجيوش النظامية أو توظيفه في عمليات الإرهاب والتخريب أو التفكيك الاجتماعي وإشاعة الفوضى، لقد باتت أهمية هذا العامل محط اهتمام غالبية اجهزة مخابرات الدول الاستعمارية أو مشاريع التمدد السياسي الأيديولوجية.

مصر والصين في معادلة توزان القوى الدولية:

سياسيا يعيش عالمنا اليوم مرحلة انتقالية في تشكيل نظام دولي، هذه المرحلة تعتبر مخاض ولادة قيصرية لعالم جديد، في الوقت نفسه لا تخلوا هذه المرحلة من أزمات كبيرة وعواصف ومتغيرات وحتى رسم خرائط يتبدل فيها شكل العالم، حيث أن هناك شواهد كثيرة وتداعيات متسارعة تجعلنا نصل إلى حقيقة مهمة مفادها، إنمنطقة الشرق الأوسط سوف تشهد الفترة القادمة أجندة وترتيبات.وفي خضم هذه المرحلة الحساسة، وفي ظل المتغيرات الدولية الراهنة، تبرز مصر كقوة عظمى هي من ستغير المعادلة السياسية القديمة في المنطقة، تلك المعادلة التي لم تعد تصلح وتتماشى مع الوضع السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، وفق معطيات جديدة بواقع القرار الذي ستفرضها المعادلة السياسية لمصر. لاسيما إن منطق القوّة اليوم لا يتحدد وفق معايير القدرة على التدمير النووي وعدد الصواريخ العابرة للقارات، تلك القدرة التي لا تتعدى كونها قوة ردع غير قابلة للاستعمال أو أنها ستدمر من يبادر في استعمالها. القوّة العظمى هي القوّة التي تتعايش مع الأمم بمنظور الاحترام لمن يمتلك مقوماتها، والتي تحافظ بفرض إرادتها على تحقيق السلام والأمن الدولي، وليس تأجيج الصراعات والاتجار بمصير الشعوب وسحق مقدرات وجودها الحضاري.

في السياق ذاته، برزت الصين كقوة اقتصادية صاعدة بعد نهاية الحرب الباردة، حيث تحولت الصين من قوة إقليمية آسيوية إلى قوة عالمية تستند إلى نمو اقتصادي كبير، هذه القوة وفرت لها الخيارات والفرص، وتوسيع قدراتها الدبلوماسية، والانتقال من سياسة الحياد السلبي إلى سياسة أكثر فاعلية واستجابة وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط. من هنا أصبح للصين تواجد في كل مناطق العالم، إفريقيا، أمريكا اللاتينية، منطقة الشرق الأوسط، لاسيما أن الصين ترتبط بمنطقة الشرق الأوسط بمصالح حيوية، أبرزها تأمين الطاقةإضافة إلى مصالح إستراتيجية أخرى. وعلى الرغم من أن الصين والعالم العربي يرتبطون بعلاقات تاريخية، إلا أن المنطقة العربية لم تكن محور الاهتمام في الاستراتيجية الصينية كما هي عليه اليوم، حيث ظل الدور الصيني يقتصر على التبادلات التجارية والثقافية،ولم تسعى الصين لوجود فعلي في المنطقة.

بالتالي فإن بلورت العلاقات المصرية الصينية سيعكس محددات سياستهما الخارجية تجاه المنطقة وفق ما يخدم منطقة الشرق الأوسط بصورة عامة والمنطقة العربية بصورة خاصة. عليه يمكن لنا أن نفهم ما هي العوامل الدافعة للعلاقات المصرية الصينية وانعكاساتها الايجابية على الأمن الإقليمي العربي، لاسيما أن العالم العربي يشكل عمق استراتيجيا للقوى الكبرى الطامحة للتنافس على قيادة العالم.

وفقا لما تقدم، ستكون العلاقات المصرية الصينية دورها، دور الموجه الذي يدعم سبل تحقيق السلم والأمن في المنطقة، والتي ترفضدور الهيمنة وبسط النفوذ والسيطرة. في الوقت نفسه سيعكس التقارب المصري الصيني على تفعيل أسلوب الوساطة الدبلوماسية، وتوسيع المشاركة في حل القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، والقيام بدور بناء في دعم التهدئة والسلام، وحماية الأمن والاستقرار. ومن خلال تجارب التاريخ المعاصر كانت مواقف كلا من مصر والصين تعاملهما مع متغيرات الوضع في المنطقة العربية تعكس قدرا كبيرا من الايجابية. من ثم فإن العلاقات المصرية الصينية ستدعم استقرار البنية السياسية للدول العربية، بيد أن الصين تاريخيا لا تهتم بطبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة في المنطقة، ولم تسعى مطلقا بترويج أيديولوجيتها. وبلا شك أن العلاقات المصرية الصينية ستحدث طفرة هائلة فى جميع المجالات، وستغير ميزان القوى العالمي، في الوقت نفسه فإنمحددات مستقبل العلاقات المصرية الصينية سينعكس ايجابيا على أمن المنطقة العربية.

استاذ الفكر السياسي

أحدث المقالات

أحدث المقالات