أهل السياسة بين القدوة والشعارات

أهل السياسة بين القدوة والشعارات

في رحلة بناء الإنسان والمجتمع تبرز قيمة العمل والقدوة الحسنة كأهم وأعمق وسيلة للتأثير والتوجيه. ليست الكلمات وحدها من تقود الناس إلى الأيمان بالمبادئ بل الأفعال التي تجسّد تلك الكلمات على أرض الواقع. وتأتي قصة ذو القرنين في التأريخ مثالاً خالداً على هذا المعنى العميق فقد قدّم نموذجاً في كيفية الوصول إلى قلوب الناس وعقولهم من خلال العمل لا المجادلة ومن خلال خدمة حاجاتهم لا فرض الأفكار عليهم قبل أوانها.

حين دخل ذو القرنين على قومٍ بدائيين لا يملكون من وسائل الحياة شيئاً لم يبدأ دعوته إليهم بكلام الوعظ بل بدأ بسد حاجاتهم الأساسية في إشباع جوعهم وتعليمهم سُبل الحياة الكريمة من زراعة وصناعة وبناء. لقد أدرك بفطرته القيادية أن الإنسان الجائع والمُهمَل لا يمكن أن يصغي بصدق إلى حديث عن العقيدة قبل أن يشعر بأن من يحدثه يفهمه ويهتم به ويُحسن إليه.

ومع مرور الزمن، تحوّلت تلك القبائل من جماعات بدائية إلى مجتمع حضاري قادر على التواصل والعمل والبناء. وعندما حان وقت الحديث عن الإيمان، لم يحتج ذو القرنين إلى كثير من الشرح فكان سلوكه هو الكلام وأعماله كانت البرهان. ولما سألوه عن دينه آمنوا به لأنه جسّد القيم التي دعاهم إليها قبل أن ينطق بها.

في هذا النموذج درسٌ بليغ لنا جميعاً : لا تُطلب الهداية من الناس بالكلام فقط بل بالفعل الصادق والنية الطيبة. القائد، المعلم، الداعية، أو أي صاحب فكرة وحتى العائلة، إن لم يكن قدوة في أفعاله فلن يستمع إليه أحد مهما زَخرف قوله. فالدين معاملة والإيمان بالقائد يترسخ في النفوس عندما يرى الناس أثره في الحياة اليومية.

إن بناء المجتمعات يبدأ بالعمل لا بالشعارات. يبدأ بالحرص على كرامة الإنسان، لا بإلقاء الأحكام عليه. ومن يسعى إلى هداية الناس عليه أولًا أن يكون نوراً في دروبهم، وسنداً في حاجاتهم ومثالًا في خُلقه وسلوكه.

الدكتور محمد مهاتير في ماليزيا خير مثال لنا في عصرنا الذي بجهوده حول ماليزيا إلى دولة عصرية متقدمة كما سبقه بسنوات رئيس سنغافورة .

لقد صدق من قال : “دع عملك وأخلاقك تحدث الناس عن دينك أو فكرك ”. فكم نحن اليوم بحاجة إلى هذا المنهج في الدعوة والتربية والسياسة والإصلاح وأن نعمل بصدق فنكون قدوة ليتبعنا الناس عن قناعة لا عن مجاملة أو خوف.

أحدث المقالات

أحدث المقالات